مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

معرفة الاستكبار: الأساليب الاقتصادية

يعتبر الاقتصاد ركيزة أساسية تقوم عليها الأنظمة السياسية المختلفة، بل يشكل العامود الفقري لجسم النظام الاستكباري على وجه خاص. إن سعى الاستكبار الدؤوب لاستغلال الآخرين ونهب ثرواتهم الطبيعية وخيرات شعوبهم من أجل الحفاظ على قوته وديمومته.

إن مطالعة دقيقة وموضوعية لأوضاع العالم اليوم تُظهر بدون أدنى شك أن السبب الرئيسي للفقر المدقع الذي تتخبط به شعوب العالم الثالث - على الرغم من كونها المصدر الرئيسي للثروات الطبيعية والمواد الأولية والمعدنية وغيرها - هو انتقال هذه الثروات والخيرات إلى البلدان الصناعية والرأسمالية في العالم.
وللتعرف أكثر على الأساليب المختلفة والسياسات الاقتصادية للاستكبار، نقسم البحث في هذا المطلب إلى مطالب ستة.

1- ربط اقتصاد الدول الفقيرة بها

من أهم العوامل للانتعاش الاقتصادي والثراء الكبير للغرب هو فرض الاقتصاد المرتبط على بلدان العالم الثالث. لقد عمل الغرب على الدوام لإبقاء المناطق الخاضعة لسيطرته في مستوى متدن من العيش لأن هذا الأمر هو الحافظ للمستوى المعيشي الراقي في الغرب.
بعد الحرب العالمية الثانية برزت اتفاقات ومعاهدات دولية جديدة - ومجحفة - جُعلت أساساً لكل الروابط الإدارية والعلاقات السياسية والمالية للاستكبار، فعلى أثر الضعف والهدر الكبيرين الناتجين عن الحرب، لجأت الدول الاستكبارية للتعويض عن خسارتها ولمواجهة حركات التحرر في شعوب العالم الثالث، إلى تغيير في شكل وأسلوب النظام الاستعماري دون أدنى تغيير في ماهية هذا النظام ومحتواه. إن الأسلوب الأمثل الذي اختارته القوى الاستكبارية استخدام القوة الاقتصادية للسيطرة على حركة الاقتصاد في العالم وبالتالي التحكم بالسياسة الدولية بدلاً من الاحتلال المباشر المكلف.

وما انتفاضة شعوب العالم الثالث حديثاً إلا بعد مشاهدة الانتقال غير المشروع لثرواته بشكل علني وسافر. إن يقظة الشعوب المستضعفة اليوم وكفاحها ضد الاستكبار من الأمور الحتمية بعد التجربة الرائدة للثورة الإسلامية المظفرة في إيران. وإن خدعة الاستقلال الظاهري لتحل الضغوط المالية والاقتصادية محل الأساليب الاستعمارية السابقة لن تنطلي على أي شعب بعد اليوم.
من المبادئ‏ المسلّمة عند الدول الاستكبارية اليوم، أن منتوجاتها الصناعية والزراعية كافية لرفع احتياجات العالم الثالث، إذاً ليس من الضروري أن تعمل بنفسها. ومن جهة أخرى، فإن النفوذ الاقتصادي تابع لمتطلبات السوق العالمي، وبما أن الدول الصناعية الكبرى تنتج ما يكفي دول العالم الثالث فإن على الأخيرة أن تؤمن المواد الأولية والمصادر الطبيعية لتساهم في نمو الاقتصاد العالمي. في الواقع، هذا الأمر لا يساهم إلا في نمو الاقتصاد الاستكباري. ولذا فإننا نرى أمريكا - رأس الحربة الاستكبارية - تبذل الجهود الحثيثة لإضعاف القدرة الانتاجية عند الدول التي تهيمن عليها. حيث أن البلدان الواقعة تحت النفوذ الأمريكي ملزمة باقتصاد حوّه بشكل غير مباشر - كإنتاج محصول واحد (أو أكثر لكن محدد) بما يتلاءم مع تأمين الاحتياجات الأميركية، مثلاً، يتعين على البرازيل إنتاج البن، والأرجنتين اللحم والصوف، وعلى فنزويلا تأمين النفط، أما كوبا - قبل الثورة - فكان عليها إنتاج قصب السكر.

