مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

صور من حياة الشيخ أحمد يحيى‏ علم جهاد وشهادة

إعداد: محمد ناصر الدين/ ايفا علوية ناصر الدين


في ظل شجرة الصنوبرة الواقفة عند مدخل قريته رشاف لاستقبال الأهالي المحتشدين استعداداً للدخول إليها جلس الشيخ أبو ذر متكئاً على جذعها تتدفق في قلبه نبضات خوف ارتعش لها بدنه وزعزت كيانه. لقد شعر أن الفرصة التي انتظرها منذ سنوات عديدة قد ضاعت برحيل جنود العدو وعملائهم ململمين خيبتهم عن أرض المقاومة تاركين حلمه بالشهادة يتكسر عند شاطئ‏ الانتصار.

* العالم المجاهد

كان حلم الشهادة والسفر إلى اللَّه للقائه بثوبها هدفاً يصبو إليه الشيخ أحمد يحيى وأمنية عزيزة سعى إلى تحقيقها من خلال التحاقه بمجاهدي المقاومة الإسلامية الذين لم تغب صورتهم عن عينيه أبداً وهو يتابع دراسته الدينية في مدينة قم ولذلك فقد كانت الخطوة الأولى التي يقوم بها بعد عودته من إيران مباشرةً الذهاب إلى الجنوب والالتحاق بصفوف المقاومة الإسلامية ومباشرة العمل الجهادي تحت لوائها. تخبرنا زوجته: "عندما رجعنا من إيران توجّهنا لزيارة الأهل في بيروت وهناك تركنا الشيخ ليذهب في مشوار ضروري لم يعد منه حتى المساء عندما حضر أخي من الجنوب ليخبرني بأن الشيخ أرسله لاصطحابنا إلى هناك ومنذ ذلك الحين بدأ مشواره في الحياة التي اختار طريقه فيها وكنا ننتقل بين قرى الجنوب للسكن بالقرب من مكان عمل الشيخ في المحاور".

هناك في ربوع جبل صافي عاش الشيخ أبو ذر أحلى أيام عمره متنقلاً بين محور وآخر حيث استلم فيها مسؤوليات مهمة كان أبرزها تسلمه مسؤولية تبليغات المقاومة التي ما اقتصر دوره يوماً فيها على إعطاء الدروس للإخوة المجاهدين لأنه كان رافضاً لأي عمل يبعده عن المشاركة الفعلية في العمل المقاوم لذلك فإنه إلى جانب الدروس التي كان يعطيها الشيخ للمجاهدين كان مشاركاً فعالاً في تنفيذ العمليات العسكرية. يقول الشيخ أحمد وهبي والذي كان ممن عرفوا الشيخ أبو ذر وقد كان جاراً له في إحدى القرى الجنوبية التي أسكن عائلته فيها: "قدّم الشيخ في المقاومة نموذجاً للعالم المجاهد الذي أمضى حياته سعياً وجهاداً في سبيل اللَّه وقد كان يرفض أي مسؤولية تتطلب منه القيام بالعمل الإداري فقط لأنه لم يكن يرضى أن يُحجر في مكان واحد لشغفه بالتنقل بين المحاور والمشاركة في العمليات".

* رفيق الدرب‏
بالإضافة إلى صفة العالم المجاهد كانت تكتنف شخصية الشيخ أبو ذر صفات عديدة اشتهر فيها بين إخوته المجاهدين منها شجاعته وإقدامه حيث كان يعتبر واحداً من أبطال المقاومة الإسلامية الذين كانت توكل إليهم المهمات الصعبة والخطيرة فلم يكن يرضى إلا أن يشارك في مجموعات الهجوم يسير حاملاً على كتفه سلاحه المفضل الـBKC وهو في طريقه لتنفيذ عملية ضد أحد المواقع مع رفاقه المجاهدين. هذه الشجاعة التي تميز بها جميع مجاهدي المقاومة الإسلامية والتي لطالما أرهبت جنود المحتل وعملاءه كانت تبعث في نفوس المقاومين شعوراً بالاطمئنان أثناء قيامهم بالهجوم على مواقع العدو. وفي حياة الشيخ أبو ذر الجهادية الكثير من القصص التي تلخص كل ما كانت تتمتع به شخصيته من صفات ومميزات ولأن الحديث عن شيخ المقاومين لا يخلو من هذه القصص فقد كان في جعبة كل من حدثنا عنه الكثير منها وهذه واحدة أخبرنا بها الحاج علي جواد مدير عام مؤسسة الجرحى ومن الذين عايشوا الشيخ أبو ذر حيث تحكي عن اطمئنان الشيخ الذي كان يجسده أثناء تنفيذ العمليات: "في عملية بدر الكبرى والتي كان الشيخ أحمد يحيى في عداد منفذيها رابط المجاهدون ليلتين وفي الثالثة تم تنفيذ العملية وعند حلول الليل كان يتحدث الشيخ مع الأخوة بصوت أعلى من المفروض فطلب منه مسؤول المجموعة أن يخفض صوته قليلاً حتى لا يفتضح أمرهم فما كان من الشيخ إلا أن أجابه قائلاً: هل جئنا إلى هنا لنسرق أم لنقتل هؤلاء الكلاب؟ ثم سكت وعند بدء العملية كان من أوائل المقتحمين الذين أسروا ملالة نصف مجنزرة والتي صعد إليها الشيخ وقادها بهتافات اللَّه أكبر متميزاً بجرأته الكبيرة".

* البندقية عزتنا وشرفنا
أكد الشيخ أحمد يحيى من خلال مسيرته الجهادية على ضرورة التلاحم بين العالم والمجاهد لأنهما لا يمكن أن ينفصلا أصلاً وكان يشعر خلال وجوده في المحاور أن اللباس العسكري يزيده حضوراً يقول الحاج علي جواد: "في فترة من الفترات كان قرار القيادة ضرورة المحافظة على أن يلتزم العلماء بزيّهم فاعترض الشيخ وأرسل شكواه إلى السيد حسن قائلاً إن البندقية هي عزتنا وشرفنا مصراً على ارتداء البذلة العسكرية". لم يكن يصر الشيخ فقط على ارتداء اللباس العسكري بل كان اصراره الكبير هو على المشاركة في العمليات العسكرية وكان يفعل المستحيل ليشارك في أكبر عدد منها وكان يمتلك حاسة شم غريبة لتحركات المقاومين فقد كان يعرف أخبار العمليات من مصادره الخاصة. فماذا كان يحصل عندما يعلم الشيخ أبو ذر بالتخطيط لعملية ما لم يرد اسمه في عداد منفذيها؟

يحكي لنا الأخ فادي من مجاهدي المقاومة الإسلامية عن حادثة حصلت عن هذا الموضوع: "في إحدى المرات وبعد تقسيم الهيكلية النهائية اعتذر المسؤولون من بعض الإخوة لعدم اشتراكهم في العملية لكثرة العدد الموجود فتقدم الشيخ من هذا المسؤول طالباً منه السماح له بالمشاركة فيها ممازحاً إياه ليسأله بإصرار غير مباشر: ألا يوجد هنا أي BKC لا يحتاجه أحد فاحصل به على شرف المشاركة". حادثة أخرى من هذا القبيل يرويها لنا الحاج علي جواد: "عند تجهيز المجاهدين للخروج إلى عملية على موقع علمان الشومرية وصل الشيخ وكان قد حصل على معلومات عنها بطريقته الخاصة فأتى طالباً المشاركة فيها ولدى إصراره تم فرزه مع مجموعة في موقع خلفي لأن مجموعة الهجوم كانت قد انطلقت قبل وصوله ومن ثم حالت الظروف دون تنفيذ العملية وتم الانسحاب إلى نقطة الانطلاق وعندما رجعت مجموعة الهجوم انخرط الشيخ بينهم ولما ذهبوا لتنفيذ العملية حمل سلاحه ورافقهم وفي تلك العملية تميّز الشيخ بشجاعة كبيرة فقد سيطر المجاهدون على الموقع ودخلوا إليه وقد أصيب الشيخ واضطر أن يعود زحفاً إلى نقطة الانطلاق".

* في المهمات الصعبة:
كان تنفيذ المهمات الكبيرة يُدخل السرور على قلب الشيخ أبو ذر ويؤكد كل من عرفه من المجاهدين وهم كثيرون على التزامه بتنفيذ كل ما يُطلب منه أثناء تأديته لمهمة عسكرية أو التحضير لها فلم يكن يشعر بأي خصوصية تمنعه من أداء أي عمل مهما كان شاقاً وصعباً وكان بحسب الأخ فادي: "لا يفرق بينه وبين الأخوة في الواجبات أبداً حتى أنه كان يساعد في واجبات الآخرين فقد كان يقوم بكل شي‏ء وكان يحب عمله كثيراً ولا يحب الجلوس في مكان ليس فيه عمل". ويذكر لنا الحاج علي جواد هذا الأمر في قصة حصلت مع الشيخ أبو ذر: "في إحدى العمليات على موقع بئر كلاب بقي المجاهدون ومن بينهم الشيخ أحمد يحيى في مهمتهم حوالي يومين كاملين بدون طعام إلا من بعض الحلويات وكمية قليلة من الماء وكانوا قد أنهكوا تماماً وعندما وصلوا تم تعويضهم عن التعب والإرهاق، في هذا الوقت كان من المقرر تنفيذ عملية على موقع سجد وبالرغم من عودته من المهمة تلك فقد استجاب الشيخ لنداء الإخوة بضرورة مشاركته في عملية سجد وقد وفقهم اللَّه تعالى بتحقيق النجاح فيها وقتل ثلاثة من جنود العدو" هذه الروحية تجلّت في جميع العمليات التي شارك الشيخ أبو ذر في تنفيذها والتي يفوق عددها الخمسين عملية إلى جانب مشاركات أخرى في الكمائن والمناورات والتدريب ومن أهم العمليات التي شارك فيها: عملية بدر الكبرى علمان الشومرية علي الطاهر 1987 عملية الدبشة السويداء قبل حرب نيسان.

* أساس النجاح‏
إن التزام الشيخ أحمد يحيى بتنفيذ أي مهمة يوكلها إليه المسؤولون ينبع من إيمانه العميق بوجوب العمل بالتكليف وطاعة الولاية لأنه يعتبرها أساساً لكل نجاح وأهم من النصر بحد ذاته وبالرغم من اندفاعه القوي للمشاركة في العمليات فإن تصرفه حين كان يذهب ليطلب الإذن بالسماح له يدل على مدى محافظته على الالتزام بالتكليف وعدم فرض إرادته على الآخرين وهناك قصص كثيرة يرويها المجاهدون عن الشيخ أبو ذر في هذا الإطار يذكر لنا الشيخ أحمد وهبي إحداها: "في إحدى العمليات طلب منه الإخوة عدم المشاركة في الهجوم وجعلوه في الإسناد والقصف الصاروخي واشترطوا عليه أن يرمي صاروخاً واحداً وعند التنفيذ كبس على أزرار راجمة الصواريخ لتنطلق كلها.

هذا طبعاً بعد السماح له في آخر لحظة بذلك لأنه كان يصر على أذية العدو بشكل أكبر". ويروي الحاج علي جواد حادثة أخرى: "قبل حرب نيسان نفذ المجاهدون عملية على موقع السويداء وقبل تنفيذها ذهب مسؤول العمليات مع الشيخ أبو ذر وشخص آخر لإجراء استطلاع نهائي. وعندما وصلوا قرب الموقع قال مسؤول العمليات للشيخ ممازحاً يا شيخ ما دمنا قد أتينا إلى هنا وهذا العدو أمامنا فلماذا لا نطلق النار عليهم ونقتلهم فتحمس الشيخ وأراد ذلك لكنه التفت إلى أن المسؤول يمازحه فتوقف عن ذلك".

* أبو المقاومين
إن الجدية والحزم الذي كان يعتمده شيخ المجاهدين خلال العمل كانت تقابله عفوية صادقة في التعامل مع المجاهدين حيث كانت تربطه بهم علاقة مميزة جداً فقد كانوا يحبونه ويستأنسون بوجوده الذي كان يفرض أجواء طيبة من الألفة والمحبة والاحترام. كانوا يحبونه لصدقه وتواضعه وأخلاقه العالية حتى أطلقوا عليه لقب أبو المجاهدين وقد ناله بجدارة. هو أبو المجاهدين لأنه كما يقول الشيخ أحمد وهبي: "يعرف أسماء جميع المجاهدين والشهداء وكيفية ومكان استشهادهم وكل التفاصيل حيث كان من النادر جداً أن لا يعرف اسم أي شهيد وقد ودع الكثير من الاستشهاديين قبل ذهابهم إلى عملياتهم الاستشهادية". هو أبو المجاهدين لأنه كان الوالد الذي استحق منهم كل تقدير بعدما أفاض عليهم بحنانه وسعة صدره وفتح أبواب صداقته للجميع. يقول الأخ فادي: "عندما تجلس معه تشعر بأنه لا يوجد بينك وبينه أي حاجز فقد كان تواضعه غير طبيعي وكان مؤثراً جداً حتى أن جميع الإخوة الذين كانوا يأتون للمرابطة كانوا يعشقون الجلوس والحديث معه".

كانت هذه الصورة والمثال الذي قدمه الشيخ للشخصية الجهادية الحقة دافعاً قوياً لارتباط الشباب وتعلقهم به وكيف لا يتعلقون به وقد كان لا يتوانى عن خدمتهم وهذه خصلة اشتهر بها الشيخ بينهم حيث كان يتعمد القيام بجميع الخدمات المطلوبة في المكان الذي يتواجد فيه ويسابق الإخوة على القيام بهذه الأعمال".

* دروس ومواقف‏
كثيرة هي الدروس التي تعلّمها هؤلاء المجاهدون من شيخهم الحبيب وأباهم العزيز وأخيهم الطيب فما زالت كلماته تتردد في أسماعهم وهو يشدد عليهم ويؤكد لهم ضرورة الإخلاص للَّه تعالى في العمل وعدم رؤية أي شي‏ء يقدمونه مقابل عطاءات الإمام الحسين عليه السلام وأهمية الدعاء للَّه تعالى بأن يرزقهم حسن العاقبة والشهادة في سبيله. لقد كان الشيخ أبو ذر يجسدّ هذه الدروس ليس فقط عند الإخوة المجاهدين بل أينما كان وخصوصاً في بيته الذي كان يجمعه بزوجته وأولاده عند عودته من محاور المقاومة. فمثلما كان يصر على رفض ركوب أي سيارة حديثة يتركها له أحد الإخوة ليتنقل بها كان يصر على رفض أي شي‏ء تريد زوجته أن تخصصه به من مأكل أو ملبس وهو زيادة عن حاجته التي كان زهده فيها واضحاً وجلياً وتتذكر زوجته كيف كان يقول لها دائماً: "انظروا إلى حياة الأئمة عليهم السلام وإلى حياة الإمام الخميني قدس سره انظروا إلى من هو أقل منكم فهذه الدنيا زائلة ولا تساوي شيئاً لأن الحياة فيها كمن يجلس ليتفيأ تحت شجرة ثم يغادرها".

وتتذكر أيضاً كيف كان يسألها دائماً عن أغراض زائدة عن حاجتها في البيت يمكن أن يأخذها لشباب المقاومة وعن ثياب يمكن أن يتبرعوا بها إلى أناس محتاجين: "كان دائماً هكذا، يريدنا أن لا نهتم بالأمور الدنيوية أبداً". أما والدته التي عرفته صغيراً يساعد والده في القرية وفتىً يجتمع حوله كبار السن في المسجد ليقرأ لهم القرآن وشاباً التحق بسلك الدولة ليعيل أهله بعد استشهاد والده على يد جنود العدو، هذه الوالدة ما زالت تتذكر الكثير من المواقف التي اتخذها الشيخ والولد البار في حياته ومنها: "تركه لوظيفته الرسمية التي استمر فيها فترة أربع سنوات محولاً الثكنة إلى حسينية كما كان يقول له الضابط حيث كان مواظباً على العبادة وعلى توجيه زملائه نحو الأمور الدينية وقبل ذلك تركه للدراسة في الجامعة في أول سنة دخل إليها ثم غادرها لعدم ملاءمته للأجواء فيها ورغبته الشديدة في دراسة العلوم الدينية وهذا ما دفعه إلى الالتحاق بالحملة الإيرانية بعد انتهائه من أداء فريضة الحج. ومن الأمور التي كانت أيضاً في طليعة اهتمامه صلة الرحم التي كان يشدد عليها كثيراً وحسن معاملة زوجته التي تؤكد أنه: "طوال سنوات عشتها معه لم يطلب مني أي شي‏ء بصيغة الأمر وكان شديد القناعة لا يطلب شيئاً لنفسه".

* بين يدي اللَّه
كان الجانب الأخلاقي من حياة الشيخ أبو ذر يشكّل محوراً أساسياً بنى عليه شخصيته واضعاً رضى اللَّه ميزاناً يُحكّم فيه أموره وخطّاً لا يمكن تجاوزه أبداً ولذلك فقد كان يحكم تصرفاته جميعها الخوف من اللَّه تعالى النابع من الإيمان الخالص به والذي كان يدفعه لتحمُّل أي شي‏ء مقابل نيل الأجر والثواب كاستضافة أولاد الشهيد صالح حرب أخي زوجته بعد استشهاده لمدة سبع سنوات عاشوا فيها كأولاده يربيهم ويعلّمهم ويعطف عليهم ليعوضهم حنان الأبوة الذي فقدوه تقول زوجته: "كان يحبهم كثيراً وعندما يعود إلى البيت في المساء أحياناً، أقدم له طعام العشاء فلا يقبل أن يمدّ يده عليه حتى يجلس أولاد أخي ليأكلوا معه من نفس الوعاء الذي يأكل فيه مع أنهم يكونوا قد تناولوا طعامهم قبل مجيئه وكان يقول لي دائماً هؤلاء أيتام فيهم الأجر الكبير". كان يعكس إيمانه الخالص باللَّه تعالى علاقته به وكان مرآة تلك العلاقة عبادته التي تميزت بالخشوع والانقطاع إلى اللَّه خصوصاً في الصلاة والدعاء. يذكر لنا هذا الأمر جميع الذين تحدثنا إليهم ومنهم الشيخ أحمد وهبي: "كنا نشعر أنه أثناء الصلاة كأنه يغيب عن هذه الدنيا والخشوع بادٍ على ملامحه حتى يبدو للوهلة الأولى أن هناك اختلالاً في الطمأنينة من كثرة الاهتزاز والبكاء وكان مواظباً على زيارة عاشوراء كل صباح والدعاء للإمام الحجة عجل الله فرجه وأسلوبه في الدعاء كان مميزاً جداً".

* لماذا أبو ذر:
سألنا عنه: لماذا أبو ذر؟ ما هو سبب هذه التسمية؟ من أطلقها ولماذا؟ وكان الجواب بلسان الشيخ أحمد وهبي: "كان الشيخ نموذجاً لأبي ذر الغفاري لأنه كان يعيش غريباً عن هذه الدنيا، كان يعيش الغربة في حركته وانطلاقته. لقد أحب هذا الاسم الذي أطلقه عليه المجاهدون لأنه كان يشبه أبا ذر في أسلوب حياته فقد كان يحمل منزله على ظهره متنقلاً بحوائجه المعدودة وأثاث بيته المتواضع كما أبو ذر الغفاري تماماً وقد كان يشبهه أيضاً بصدقه وتواضعه وحمل سلاحه ودمه على كفّه".

* سفر إلى اللَّه:
في الفترة الأخيرة وبعدما بلغ اندحار العدو الإسرائيلي عن القرى المحتلة مراحله النهائية اشتد خوفه الذي كان طالما يراوده بأن لا ينال شرف الشهادة ولذلك فقد شعر عندما كان واقفاً مع الأهالي عند مدخل قريته رشاف بنبضات قلبه تتسارع خوفاً للحظات ما لبثت أن ذهبت أدراج الرياح لأنه شعر بعدها فوراً بالاطمئنان بأن اللَّه لن يرد له طلبه بالشهادة أبداً. هذا ما كان يؤكده للشباب عندما كانوا يمازحونه قائلين: "راحت عليك يا شيخ ستنسحب إسرائيل ولن تستشهد". كان يعلم أن هذا أمرٌ محتومٌ بعدما رأى في منامه قبل أسبوع تقريباً الشهيد صلاح غندور يدله على مكانه هناك ويقول له سوف نأتي في طلبك فلا تتأخر. كان ما يزال واقفاً بكل عزمه وصلابته عندما أحس بإصابته التي جاءت نتيجة قصف دبابة من موقع قريب جداً إلى ذلك المكان بالقرب من شجرة الصنوبر. لم تكن جراحه خطيرة جداً لكن كل الذين عرفوه كانوا يعلمون أن الشيخ لا يستطيع أن يعيش كثيراً بعد التحرير لأنه سيصبح كالسمكة الخارجة من الماء لا يستطيع العيش بلا جهاد أو مقاومة في المستشفى في أيامه الأخيرة كان يخبر بعض المجاهدين أنه رأى الإمام الحسين عليه السلام ووعده بالشهادة ثم يبتسم وظلت تلك الابتسامة ترتسم على ملامحه بعدما أغمض عينيه مسافراً إلى اللَّه وقد اطمأن على أن تحرير الأرض التي عشق ترابها قد اكتمل تلك الأرض التي كان يحبها لأنها أرضه ولأن فيها الطريق الذي سيوصله إلى اللَّه.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع