الشيخ تامر محمد حمزة
عمرو بن الحمق الخزاعي يعرفُ بـ "الكاهن". صحب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وشهد المشاهد مع علي عليه السلام، قتله معاوية بالجزيرة وكان رأسه أول رأس صلب في الإسلام1، وهو أوّل من حيّا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتحية الإسلام2، ومن رواة حديث الغدير من الصحابة3 وأمتعه الله بشبابه، حيث بلغ الثمانين ولم يُرَ شعرة بيضاء لدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم له4، وصفه الحسين عليه السلام بالعبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفرّ لونه5.
* ترجمته
عمرو بن الحَمِق (فتح الحاء وكسر الميم) الخزاعي6 ابن حبيب بن عمر بن الفتى بن رياح بن عمرة بن سعد بن كعب7.
وقد ذكره العلامة الحلي في خلاصة الرجال دون واو أي عمر بن الحمق8 وكذلك ذكره الشيخ الطوسي في باب عمر9. وقد ترجم له المتقدمون والمتأخرون كالكشي والنجاشي وغيرهما10. وقد ذكره الحر العاملي بقوله: "من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين وهو من حوارييه"11.
* من المنتظرين
هو في عداد الثلّة القليلة السبّاقة لنصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل كان من المنتظرين لظهور النّبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة ومن المترقّبين الذين بادروا إلى التّمسك بعروة النّبوة عند أوّل مؤشر لها، وهو بحق من الملتزمين بقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمكوث في بلده والانتظار ثانية حتى ظهور الإمامة في الكوفة، ففعل ذلك وهو صابرٌ محتسب.
وقد أشار إلى ذلك أكثر الذين ترجم له نقلاً عن كتاب الكشي حيث قال: أرسل رسول الله سرية فقال لهم: إنكم تصلون ساعة كذا من الليل فخذوا ذات اليسار فإنكم تمرون برجل فتسترشدونه فيأبى أن يرشدكم حتى تصيبوا من طعامه، فيذبح لكم كبشاً فيطعمكم ثم يقوم فيرشدكم، (فأقرئوه) مني السلام وأعلموه أني قد ظهرت بالمدينة... فحصل معهم ما أنبأهم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن نسوا أن (يقرئوه) السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهم الرجل: أظَهَر الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة؟ فقالوا: نعم، فلحق به ولبث معه ما شاء الله، ثم قال له الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ارجع إلى الموضع الذي منه هاجرت فإذا تولّى أمير المؤمنين عليه السلام فأْته. فانصرف الرجل حتى إذا تولى أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أتاه فأقام معه فيها12.
* عمرو من الاصفياء
ولما أنشأ أمير المؤمنين عليه السلام أيام خلافته (شَرَطَة الخميس) كان عمرو بن الحمق الخزاعي منهم إلى سائر الخلص من أصحاب علي كالأصبغ بن نباتة وميثم التمار ورشيد الهجري وحبيب بن مظاهر وإنما تسموا بالشرطة لأنهم اشترطوا على أنفسهم الوفاء لعلي عليه السلام وشرط لهم الجنة وهذا ما حدّث به أمير المؤمنين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك مع جماعة من أصحابه كسلمان والمقداد وعمار حيث قال لهم النبي: تشرطوا فإني لست أشارطكم إلا على الجنة13.
ولذا وصف علماء الرجال عمرواً بأنه من أصفياء أصحاب علي عليه السلام.
* عمرو والولاية
يعتبر عمرو من القلة الذين ثبتوا على الولاية من اللحظة الأولى واستشهدوا وهم يعتقدون بها. ويعود ذلك إلى التزامه بأوامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتنفيذ وصاياه والتزود من إرشاداته النورانية، وقد قال ذات يوم لأمير المؤمنين عليه السلام: والله ما جئتك لمال من الدنيا تعطينيها ولا لالتماس السلطان ترفع به ذكري إلا لأنك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأولى الناس بالناس وزوج فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام، وأبو الذريّة الّتي بقيت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأعظم سهماً للإسلام من المهاجرين والأنصار. والله لو كلّفني نقل الجبال الرواسي ونزح البحور الطوامي أبداً حتى يأتي عليَّ يومي وفي يدي سيفي أهزّ به عدوّك وأقوّي به وليّك ويعلو الله به كعبك، ويفلح له حجتك، ما ظننت أنّي أديّت من حقك كلّ الحق الذي يجب لك عليّ. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:
اللهم نوّر قلبه باليقين واهده إلى الصّراط المستقيم، ليت في شيعتي مائة مثلك14.
* عمرو في صفين
شهد عمرو المشاهد مع أمير المؤمنين عليه السلام ومنها صفين يقول ابن عباس: ... زحف علي عليه السلام بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، وعلى ميمنته الأشتر وسعيد بن قيس وعلى ميسرته عمار وشريح بن هاني وعلى القلب محمد بن أبي بكر وعدي بن حاكم وعلى الجناح زياد بن كعب وحجر بن عدي وعلى الكمين عمرو بن الحمق وجندب بن زهير15.
وممّا روي عنه أنّه قد وقف بين الصفّين وهو يخاطب أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: يا أمير المؤمنين أنت ابن عم نبينا وأول المؤمنين إيماناً بالله عزّ وجل16.
ولما رفعت المصاحف يوم صفين قال عمرو: يا أمير المؤمنين إنا والله ما اخترناك ولا نصرناك عصبية على الباطل ولا أحببنا إلاّ الله عزّ وجل ولا طلبنا إلاّ الحقّ ولو دعانا غيرك إلى ما دعوت إليه لكان فيه اللّجاج وطالت فيه النجوى، وقد بلغ مقطعه وليس لنا معك رأي17.
* عمرو في محضر الاحتضار
قال عمرو: دخلت على علي عليه السلام حين ُضرب الضربة بالكوفة، فقلت: ليس عليك بأس، إنما هو خدش، فقال: لعمري أني مفارقكم، ثم قال لي: إلى السبعين بلاء، قالها ثلاثاً. قلت: فهل بعد البلاء رخاء؟ فلم يجبني وأغمي عليه18.
ويقول عمرو بعد أن أفاق علي من إغمائه سمعته يقول: طوبى لهم وطوبى لكم وطوباهم أفضل من طوباكم، قال: قلت: صدقت يا أمير المؤمنين، طوباهم برؤيتك وطوبانا بالجهاد معك وطوبانا بطاعتك، ومن هؤلاء الذين طوباهم أفضل من طوبانا؟ قال عليه السلام: أولئك شيعتي الذين يأتون من بعدكم، يطيقون ما لا تطيقون ويحملون ما لا تحملون19.
* الثبات على العهد والوعد
لما صار الأمر إلى معاوية انحاز عمرو إلى الموصل وكتب إليه معاوية: أما بعد فإنّ الله أطفأ النائرة وأخمد الفتنة وجعل العاقبة للمتقين... وسارِعْ في الدخول في أمري....فادخل فيما دخل فيه الناس يمح عنك سالف ذنوبك... فأَقدِمْ عليّ آمناً في ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم محفوظاً من حسد القلوب وإِحَنِ الصدور وكفى بالله شهيداً.
فلم يقدم عليه عمرو20. فبعث معاوية إليه مَنْ قتله21.
* عمرو بصير بمصيره
كان عمرو يقول في حياته: والله لو كنت في حجر جوف حجر لاستخرجني... حدثني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.... إنّ رأسي أول رأس ينحر في الاسلام وينقل من بلد إلى بلد22، ثم بعث معاوية برأسه إلى زوجته آمنة بنت الشريد وكانت في سجنه فألقي في حجرها فوضعت كفّها على جبينه ولثمت فمه وقالت: سترتموه عني طويلاً ثم أهديتموه إليّ قتيلاً، فأهلاً بها من هدية غير قالية ولا مقلية 23.
* عمرو حجة الإمام الحسين على معاوية
ورد اسم عمرو بن الحمق في جواب رسالة مولانا الحسين عليه السلام إلى معاوية يظهر فيه سيئ أفعاله وشرور أعماله إلى أن قال: ... أَوَلَسْتَ قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفرّ لونه بعدما آمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائراً لنزل إليك من رأس الجبل ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافاً بذلك العهد؟24.
* خاتمة
عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: "إذا كان يوم القيامة ينادي مناد... أين حواريو علي بن أبي طالب وصي رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي، ومحمد بن أبي بكر، وميثم التمار وأويس القرني"25.
1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج،1هامش ص259.
2- كتاب الأوائل،ابن أبي عاصم، ص 71.
3- الغدير، الأميني،ج1، ص57.
4- الخرائج والجرائح،الراوندي، ج1، ص 52.
5- وسائل الشيعة،الحر العاملي، ج2، ص 279.
6- حلية الأبرار،البحراني، ج2، هامش ص 52.
7- الهداية الكبرى،الخصيبي، ص 155.
8- خلاصة الرجال، الحلي، ص59.
9- الفهرست، الطوسي،ص 246.
10- رجال النجاشي،النجاشي، ص 204، والكشي ص 46.
11- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج3، ص 438.
12- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة, السيد الشيرازي،ص 433.
13- الاختصاص، الشيخ المفيد،ص14.
14- م.ن.
15- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر اشوب ج2، ص 340.
16- الفصول المختارة، الشريف المرتضى،ص 264.
17- أعيان الشيعة، الامين،ج 8، ص 376.
18- الخرائج والجرائح، م.س،ج1،ص 178.
19- مشكاة الأنوار، الطبرسي،ص 173،174.
20- الاختصاص، م.س،ص 17.
21- م.ن، ص 16.
22- العقد النضيد والدر الفريد، القمي، ص 36.
23- الغدير، م، س، ج 11، ص 44.
24- بحار الأنوار، المجلسي، ج44، ص213.
25- الاختصاص، م، س، ص61.