أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

كيف يتكون الاستكبار؟

الشيخ خضر نور الدين


* طبيعة الإنسان والمجموعة البشرية:
إدارات الدول من أفراد البشر، وللبشر أحوال مختلفة وأطوار متغيرة، وهذه الإدارات تتسم بسمات أفرادها وكما هي حال الفرد بشؤونه الشخصية ودوافعه ونوازعه الذاتية فكذلك حال الأمة ومنها الإدارة والمؤسسة و... فعلى مستوى الفرد كما جاء في القران الكريم ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى فالإنسان بما فيه من غرائز وأهواء جاهز ليكون طاغوتاً طاغية، متكبراً متجبراً ولا يهدأ ولا يسكته شي‏ء. فإذا ما توفرت له أسباب القوة والتحكم والسيطرة مع وجود طموحات فردية قوية ومع عدم وجود الرادع المانع ينطلق لتحصيل ما يريد. ومن هنا كان تأكيد الأديان السماوية والإسلام آخرها على ضرورة الالتفات إلى النفس، وحث الإنسان على التزكية والتهذيب لها كي توجد الرادع الذاتي وإلا فهناك تشريعات قانونية تضع حداً للإنسان فيما لو أراد أذية أحد والاعتداء على أي شي‏ء عام أو خاص. ويمكن الاختصار بالقول إن الإنسان بطبيعته يمكن أن يكون خطراً على ما حوله من البشر والطبيعة وباقي المخلوقات هذا إذا ما تفلّت ولم يكن هناك من رادع. وأي مجموعة بشرية معرضة كما الفرد لذلك بل هي أخطر حيث المصلحة تجمعها وسواء كانت قيادتها لفرد أو لمجموعة فإن الجنوح باتجاه الشر أخطر لأن الإنسان الفرد فيها يحس بالقوة أكثر وبالتالي الأمان والاستبشار بالوصول إلى الأهداف.

* طرق الوصول إلى الأهداف:
يمكن تقسيم الأهداف التي يسعى الإنسان لتحقيقها إلى قسمين: مشروعة وغير مشروعة. والكلام في الاثنين معاً يقتضي التوقف عند السبل المتبعة في ذلك، فمنها السبل المشروعة وغير المشروعة أيضاً بمعنى أن الإنسان عندما يسعى لتحقيق أهدافه يمكنه ذلك من خلال الوسائل التي لا تضر بالغير ولا بالنفس ويمكنه عدم مراعاة ذلك وبالعموم فان الذي ينسجم مع الأخلاق الأساسية والأعراف الدولية المحقة قد يسبب التأخر في الوصول للأهداف وقد ينحصر الوصول إليها من خلال الطرق غير المشروعة. هذا في الأهداف المشروعة فكيف الحال في غير المشروعة بمعزل عن سبل الوصول إليها. فتحصيل القوة والمنعة لأي دولة يقتضي توفير الأسباب وقد تكون المشروعة مكلفة كثيراً وتحتاج إلى وقت طويل أو قد تتعارض مع قضايا آخرين تدفع باتجاه التقليص للأهداف بخلاف غير المشروعة التي قد لا تكلف كثيراً ولا تحتاج إلى وقت طويل ولا تهتم للآخرين ولا لما يمكن أن يكون من الموانع.

* حركة الدول في المجتمع الدولي:
طبيعي أن يكون هناك أنحاء تنافس مختلفة عند الدول للوصول إلى غاياتها كل بحسبها، ومع عدم وجود المانع وتحقق أسباب القوة لأي دولة فإنها قد تشكل خطراً على الدول الأخرى وبالتالي على شعوبها. ومع توفر الأسلحة الفتاكة والقوة الاقتصادية فان الدولة قد تلجأ إلى إرهاب الدول الأخرى الأقل منها قوة وبأساً، وبالتالي تحاصرها وتسقطها وتفرض عليها ما تريد دون أي وازع أو رادع وهكذا تبدأ عملية الاستكبار الدولي وتبدأ بالانتشار.

* أميركا اليوم عنوان الاستكبار الواضح:
واليوم بعد التغيرات الدولية التي حصلت في العقدين الأخيرين تربعت الولايات المتحدة الأميركية على عرش العالم لتحكمه على طريقتها بعد مصادرة المؤسسات الدولية التي وجدت بالأساس لحماية الدول الضعيفة والشعوب المستضعفة الفقيرة. فأصبح قرارها وقوانينها مفروضة دون أي صوت معارض فضلاً عن مواقف مضادة. لا بل إنها صادرت الرأي العام الدولي من خلال إشاعة مناخات سياسية وفكرية وثقافية مفروضة عبر وسائل الإعلام والقوانين والقرارات الدولية. وباتت تتذرع بأبسط الأمور للقيام بأي عمل عدواني مستهدفة أي شعب من الشعوب.

ومن الشعارات الأساسية التي تطرحها اليوم شعار الإرهاب. من خلال الحديث بلغة مطاطة غير واضحة ولا محددة وغير خاضعة لمعايير وموازين منطقية. وتنطلي الحيلة على الرأي العام الدولي تحت ضغوط الإجرام والتجويع واستباحة كل المحرمات. وهكذا يتجلى الاستكبار بأبهى صوره، دولة تريد فرض نفسها مستفيدة من ظروف دولية ومحلية خاصة فتستغل وسائل القوة وتستكبر دون أن تعير اهتماماً لأي دولة من الدول أو القيم والأعراف الإنسانية. وباختصار إن أميركا اليوم استكبرت وعلت علواً كبيراً لا تراعي حرمة أو لا تقف عند حق، ولا تبالي بمصير أي شعب، ولا تحترم مكانة أي دولة، ولا تأخذ بالحسبان مصالح من يتحالف معها، وبكلمة واحدة لا ترى إلا نفسها والكل دونها ويجب أن يعملوا في ركابها وخدمتها. ولا يستطيع أحد أن يسألها عما تفعل بل إن السؤال ممنوع.

* معالجة الاستكبار الدولي:
إن السكوت أمام الاستكبار يدفعه للإيغال في جرائمه وظلمه وكلما خافت الشعوب والأمم أدى ذلك إلى استسلامها وبالتالي تعطيل قواها وانهيارها وهذا يؤدي حتماً إلى ازدياد قوة المستكبر. والخلاص من الاستكبار يستدعي أولاً الوقوف والاعتراض والمواجهة حتى مع اختلال ما يُعبر عنها بالموازين والمعايير. ومن هنا كان الحديث "أعظم جهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر". لأن الصوت والكلمة والموقف في مواجهة المستكبر يدفع الآخرين لأخذ النفس ومراجعة الحسابات وتتجمع الجموع المقهورة لتشكل قوة قد تستطيع مواجهة المستكبر ووضع حد لاستكباره. فالخيارات محدودة وهي المقاومة، المواجهة، سلوك طريق الاستشهاد فلا مستقبل، ولا أمل ولا حلم فيستمر الطاغية بطغيانه وسكوت الناس يقوي المستكبر ويضعف من في وجهه وهذه هي المعادلة الحاكمة اليوم.

فالحديث عن الحقوق وتبيانها، وإظهارها، وتأليب الرأي العام الدولي، وانتظار تطبيق القرارات الدولية هذا كله لا يعين وحده بل يحتاج إلى عناصر القوة، فاستعادة الحقوق مع وجود المستكبر لا يكون إلا باللجوء إلى القوة. ولذا كان الحديث الشريف "الساكت عن الحق شيطان أخرس" لان السكوت عن الحق يدفع الظالم إلى الظلم أكثر والمستكبر إلى الاستكبار أكثر والطاغية إلى الطغيان أكثر. وهكذا يمكننا قراءة اهتمام الإمام الخميني الراحل المقدس بضرورة معرفة أميركا والالتفات إلى خطرها والإنذار من استكبارها والدعوة إلى مواجهتها بعد أن وسمها بالشيطان الأكبر. وأخيراً، الاستكبار لا يوجد فقط من خلال قوة المستكبر بل يوجد أيضاً من خلال ضعف الآخرين واستسلامهم فالسيف يعالج بالسيف لا بالكلمة، والقوة تعالج بالقوة لا بالاستجداء.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع