مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

صلاة ظهر يوم العاشر من المحرم‏

الشيخ علي جابر


تمثل صلاة الظهر التي أقامها الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء معلماً هاماً من معالم النهضة الحسينية في دلالاتها ومعانيها. ونكاد لا نجد أحداً من أصحاب المقاتل ومن أرخ لواقعة الطف إلا أتى على ذكرها، وكيف حصلت. فبالعودة إلى النصوص التأريخية لنقف على أبرز ما سجله المؤرخون نجد ما يلي:

1 - كتب الطبري في تاريخه والخوارزمي في المقتل، وورد في الكامل في التاريخ والعوالم وأعيان الشيعة: فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين عليه السلام يُقتل، فإذا قُتل منهم الرجل والرجلان تبيَّن فيهم، وأولئك كثير لا يتبيَّن ما يُقتل منهم. فلما رأى ذلك أبو ثمامة عمرو بن عبد اللَّه الصائدي قال للحسين عليه السلام: يا أبا عبد اللَّه نفسي لك الفدا، إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا واللَّه لا تُقتل حتى أُقتل دونك إن شاء اللَّه، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها. فرفع الحسين عليه السلام رأسه ثم قال: ذكرت الصلاة جعلك اللَّه من المصلين الذاكرين! نعم هذا أول وقتها. ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي. فقال لهم الحصين بن تميم: إنها لا تقبل. فقال له حبيب بن مظاهر: زعمت أن الصلاة من آل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لا تقبل وتقبل منك يا حمار؟!.

2 - جاء في رواية أبي محنف: فأذن الحسين عليه السلام بنفسه فلما فرغ من الأذان نادى: يا ويلك يا عمر بن سعد أنسيت شرايع الإسلام، ألا تقف عن الحرب حتى نصلي وتصلون ونعود إلى الحرب؟ فلم يجبه، فنادى الحسين عليه السلام: استحوذ عليه الشيطان.

3 - ذكر صاحب الدمعة الساكبة والخوارزمي في مقتله: قال الحسين عليه السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد اللَّه: تقدما أمامي حتى أصلي الظهر. فتقدما أمامه في نحوٍ من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف.

4 - ذكر ابن نما في مثير الأحزان: وقيل: صلى الحسين عليه السلام وأصحابه فرادى بالإيماء.

5 - جاء في اللهوف في قتلى الطفوف للسيد ابن طاووس: ولما أثخن سعيد بالجراح سقط إلى الأرض وهو يقول اللهم العنهم لعن عاد وثمود وأبلغ نبيك مني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإني أردت بذلك ثوابك في نصرة ذرية نبيك صلى اللَّه عليه وآله، والتفت إلى الحسين قائلاً: أوفيت يا ابن رسول اللَّه؟ قال: نعم، أنت أمامي في الجنة. وقضى نحبه فوُجد فيه ثلاثة عشر سهماً غير الضرب والطعن. لا شك أن هذا الموقف يذكر بموقف مشابه لأمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في حرب صفين، حينما أقام الصلاة وسط المعركة بين الجيشين وهو يقول لمن سأله مستغرباً عما يفعل: علام نقاتلهم إذن؟!، رغم الخصائص التي تطبع الموقف العاشورائي الدامي. وهذا ما يطرح قضية عاشوراء من منظور ديني بحت يمثل فيه الدين الهدف والغاية الأولى والأخيرة، وعنوانها العريض: إقامة الصلاة بكل أبعادها ومعانيها للَّه تعالى وحده. وليس بغريب في حق الإمام المعصوم عليه السلام أن يذكر الصلاة ويقيمها في أشد الأوقات والأوضاع صعوبة وعنفاً، فهو الذاكر الذي لا ينسى ولا يغفل ولا يسهو، بل يصلي لربه ولو بأشلاء أصحابه وأهل بيته ونحره الدامي.

* ولكن الملفت أمران:
الأول التذكر الدائم في معسكر الإمام الحسين عليه السلام وعدم الغفلة عن العبودية للَّه تعالى والسعي إلى تمثلها في أول وقتها وسط المعركة بلا استغراب كما حصل مع بعض أصحاب الإمام علي عليه السلام في صفين. والثاني ردة فعل معسكر عمر بن سعد وأصحابه البعيدة كل البعد عن الإسلام، وهو أمر متوقع من جماعة يصرون على سفك دماء ذرية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأنصارهم المؤمنين. وهذا يوضح طبيعة كل من المعسكرين. فمعسكر الإمام الحسين عليه السلام يقاتل لأجل الدين، والآخر يقاتل الدين المتمثل في تلك الصفوة من الأمة ويحارب شعيرة الإسلام الأولى. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن القوم حاولوا قتل الإمام عليه السلام وهو في الصلاة، الكل كفر وعناد، واستشهد سعيد بن عبد اللَّه الحنفي وهو يقي الإمام عليه السلام لقد فضحهم الإمام الحسين عليه السلام في هذا الموقف بصورة أشد وأوضح وكشف عن هويتهم اللادينية، فليست القضية فقط عدم الرضوخ لطاعة الخليفة.

* لقاء اللَّه
ويمكننا تخيل الحالة التي كان عليها معسكر الإمام عليه السلام من قلة العدد والناصر، وكثرة العدو وشدة العطش واليأس من الحياة الدنيا وترك العيال والأطفال للقتل والسبي. لكن ذلك كله لم يَحُل دون الوقوف بلا مبالاة بسهام المنية لإقامة الصلاة ولقاء اللَّه تعالى بكل شوق. وهو يدل على الروح الاستشهادية العالية، ليس فقط عند من صلى مع الإمام عليه السلام، بل وعند من وقف يدرأ عنه السهام ويقيه الطعن والنبال. والواقع أن ذلك لم يكن فقط لحماية شخص الإمام عليه السلام، بل أيضاً لأجل حماية الشريعة المقدسة التي كان ينتهكها شيعة آل أبي سفيان، كما وصفهم الإمام عليه السلام فيما جردهم من كل صفة دينية ونسبهم إلى ما دون الجاهلية. وكأن الإمام الحسين عليه السلام أراد أن يفهم الأجيال القادمة أن الدين أثمن وأغلى من أية تضحية يمكن بذلها في ميدان المواجهة، وأن التفريط بشعيرة الصلاة هو تفريط بالدين كله. أفليست الصلاة عمود الدين؟!.

* صلاة العاشر
لقد جاءت دعوة الإمام القائد حفيد سيد الشهداء عليه السلام السيد الخامنئي حفظه اللَّه لإحياء مراسم صلاة الظهر من يوم العاشر، في سياق الموقف الحسيني العاشورائي الراجي إحياء الدين، ليدرك الجميع أن هدف النهضة الحسينية قد تحقق وانهزمت الجاهلية المتلبسة بلبوس الدين، ولندرك أيضاً أن هذه الصلاة قد صانتها وحفظتها على حقيقتها دماء خير الشهداء في كربلاء، لنحملها أمانة نؤديها إلى اللَّه سبحانه وتعالى بكل وعي وشوق ووفاء. إن لهذه المراسم دلالات وانعكاسات هامة تجاه قضايا الأمة الإسلامية المعاصرة، وفي طليعتها قضية الصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب والاستكبار العالمي الداعم له. فواهمون أولئك المستكبرون الذين يظنون أن بإمكانهم إخضاع هذه الأمة وتصفية مقدساتها. فبالروحية الجهادية والاستشهادية ذاتها التي أقام بها الإمام الحسين السبط عليه السلام عمود الدين، ستقف عصائب المجاهدين الحسينيين لصون أولى القبلتين المسجد الأقصى ورفع الأذان من فوق قبابه ومأذنه. إن كل المسلمين في العالم مدعوون في الوقت الراهن على وجه الخصوص إلى استلهام موقف ظهيرة يوم عاشوراء وتمثله، للدفاع عن حياض الدين الحنيف، وهو يتعرض للتشويه والإساءة من الشيطان وأعوانه وإلصاق تهم التخلف والإرهاب به، وعن دماء وأعراض المسلمين التي تستباح في فلسطين العزيزة وغيرها...، وعن كرامة الأمة التي أرادها اللَّه تعالى خير الأمم ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، فنكبت بزعمائها وبعض علمائها، فضاعت القدس الشريف وانتهكت الحرمات.

فهل سننهض لنصلي صلاة الجهاد والشهادة في كربلائنا الحقيقية، لا في صحارى الآخرين؟!.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع