مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله من الولادة إلى البعثة

الشيخ أحمد خشاب


لقد اتفقت كلمة المسلمين على أن ولادة نبي الإسلام كانت في شهر ربيع الأول في عهد ملك الفرس المشهور كسرى أنو شروان وفي السنة التي أهلك الله أصحاب الفيل وهم الذين عزموا على تخريب بيت الله وهدم الكعبة الشريفة فجعلهم الله كعصف مأكول وقد حسب بعض العلماء هذا التاريخ فكان موافقاً لـ570م.

كانت ولادته صلى الله عليه وآله يوم الجمعة بعد طلوع الفجر بين الطلوعين وقد سبق هذه الولادة المباركة وصحبتها آيات وعلامات كونية سماوية وأرضية فامتلأت السماء حرساً وشهباً فمنعت الجن من استراق السمع من السماء وحارت في أمرها أينما توجهت اتبعها شهاب ثاقب "سورة الجن". وعند وضعه رأت آمنة نوراً أضاءت له قصور الشام وخمدت نار المجوس في بلاد فارس ووقعت الأصنام عن ظهر الكعبة وتكسرت وانشق إيوان كسرى.

ولم تكن هذه الآيات فقط بل يحدثنا التاريخ عن معاجز أخرى كالغمامة التي أظلته في سفره إلى الشام مع عمه أبي طالب ونبوع الماء من بين أصابعه. وكان يرى من خلفه كما يرى من أمامه ويكلم الحيوانات ويعرف لغتها وتطيعه الجمادات والنباتات وتسبح الحصى بين أصابعه ويخبر بالمغيبات كإخباره بشهادة الحسين عليه السلام ومقتل عمار وقتال الناكثين والمارقين والقاسطين لأمير المؤمنين علي عليه السلام ويحيي الموتى ولقد كان أمياً لا يعرف القراءة ولا الكتابة ويأتي بأعظم معجزة خالدة متميزة عن سائر الأنبياء وغير ذلك الكثير. لقد شاء الله أن يموت عبد الله والد الرسول قبل ولادته بسبعة أشهر فينشأ الرسول يتيماً، ورغم عاطفة الأم الجياشة والحب الكبير لوليدها لم ترد له إلا الأحسن حيث كانت عادة الأشراف أن يرسلوا أولادهم إلى البادية للرضاع لينشأ صحيح البدن بما تعطيه الطبيعة من مناعة، فصيح اللسان قليل الاختلاف بالأجانب وأقوى جناناً وأصفى فكراً لبساطة حياة البادية ولذلك حين قدمت حليمة السعدية مع رفيقات لها إلى مكة وعرض عليها الرسول قبلته، وما يقال أنها رفضته بداية ليتمه وحين لم تجد غيره قبلته فلا نقبل به لكفالة جده سيد مكة له وأمه من أشراف مكة. وقد ظهر للرسول صلى الله عليه وآله كرامات في منزلها وقبيلتها تحدثت عنها حليمة حتى أن النسوة تمنين أن يكون يتيم عبد المطلب عندهن.

وحين بلغ الرسول من العمر خمس سنوات أعادته إلى كنف أمه وجوار جده وأعمامه. وهو في السادسة من العمر يتوفى الله أمه في منطقة الأبواء في طريق عودتها من زيارة أخواله من بني عدي بن النجار من المدينة حيث دفنت ويعود إلى مكة مع أم أيمن هذه المرأة الوفية المؤمنة الملازمة لأهل البيت عليهم السلام وقد روى مسلم أن الرسول صلى الله عليه وآله قال: "استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي فزوروا القبور تذكركم الموت" وهذا الحديث حجة على من يمنع زيارة القبور ليعيش الرسول في كنف جده عبد المطلب العارف بنبوته وهو القائل لمن أراد أن يبعده عنه دع ابني فإن الملك قد أتاه ولما سمعه من بشائر وشاهده من دلائل فكان لا يأكل إلا بحضوره ولا يسمح بإزعاجه عاش الرسول في كفالة جده سنتين وفي السنة الثامنة من عمره الشريف توفي جده بعد أن اختار أبا طالب لكفالته والقيام بشؤونه والحفاظ على حياته ومن المعروف أن أبا طالب لم يكن أكبر أولاده ولا أكثرهم مالاً لأن الأسن هو الحارث والعباس هو الأكثر مالاً لكنه كان أخاً لعبد الله من أبيه وأمه ومن الطبيعي أن يكون أكثر حناناً ولأنه كان أنبل أخوته وأكرمهم وأعظمهم وأجلهم فيجتمع تحت سقف بينخ نورا النبوة والإمامة ومن المعروف عندنا أن أبا طالب كان مؤمناً بالدين الحق.

ويتجلى هذا الأمر بأشعاره ومواقفه وتضحياته فهو القائل:

نبي كموسى والمسيح ابن مريم

ليعلم خيار النار أن محمداً

رسولاً كموسى خط في أول الكتب

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً


وهو الذي كان مستعداً لمعاداة قومه والتخلي عن مكانته الاجتماعية ليحافظ على النبيّ وقد تحمل الحصار ثلاث سنوات في الشعب. وهو يرى جوع الأطفال حتى اقتاتوا ورق الشجر ويتحمل غربة ابنه جعفر في الحبشة ويبذل كل ماله ويحمي الرسول بنفسه ويضحي بولده الأصغر علي بتبييته على فراش الرسول (2) ويكفي دلالة على إيمانه أن النبي صلى الله عليه وآله لما توفي أبو طالب وبعده خديجة بثلاثة أيام سمى العام عام الحزن وقد روى اليعقوبي في تاريخه أن الرسول صلى الله عليه وآله قال اجتمعت على هذه الأمة مصيبتان لا أدري بأيهما أنا أشد جزعاً فجعل صلى الله عليه وآله موتهما مصاباً للأمة كما وأن النبي لا يحب إلا في الله ولو مات كافراً لكان شنع معاوية والزبيريون على علي عليه السلام بذلك رغم أن علياً عليه السلام كان يزري عليهم ويذكرهم بكفر الآباء والأمهات وعلى كل حال الأدلة على إيمانه كثيرة والأحاديث الواردة كذلك وليس هنا محل التفصيل. والنتيجة أن أبا طالب قد أحسن العمل فآوى ورعى وحمى وآزر وقد كانت زوجته فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام والإيمان وهي المتبعة ملة إبراهيم عليه السلام وحين المخاض لجأت إلى المسجد الحرام مقرة بإيمانها مقسمة عليه بإبراهيم وبالذي في بطنها لتيسير ولادتها فانشق لها جدار الكعبة الشريفة لتدخل وتضع علياً وهي التي كانت ترعى الرسول خير رعاية فكانت تطعمه قبل أن تطعم أبناءها وتدهنه وتترك أطفالها شعثاً وكان الرسول صلى الله عليه وآله يحبها ويناديها يا أمي.

في هذا البيت الإيماني عاش الرسول بعد وفاة جده وتحدثنا الروايات الواردة أن الرسول لم يعبد صنماً على الاطلاق ولم يكذب أو يسرق أو يخون وكان يتجنب الأعمال القبيحة وغير المقبولة ويتميز بالعمل والكفاءة فعرف بالصدق والأمانة وحسن السيرة والتصرف فلقد قرن الله به منذ كان يتيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومكارم أخلاق العالم لقد قام الرسول صلى الله عليه وآله بسفرتين إلى خارج الحجاز. وكلاهما قبل البعثة وكانتا إلى الشام الأولى مع عمه وهو في الثانية عشرة من العمر وفي الطريق انكشفت حقيقة شخصية الرسول للراهب بحيرة حين راقب القافلة من صومعته ورأى الغمامة تظلل القافلة فقفل أبو طالب عائداً بالرسول حرصاً عليه.

والسفرة الثانية وهو في الخامسة والعشرين من عمره حين ذهب للتجارة شريكاً مضارباً بأموال خديجة إذ أن الرسول لم يكن أجيراً عند أحد قط ولاستقامته وصلاحه وعقله انجذبت خديجة لشخصيته فسمعت بنفسها بطريق غير مباشر واقترحت عليه أن يتزوجها وهي التي لم تتزوج قبله بأحد وقد تقدم لخطبتها أشراف مكة وكبارها فرفضتهم فقبل صلى الله عليه وآله وكان له من العمر خمسة وعشرون وقد كانت من خير نساء قريش وأحسنهن جمالاً معروفة بالجاهلية بالطهارة وسيدة قريش ولهذه السيدة الجليلة فضل كبير فهي أول من آمنت من النساء وصدقت وجاهدت وبذلت كل ما تملك في سبيل الله. وكان لها موقع خاص في قلب الرسول صلى الله عليه وآله فلذلك بقي يذكرها بكل خير ويكرم صحبتها طيلة حياته، ولم يتزوج عليها أي امرأة في حياتها.

لم يكن الرسول بعيداً عن الأحداث التي تجري في مكة فالتاريخ يحدثنا عن مشاركته في حلف الفضول الذي انعقد للدفاع عن المظلومين في مكة وفي عملية بناءَ الكعبة الشريفة وقد كان أهل مكة يسترشدون به في كثير من أمورهم. فها هو يرفع خلافاً كاد أن يؤدي لسفك الدماء وذلك عندما عزمت قريش على إعادة بناء الكعبة بعد أن تهدمت جدرانها واختلفت القبائل في من يضع الحجر الأسود في مكانه كل قبيلة تريد أن تفتخر بذلك وتتشرف فجعلوا الرسول حكماً. فبسط رداءه ووضع الحجر الأسود عليه وشاركت كل القبائل بحمله من خلال حمل الرداء ليضعه الرسول في مكانه ويضع بذلك حداً للخلاف.

ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وآله قبل البعثة كان يرى أحلاماً جلية وواضحة تأتي مثل فلق الصبح وكان يسمع أصوات الملائكة وهي تسلم عليه. لقد كان الرسول صلى الله عليه وآله فقيراً يعمل ليعيش وحيداً بين قومه، فلم يكن هناك من أهل مكة جميعاً أليق من علي بن أبي طالب ليكون رفيقاً روحياً له فيأخذه النبي صلى الله عليه وآله صغيراً يتربى في حضنه، وحين كان يذهب للصحراء يأخذه معه وعلي عليه السلام كان يتبعه إتباع الطفل أثر أمه، وحين كان الرسول صلى الله عليه وآله يترك مكة ويبتعد عن خديجة ويصعد جبلاً مخروطي الشكل في شمالي شرقي مكة إلى غار باعلاه اسمه حراء ليعبد الله يأخذ علياً معه حتى حين نزل الوحي كان معه وهو القائل ولقد جاورت رسول الله بحراء ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزول الوحي ويقول له الرسول إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ولكنك لست بنبي في هذا الغار جاء الروح الأمين ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فيبعث بالنبي صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين وله من العمر أربعون سنة وذلك في شهر رجب لأجل إحياء الإنسان وتحرير الشعوب من ظلم الخرافات والأوهام والسلطات الظالمة وشتى أنواع الرذائل والمفاسد.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع