بقلم السيد علي حجازي
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ صدق الله العلي العظيم.
مع بداية الوجود الإنساني والصراع ما فتىء بين الحق والباطل كي يكتمل معه الاختبار الإلهي في كل العصور. وكان يتمثل عبر التاريخ بين الظالمين والمظلومين. ظالم يسلب الحق ومظلوم مضطهد وعدالة مستلبة على أيدي الطغاة المستكبرين. وعلى هذا الأساس كانت حركة الأنبياء عليهم السلام مواجهة مع المستكبر المستبد لإحياء العدالة وإماتة الظلم والفساد. وفي القران الكريم صور شتى لهذه المواجهة فردية أو جماعية، وفي النهاية كانت تحسم المواجهة لصالح الخط الإلهي وذلك بالتدخل المباشر للقدرة الإلهية بعد دعاء النبي صلى الله عليه وآله عبر الطوفان أو الخسف أو غيرها. وقد أريد لهذه التجربة أن تتكامل عبر مواجهة كبرى على يد المنقذ والمخلص، وهذا ما يعايشه الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه.
فحياة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه تشابه كثيراً حياة الأنبياء السابقين منذ البداية وحتى النهاية، فإبراهيم وموسى عليهما السلام لاحقهما المستكبرون من الحمل إلى الولادة فالرجولة وإمامنا عجل الله تعالى فرجه لوحق من الحمل حتى غيبته. ولكنْ هناك فارق كبير بين دور إبراهيم وموسى عليهما السلام وبين دور إمامنا المهدي عجل الله تعالى فرجه يتمثل في نوعية المواجهة ضد الظلم والاستكبار، ففي حين كانت مواجهة الأنبياء لاستكبار محلي ضمن حدود جوانب ضيقة فإن إمامنا عجل الله تعالى فرجه يواجه استكباراً من نوع آخر، استكباراً عالمياً يريد أن يخضع البشرية كلها لإرادته والمتمثل اليوم بالولايات المتحدة.
وهناك فارق آخر في خصوصيات المواجهة، وذلك:
أولاً: إنها مواجهة مباشرة يراد لها أن تُسقط الظلم على يدي الإمام عجل الله تعالى فرجه وأتباعه من دون تدخل مباشر للقدرة الإلهية بالطوفان أو الخسف بل بإرادة وعزيمة شخصية. وهذا ما يستدعي الاستعداد التام لهذه المواجهة الكبرى وهذا ما أكدت عليه الروايات من أنه لا يخرج عجل الله تعالى فرجه إلا بعد اكتمال أنصاره.
ثانياً: إنها مواجهة شاملة لكل بقاع العالم لإسقاط آخر ذرة من ذرات الظلم والاستكبار وإقامة حكومة العدل العالمية يمارس فيها المستضعفون هذه المرة دور القيادة والريادة على أساس العدل والتقوى. وعندها يستحق المستضعفون أن يرثوا الأرض وما عليها لأن الوراثة لا تتحقق إلا بزوال المستولي على الحق.
ثالثاً: إنها مواجهة بين حق واحد لا تعدد فيه وظلم متشعب حيث أريد للظلم أن يأخذ كل أشكاله عبر التاريخ الطويل لغيبة الإمام عجل الله تعالى فرجه وهو يراقب الدول المتعاقبة والمختلفة الوجوه والأنماط وهي مواجهة لكل أشكال الظلم سواء الآتي من السلطة الفردية أو الجماعية أو الآتي من ظلم الناس بعضهم بعضاً. حيث تتهاوى أمام إمامنا المهدي عجل الله تعالى فرجه كل أشكال السلطة الظالمة والمستبدة. ﴿وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾.