عدنان علامة
تعتبر الأسلحة النووية، والكيميائية، والبيولوجية، والصواريخ الناقلة لها من الأسلحة غير التقليدية، حسب التصنيف الحديث للعلوم العسكرية. اعترف العالم بأسره "بإسرائيل" دولة نووية دون أن تجري تجربة نووية واحدة.
ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تتجاهل تماماً حيازة إسرائيل لترسانة نووية، حين تتحدث عن أسلحة الدمار الشامل في المنطقة. ولا تزال إسرائيل تحجم عن الإقرار رسمياً بحيازة أسلحة نووية، علماً بأنها تعترف بأنها تملك الخيار النووي. ولا تزال تصر على عدم توقيع معاهدة منع الأسلحة النووية لعام 1968، وترفض التفتيش الدولي الشامل لمنشآتها النووية. وقد شنّت عدواناً عسكرياً مباشراً بالتعاون مع عملاء من داخل منشأة مفاعل تموز في العراق؛ حيث أغارت على المفاعل ودمرته. وتشن حالياً حملة اعلامية مكثفة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ لبنائها مفاعلاً نووياً في بوشهر للأغراض المدنية، علماً بأنه يخضع لمراقبة وكالة الطاقة النووية الدولية. ولا يغيب عن بالنا ماذا فعلت دول التحالف في العراق وبضغط إسرائيل، بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل.
* الترسانة النووية
بدأت "إسرائيل" التفكير في حيازة القدرة النووية منذ إعلان "قيام الدولة"، واتخذ ذلك التفكير شكلاً متسارعاً منذ الخمسينات، فشكلت لجنة الطاقة النووية سنة 1952، وعقد اتفاق مع الولايات المتحدة لبناء مفاعل "ناحال سوريك" عام 1955، وهو معد للأبحاث النووية بقوة 5 ميغا واط وخاضع لتفتيش وكالة الطاقة النووية الدولية في "فيينا". وكانت إسرائيل تفاوض فرنسا سراً بشأن تعاون نووي أشمل، ونتج من تلك المفاوضات تزويد إسرائيل بمفاعل "ديمونا"، وتم تشغيله عام 1963، ولم يجر حتى الآن إخضاعه للتفتيش الدولي. وبحسب المعلومات الأولى كانت قوة المفاعل 24 ميغاواط وهو ما كان يمكّنه من إنتاج كميات من مادة البلوتونيوم تكفي لصنع رأس نووي واحد سنوياً. وقُدِّرت قوة المفاعل لاحقاً ب40 ميغاواط؛ أي ما يمكنه إنتاج رأسين أو ثلاثة رؤوس سنوياً. وفي العام 1974 كشفت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA أن إسرائيل قادرة على تصنيع الرؤوس النووية.
والمعلومات التي كُشفت بعد ذلك ألقت بعض الضوء حول البرنامج العسكري النووي، وأوضحت بأن هذا البرنامج هو أشمل وأعقد مما كان يعتقد. وتستخلص إسرائيل اليوارنيوم الطبيعي من الفوسفات، وقد قامت أيضاً بشراء، أو بتهريب كميات من اليورانيوم المخصَّب بدرجة عالية من عدة مصادر أوروبية، وأميركية، ومن جنوب أفريقيا، وبحسب ما أفاد به رئيس الطاقة النووية الفرنسية السابق، خلال فترة التعاون الفرنسي الإسرائيلي في أوائل الستينات، فإن التعاون يشمل تصميم الأسلحة، وليس المجال التقني فقط. وقد أتاح التعاون العلمي والتقني بين إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا الغربية للعلماء الإسرائيليين الاطَّلاع بصورة طبيعية على التقنية النووية في مختلف مجالاتها. وتختلف المصادر حالياً في تقدير مخزون "إسرائيل" من الرؤوس النووية وتتراوح التقديرات بين 60 و200 رأس نووي، طبقاً لتقدير كميات اليورانيوم المخصب، والبلوتونيوم التي حصلت إسرائيل عليها، وبحسب إدعاء "فنونو"، فقد أنتجت إسرائيل أيضاً مادتي الترينيوم والليتيوم، وهما تزيدان في فاعلية التفجير النووي. إلا أن المصادر العلمية لا تزال تشك في قدرة إسرائيل على تطوير القنبلة الهيدروجينية. إذ أن هذا الأمر وخلافاً لتطوير رؤوس نووية، يتطلب إجراء تجارب؛ لكن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أشارت إلى أن هناك توجهاً لإنتاجها.
الاعتبارات الإستراتيجية
يعود تطوير القدرة النووية إلى اعتبارين أساسيين في التصور الإسرائيلي: الأول: أن ميزان القوى العسكرية، ولا سيما العنصر البشري منه، سيكون في مصلحة العرب بمرور الوقت، ووفقاً لتطورهم العلمي والتقني. والثاني: أنه طبقاً للتجربة التاريخية لا يمكن الاعتماد على الضمانات الدولية للمحافظة على الكيان العبري. يأخذ موضوع الردع النووي أبعاداً مختلفة حالياً، وينظر إليه من زوايا مختلفة. فبعض الدول العربية يغالي في أخطاره المستقبلية، ويرى أنه يحرض على سباق تسلح مستقبلي، ويترك إسرائيل في وضع المهيمن عسكرياً في المنطقة. والبعض الآخر لا يصل إلى هذا الغلو، ويطالب بانضمام إسرائيل إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية كسائر الدول العربية، ويرى في قدراتها النووية تهديداً لأمن المنطقة. إلا أنه يرى في الوقت ذاته أنه ليس هناك ما يدعو إلى أن يصاب التفكير الإستراتيجي العربي بالشلل إزاءها؛ فما دامت مقولة إسرائيل قد تم إسقاطها، فالردع النووي لا يلغي الحرب المحدودة لتحرير الأراضي المحتلة، وذلك لعاملين أساسيين: القيود السياسية الدولية المفروضة على استخدام هذه الأسلحة، وخطورة استخدامها على الجبهات العربية المجاورة بسبب قصر المسافات جغرافياً، وبسبب الأحوال الجوية التي يمكن أن تحمل خطر نقل الإشعاعات إلى إسرائيل نفسها.
ومع أنه لا يعرف شيئاً عن تطوير أسلحة نووية تكتية أي (بقوة تدميرية تتراوح بين 1 و5 كيلو طن من مادة T.N.T) أو ألغام نووية أرضية، فإن إمكان استخدامها على الجبهات العربية المتاخمة مشكوك فيه للاعتبارات السابقة، وخير دليل على ذلك هو عدم استخدام الخيار النووي عام 1973 أثناء الحرب مع سوريا ومصر.
المصدر: دليل إسرائيل العام مؤسسة الدراسات الفلسطينية.