إن اقتصاد هذه الدول الموجّه أمريكياً في الوقت الذي أنعش الاقتصاد الأميركي وأحياه، فقد أضعف هذه الدول نفسها وجعلها أكثر ارتباطاً واحتياجاً لأمريكا، وإن فرض هذا النوع من السياسة الاقتصادية من الأسباب الرئيسية لبقاء شعوب العالم الثالث في حالة الفقر والتخلف.
كما أن للتبادل التجاري دوراً رئيسياً في تعميق هذا الواقع المرير. وما المساعدات المالية الأميركية من خلا لخطة مارشال، الأصل الرابع، والقروض والديون المتنوعة سوى خطوة خبيثة تهدف لترويج البضائع الأمريكية والسيطرة على الأسواق الاقتصادية في العالم.
إن أهم عامل يحفظ سيطرة الاستكبار على السوق الاقتصادية العالمية هو منع الصناعة الوطنية في بلدان العالم الثالث من النمو والازدهار عبر ربط اقتصاد هذه الدول بالديون والقروض الباهظة التي تثقل كاهل هذه البلدان وتضعفها عن النهوض. ففي أمريكا اللاتينية مثلاً، تعتبر هذه المنطقة من العالم من أغنى المناطق بالثروات المعدنية والغابات الواسعة والثروة الحيوانية الكبيرة ما يكفي للوصل إلى أرقى مستويات الرفاهية ورغد العيش. ولكن هذا لم يحدث لأنها ملزمة - بشكل أو بآخر - باتباع الاقتصاد الموجّه.

يمكن القول إن عدم وصول أمريكا اللاتينية إلى المرحلة الصناعية يرجع لون هذه الثروة العظيمة تستخدم لصالح أمريكا على أن تعوّض أمريكا على هذه البلاد المستضعفة من بضائعها ومنتوجاتها الصناعية. وتدخل القوى الصناعية الكبرى إلى عمق الاقتصاد الوطني للدول الأخرى يتم عادة من خلال الشركات العالمية الكبرى (شركات استخراج النفظ والمعادن وغيرها) والاستثمارات الصناعية والبنوك وأمثالها حتى يصبح الاقتصاد الوطني مرتبطاً ومحتاجاً إلى هذه المؤسسات الاستكبارية.
على هذا الأساس، فأن أمريكا اللاتينة وإن اعتبرت مستقلة سياسياً من حيث الظاهر، إلا أنها ما تزال نصف مستعمرة - إن صح التعبير - من اللحاظ الاقتصادي. فهي ملزمة بإنتاج وتصدير بعض البضائع المحدودة، وهذه الصادرات أيضاً مرتبطة بكثير من القيود الخارجية.

في الواقع يمكن تعداد نماذج كثيرة جداً شاهدة على هذا الأمر وتبين بوضوح السعي الأمريكي الدؤوب ليهلك الحرث والنسل في كل مناطق العالم بسبب النظرة المادية الضيقة للحياة. إن أفضل صورة لهذا السعي الأمريكي ما ورد في قوله تعالى: ﴿ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالأثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد.

2 - إضعاف الاقتصاد الوطني

يختص كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية بإنتاج نوع خاص من البضائع والمنتوجات تبعاً لكثير من الظروف والشرائط الجغرافية والثقافية والطبيعية والاجتماعية وغيرها. فاختلاف الظروف الجغرافية لشعب ما مثلاً (نوع التربة - جبلية أو ساحلية...) يؤدي إلى نوع من الإنتاج الاقتصادي يختلف عن غيره من شعوب البلدان أو المناطق الأخرى. فليس من الممكن أن نحصل على إنتاج اقتصادي موحد من شمال إيران وجنوبها. لأن شمال إيران يختص بظروف طبيعية كالهواء والماء والمناخ ويتوفر الماء بكثرة بينما تعتبر المناطق في الجنوب من المناطق القاحلة نسبياً ولذلك فإنهم يضطرون لشق قنوات مائية طويلة لري الأراضي الزراعية فيها. وقد وصل طول بعض القنوات إلى سبعين كيلومتراً وبهذه الطريق أمكن استصلاح الكثير من الأرض البور في الجنوب وتحويلها إلى أراض زراعية منتجة.

لقد كان الاستكبار يرصد كل المحاولات من أجل تطوير الاقتصاد الوطني، وتنميته وكان يعمل بشتى الوسائل والسبل لضرب هذا الاقتصاد وإفشال كل هذه المحاولات من أجل تطوير الاقتصاد الوطني وتنميته (وكان يعمل بشتى الوسائل والسبل لضرب هذا الاقتصاد وإفشال هذه المحاولات)... وما المحاولات الملتوية والماكرة التي أدّت إلى تخريب الكثير من هذه القنوات المائية وإزالتها في عهد النظام الشاهنشاهي البائد لتبقي الأراضي المستصلحة بوراً إلا خير شاهد على هذا المدّعي. طبعاً - ولله الحمد - فإن مؤسسة جهاد البناء وبعد انتصار الثورة المباركة بذلت جهوداً مشكورة لإعادة إحياء العديد من هذه القنوات وقد قامت في هذا المجال بتوفيقات كبيرة.

3 - تشكيل الشركات الاحتكارية العالمية (الكارتلات)

مع بروز الشركات الإنتاجية المتعددة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، شعرت الشركات العالمية الكبرى بالخطر يداهم مصالحها. ولكي تتجاوز هذه المنافسة الجديدة، عقدت فيما بينها اتحاداً احتكارياً للتخفيف من وطأة التنافس فيما بينها حتى يسهل عليها السيطرة على السوق العالمية، وهذا ما يسمى بالكارتلات. إن إقامة الكارتلات بين هذه الشركات العالمية جعل منها غولاً اقتصادياً واخطبوطاً مالياً يهيمن على كل الأسواق الاقتصادية في العالم.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية العصر الاقتصادي الذهبي في أروبا وأمريكا الشمالية، قرر أصحاب الشركات الكبرى أن يمنعوا من تطوّر ورقي بلدان العالم الثالث. ومرة أخرى، أحيت الدول الصناعية نفوذها في عقد الخمسينات مخلفة وراء ظهورها الحرب والاضطراب. وبدأت الشركات الكبرى في العالم نشاطها بفعالية كبيرة وأنشأت فيما بينها الكارتلات من أجل بقية بضائعها ومنتوجاتها ورفع أسعار سلعها إلى أعلى مستوى ممكن دون الاهتمام بنوعيتها إلا في حال وجود منافسة من قبل شركات أخرى.
وقد قسمت هذه الشركات من خلال هذه الاتفاقات والمعاهدات العالم إلى ثلاثة أقسام:
1- مناطق خاصة.
2- مناطق مشتركة.
3- مناطق خارجة عن موضوع الكارتلات.

وبموجب هذا الكارتل، وتحت شعار "تقسيم العمل بين الشعوب" وتحت ستار فتح أسواق تجارية جديدة، وُضع الحجر الأساس لتقسيم العالم إلى بلدان صناعية وبلدان نامية.

لم تكتفِ الكارتلات الكبرى بتقسيم العالم الخارجي وحسب، وإنما توجهت إلى الأسواق الداخلية في بلدانها أيضاً لتحمي نفسها من أي نوع من أنواع المنافسة. طبعاً مع مراعاة بعض القوانين الرسمية الداخلية التي قد تحاول الحد من بعض الأعمال الاحتكارية وإقامة الكارتلات، وذلك من خلال التظاهر بالعداوة والشقاق وتبادل الاتهامات القاسية فيما بينها.
فعلى سبيل المثال كانت شركة وستينغ هاوس Westing House تتكفل بتجهيز وبناء السكك الحديدية تحت الأرض. وفي الوقت الذي كان ينظر إلى جنرال إلكتريك وبراون على أنهما تخوضان منافسة شديدة مع وستينغ هاوس كانوا يتعاونون على بناء القطارات الكهربائية، طبق اتفاقات سرية. وبهذه الطريقة أيضاً استطاع اليابانيون انتزاع سوق الراديو والتلفزيون من الألمان وسببوا انكسار العشرات من المؤسسات الوطنية الألمانية - الصغيرة والكبيرة - وإفلاسها.

* الدول تحمي الكارتلات‏
تلقى الشركات الاحتكارية المتعددة (الكلارتلات) حماية مباشرة أو غير مباشرة من الدول التابعة لها. وبعبارة أخرى فإن الدول تحتاج إلى حماية الكارتلات من أجل حماية أنفسها وحفظ قدرتها وبات قوتها. حيث أن هذه المؤسسات تضع أمامها إمكانات مادية كبيرة لمواجهة الدول الضعيفة وإخضاع شعوبها. وتكون هذه الحماية عادة متقابلة بين الطرفين، وتارة تكون بصورة علنية وأخرى بالسر والخفاء. كما أن بعض دول العالم الثالث التي تتبع سياسة (البوابات المفتوحة) فإنها تحصل على نوع من الحماية غبر المباشرة من الكارتلات. طبعاً بعد أن تكون قد سلبت منها إمكانية نمو وتطور الاقتصاد المحلي من المنتوجات الصناعية والزراعية وغيرها. وعلى سبيل المثال، أقدم نظام الشاه البائد في إيران على استيراد السمن النباتي والحيواني واللحوم المعلبة من الخارج وانتشرت في سوق إيران مدعمة من النظام ومعفاة من الضرائب. حيث عُرضت بأسعار تقل عن أسعار المنتوجات الوطنية. وقد تصور الشعب في البداية أن هذا لصالحه ودليل على تحسن وضع الاقتصاد الإيراني، إلا أنه سرعان ما تبين أن الملايين من الزارعين والفلاحين الإيرانيين أصبحوا عاطلين عن العمل، فنزحوا نحو المدن تاركين الزراعة والري.

* المكر الخبيث‏
تعتمد الكارتلات الكبرى على سيطرتها على أسواق الصرف العالمية وتعتبر ذلك من الأولويات الأولى لسياستها الاقتصادية. فعندما تشعر بأية محاولة أو توجه عند مؤسسة وطنية أو ما شابه للنهوض باقتصاد البلد وتطويره من خلال تصنيع بضاعة ما، تصب هذه الكارتلات كل جهودها للحيلولة دون ذلك. حيث تعمل على عرض بضائع مشابهة بل وأفضل منها في السوق المحلي وبأسعار زهيدة وبخسة، الأمر الذي يؤدي إلى انكسار المؤسسات الوطنية وإفلاسها ثم تعمد بعد ذلك إلى رفع أسعار بضاعتها بما يعوض عليها الخسارة السابقة.
إن هذه المنافسة المجحفة أسهمت في إفلاس الكثير من المؤسسات الإنتاجية الشابة - خصوصاً الوطنية - وحالت دون وصول البلدان إلى مرحلة الاستقلال الاقتصادي.

ومن الوسائل التي تستخدمها الكارتلات لتسويق بضائعها التعاقد مع بعض الشركات الوطنية لتزويدها بالقطع الأصلية التي لا يمكن تصنيعها إلا عند الشركات الكبرى، فلا يعدو عمل الشركات الوطنية الشكل والهيكل وجمع وتركيب القطع الأصلية. وبذلك تبقى هذه الدول أسواقاً لصرف بضائع الكارتلات. فعلى سبيل المثال، تعمل الشركة الوطنية (إيران ناسيونال) على إنتاج وسائل النقل. إلا أن تصنيع القطع الأصلية يتم في إنكلترا، فإذا تعطلت بعض الأتومبيلات ولم تأت قطع الغيار من انكلترا فإنها لتستطيع العمل ويتوقف عمل الكثير من العمال. وقس على ذلك الكثير من المنتوجات المحلية، خصوصاً تلك التي تحتاج إلى تقنية عالية، تكنولوجية متطورة.

* الآثار السيئة للرساميل الأجنبية
يعتبر النجاح في جذب الرساميل الأجنبية من المفاخر التي تفخر بها الكثير من الأنظمة والحكومات. كما أن الكارتلات الكبرى تتبجح دائماً -بغرور وافتخار- بتشغيل رؤوس أموالها في البلدان النامية وتعتبر ذلك علامة على الصداقة والإيثار.
إن تشغيل الرساميل الأجنبية تحت ستار النهوض باقتصاد البلد - يُخفي حقيقة خبيثة تنم عن عمق الاستغلال والتسلط الاقتصادي الأجنبي.
إن مصالح الشركات الأجنبية تتضاعف بسرعة كبيرة جداً من خلال استثمار المصادر المالية والأسواق الداخلية في البلدان الأخرى. كل ذلك تحت ستار جلب الرساميل الأجنبية وجذب القروض والأموال الخارجية إلى البلد لينتعش الاقتصاد الوطني فعلى سبيل المثال، قامت الشركة الألمانية المشهورة مانس مان بإنشاء مصنع لأنابيب في البرازيل في أواسط عقد الخمسينات. وقد اقترخت البرازيل بوجودها كثيراً معتبرة أنه سوف تشغِّل أموالاً أجنبية دون أية كلفة من جانب الحكومة البرازيلية.

ولكن بعد الشروع في العمل، قامت هذه الشركة وخلافاً للاتفاقات والمعاهدات مع الحكومة البرازيلية بعرض أسهم مصنعها للبيع في أسواق البرازيل. وقد جذبت هذه الأسهم الكثير من الشعب البرازيلي وطالبت بالمزيد منها خصوصاً بعد الدعاية الواسعة التي قامت بها الحكومة البرازيلية لصالح الشركة المذكورة مبلغاً يقدر ب 60 مليون مارك من الشعب البرازيلي وفي سنة 1965 أعلنت الشركة عن أن أسهمها لا اعتبار لها بعد هذا التاريخ.
ومن النماذج الأخرى أيضاً إنشاء كارتل بين عدد من الشركات الأميركية والبريطانية تحت عنوان "الشركة البريطانية - الأميركية للتبغ" حيث كان يعتبر السوق البرازيلي للتبغ - من خلال بعض الاتفاقيات - تحت سيطرة هذه الشركة. لقد أدخلت هذه الشركة إلى البرازيل 5,2 مليون دولار في السنوات الأولى لعملها كرأسمال أجنبي ليعمل داخل البرازيل. وقد بلغ هذا الرأسمال من خلال أرباح الشركة في البرازيل 129 مليون دولار أي أنه تضاعف بما يقارب الخمسين ضعفاً عن الرأسمال الأصلي؛ كل هذا فقط أرباح بيع التبغ في البرازيل. وبلغت الأموال المنقولة إلى الخارج من خلال مدخول الشركة المذكورة خلال عشر سنوات (5د - 1975) 3,81 مليون دولار أي ما يزيد عن 32 ضعفاً عن الرأسمال الأصلي إلى خارج البرازيل عدا عن تضاعف الرأسمال العامل في الداخل إلى 129 مليون دولار المدمرة للرساميل الأجنبية. يكتب أحد الخبراء الاقتصاديين (الأرجنتيني رايس فيلوسو): "إن 78% من رأسمال الشركات الأجنبية في أمريكا اللاتينية لسنة 69 - 1970 كان يؤمن من خلال رساميل محلية" وأعلن وزير الصناعة البرازيلي لسنة 1976 ألدو فيرير أنه خلال ثلاث سنوات ورد إلى داخل البلد 11% فقط من الرساميل الأجنبية". واستفادت البرازيل من أرباح شركات تصنيع السيارات الأجنبية فقط 3% مجمل مكاسبها لسنة 1974.

إن هذا الأمر إن دل على شي‏ء فإنه يدل على أن 90% من الرأسمال المشغل في البرازيل تأمين محلي وداخلي وأن القسم الأعظم من أرباحه يُنقل إلى خارج البلد.
وعليه، فإنه لا يمكن لأي بلد النهوض باقتصاده الوطني اعتماداً على الشركات الأجنبية، وما لم تقطع أيدي الأجانب ويعتمد أبناء البلد على أنفسهم وقواهم الذاتية ومصادرهم الغنية وعقول أبنائهم ومفكريهم فإن الشعب سيبقى رازحاً تحت نير الجهل والفقر والتخلف.

إن التجربة الرائدة للثورة الإسلامية المظفرة في إيران لهي برهان ساطع على قدرة الشعوب على الصمود أمام المؤامرات الكبرى من قبل الاستكبار ولسنوات طوال. فعلى الرغم من المؤامرات الكثيرة التي حيكت من قبل الاستكبار الشرقي والغربي لإسقاط الثورة الإسلامية وإشعال الحرب المفروضة التي استمرت ثماني سنوات، خرجت الثورة الإسلامية مرفوعة الرأس كالجبل الأشم بوعي وحكمة قيادتها وإرادة وعزيمة شعبها. وقد رأينا التطور الزراعي والصناعي في مختلف المجالات وخاصة على مستوى الصناعة العسكرية.

4 - نهب الثروات‏

إن أهم أهداف الشركات الأجنبية الكبرى المتواجدة في البلدان النامية نهب الثروات الطبيعية والذخائر المعدنية والنفطية. والنماذج والأمثلة على هذا الأمر لا حصر لها خصوصاً في القرن الأخير. فإذا أخذنا إيران مثلاً، وفي زمن ناصر الدين شاه القاجاري، أُعطي أول امتياز لاستخراج الذخائر المعدنية لصالح شركة إنكليزية سنة 1883. وقد كان هذا الامتياز لا نظير له من حيث تفويض وحصر حق استخراج المعادن في أرض إيران كلها لمدة سبعة عشر عاماً (باستثناء الأحجار الكريمة). وقد اضطر إلى إلغائه بعد سنة من توقيعه لعدم رضا الروس عن ذلك.

وفي سنة 1889 وبعد عودته من سفره الثالث إلى بريطانيا أعطى ناصر الدين شاه امتياز التنباك والتوتون الإيراني لشركة إنكليزية لمدة 50 سنة. وحسب هذا الامتياز فإن حق بيع وشراء التوتوت والتنباك والمنتوجات المرتبطة بها سْحب من أيدي الإيرانيين وأعطي لصالح انكلترا. وقد نتج عن ذلك ثورة التنباك الشهيرة التي اضطرته أيضاً لإلغاء هذا الامتياز.
وفي سنة 1901 أعطى مظفر الدين شاه القاجاري امتياز استخراج النفط ومشتقاته وبيعه وشرائه في كل إيران باستثناء الأقاليم الشمالية المجاورة لروسيا) لمدة 60 سنة لصالح ويليام دارسي التابع لبريطانيا. وعل أثر الإصلاحات التي اضطر إليها رضا خان ومجي‏ء الحكومة الوطنية برئاسة الدكتور محمد مصدّق تم فسخ المعاهدة المذكورة وإلغاء شرعيتها وقانونيتها.
ولكن بعد مدة وجيزة عاد النفظ الإيراني ليدخل تحت سيطرة كنسر سبومي المتشكلة من اتحاد بين شكرات إنكليزية (40%) شركات أمريكية (40%) وأخرى هولندية (14%) ورابعة فرنسية (6%).

وباختصار فإن تاريخ الاستثمار الأجنبي للنفظ الإيراني إلى ما قبل الثورة الإسلامية المباركة يعتبر من أكبر المآسي والمظالم التي ألحقت بالشعب الإيراني أفدح الخسائر حيث كانت ثروات هذا الشعب المظلوم تنهب وتهدر على مرأى من حكامه الطواغيت والظلمة بل وبأمر منهم.

5 - إعطاء القروض والديون‏

يولي الاستكبار السياسة المالية أهمية خاصة. ويعتبر النظام المصرفي من أهم الوسائل التي يستخدمها الرأسماليون للسيطرة على مقدرات الأمور.
إن أهم مشكلات العالم في الوقت الحاضر هي الديون الباهظة للدول الكبرى (الغربية خصوصاً) على بلدان العالم الثالث. ويمكن تقسيم الدول النامية من وجهة نظر استكبارية إلى قسمين: قسم مرتبط كلياً بالنظام الاستكباري (إلى حد العمالة) من أجل حل مشاكله الاقتصادية ولا تمانع الدول الكبرى من إقراض هذا القسم لأنه يضمن لها نفوذها وسيطرتها داخل البلاد بما يعوّض لها ديونها أضعافاً مضاعفة. وقسم آخر لا يرتبط بالقوى الاستكبارية ولكنه يريد الاستفادة من البنوك العالمية والقروض الخارجية لرفع مستوى المعيشة لمواطنيه وتسريع نمو الاقتصاد الوطني. وتعمد الدول الكبرى على ربط سياسة هذا ؟؟ من الدول وجعلها تابعة لسياستها عبر المساعدات المالية وطرح المشاريع، والخطط العمرانية المختلفة. وإذا رفضت هذا الدول التبعية للخارج فإنه سوف تترك لتدير اقتصادها بنفسها، وبل سوف تحاك المؤامرات المختلفة لإضعاف هذا الاقتصاد وتقويضه.

6 - ديون بلدان العالم الثالث‏

تعتبر معظم دول العالم الثالث من الدول المدينة (المقترضة) من البنوك المرتبطة بالدول الاستعمارية مثل صندوق النقد الدولي وغيره وفي سنة 1984 بلغ مجموع ديون العالم الثالث ما يزيد عن 920 مليار دولار: ثلث هذا الرقم تقريباً (360 مليار دولار) ديون على بلدان أمركيا اللاتينية. وقد كان لهذه الديون الأثر الكبير في تدني مستوى المعيشة في أمريكا اللاتينية خصوصاً في فترة السنوات العشر الأخيرة.
من أبرز الدول المدنية في أمريكا اللاتينية لسنة 1984 الدول التالية:
1- البرازيل 100 مليار دولار.
2- المكسيك 90 مليار دولار.
3- الأرجنتين 50 مليار دولار.
4- فنزويلا 35 مليار دولار.

وقد كانت الفوائد التي ربحتها البنوك الدائنة من مجمع هذه الديون لسنة واحدة فقط ما يقارب 45 مليار دولار.
ومن جهة أخرى. كان مجموع الديون على البلدان الأفريقية يقرب من 150 مليار دولار في تلك السنة.

لقد أثقلت الديون الخارجية كاهل الدول النامية، وقد رأينا في الثمانينات تظاهرات عديدة في الكثير منها من أجل تحصيل الخبز والمواد الغذائية الضرورية. كما حصل في تنزانيا - غانا - زامبيا - مراكش - مصر - تونس - وغيرها.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع