مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تغريب الثقافة: غربة الإنسان الباحث عن الخلاص‏

موسى حسين صفوان‏


يُروى أن "قابيل" وبعد أن قتل أخاه "هابيل" جاء إلى شيخه الناصح إبليس وقال له: لا لقد كنتُ منذ زمن، وقبل أن أفعل ما فعلت، أشعر بجذبةٍ تؤنسني وأنا أصلي، فما لي قد فقدتها اليوم؟... فأجابه اللَّعين، وقد تمكَّن منه... لا عليك خذ هذا الشراب وسوف تعود لك الجذبة!!! ويقال أنه ناوله كأساً من الخمر، وعلَّمه كيف يصنعها... وصار قابيل يعبُّ منها ليشعر بما كان يشعر به أيام الأنس، ولما كانت جذبة الخمر مزيَّفة، فقد كان يعبُّ منها عبّاً وهو في قرارة نفسه يتحسَّر على ما فاته!!!

هذه حكاية رمزية تعبر عن حال الإنسان الذي أضاع منهله الروي، وعبثاً ما يزال يبحث عن منهل آخر، يريده في غير السبيل الذي فطره اللَّه سبحانه... بيد أنه لن يرتوى... مرّة وقف الأب الشفيق، نبي اللَّه نوح عليه السلام، ونادى ابنه المغرور قائلاً: "يا بني اركب معنا" فأجابه وقد ظن أنه يستغني عن ربه، "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" وما كان من نبي اللَّه عليه السلام إلا أن قال: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (هود: 43).

إنسان اليوم يبحث في أعماق نفسه عن مضامين ثقافية تروي الغليل، وتشعر الروح الوالهة بالسكينة والإرتواء... ولكنه يأبى أن يبحث حيث يجد السكينة، تماماً كحال ابن النبي نوح عليه السلام لوهمٍ اقنع نفسه به، إنَّ الحضارة والثقافة يجب أن تجانب الدين، وتتمرد على حقائق الوجود وتتجاوز المألوف إلى ما هو أبعد من المعنى... الفكر الكلاسيكي بات لا يروي النفوس الجامحة، والمفاهيم الجمالية الفطرية باتت ساذجة لا تشبع نَهْمَةَ التمرد... وصارت مفرداتٌ مثل العبث، والقرف، واللاَّمبالاة واللاَّجدوى والتحرر من الانتماء، والتغرب في اللاَّمعنى، ومثل الإبهام في الشعر، وتمرد اللفظ، والقلق وما إلى ذلك... عناوين يبادر إليها المثقفون عسى أن يجدوا فيها مرفأً ترسي على رصيفه أشرعتهم المبحرة في المجهول، والباحثة عن الذات في ليالي الغربة الموحشة...

 حال الثقافة اليوم، وحال المثقفين تماماً كمن يبني قصوراً من الفقاعات، لا تلبث أن تضيع في خيالاتهم وأوهامهم، ويستمر مشوار البحث، وكلما أوغل الباحثون في غربتهم، كلما أطبقت عليهم ظلمات الوحشة وازدادوا بعداً عن شواطئ الروح... صحيح... من حق المثقفين الذين ضجروا من جفاف المادة، وموت الآله؛ ورتابة الحياة... من حقهم البحث عن الأنا في غياهب الوجود... ولكن، والسؤال هنا دائماً يلح على اللاهثين خلف الحرف واللون، لماذا؟... لماذا كلما اقتربت أيديهم من خيَّال أو هامهم، وكادوا أن يمسكوا به أملص منهم ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً (النور: 39). لماذا، ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا (البقرة: 20). لماذا يتملكهم حنين بعيد بعيد... يمر بالخاطر كأحلامٍ منسية، لا تلبث أن تزوي؟... ولن تطول الحيرة إذا التفت القوم إلى الإتجاه الآخر... هنا... في غير الطريق الذي تسلكون سوف تجدون النور الذي يشرق ليس ليضي‏ء الطريق أمام البصر، بل ليشع في أعماق الأفئدة حياة وأنساً وسكينة.... النفس البشرية تبحث عن اللَّه، تبحث عن عالم الغيب، تبحث عن السر المغروس في جذور فطرتها... ولن ترتوي من عالم المادة الجاف، ولن ترتوي من كأس إبليس اللعين المزيفة، ولن يعصمها جبل مهما كان رفيعاً، من أمر اللَّه...

هناك فقط في دوحة الوحي الصادق والإيمان سوف تجد الماء الروي وليس السراب الخادع الذي ينسحق من بين يديها كما تميث هنيهاتُ اليقظة عروشَ الأحلام... النفس البشرية تبحث عن الغيب، عن ملكوت اللَّه القريب من حقائق الإيمان، عن حقائق الكون المجلجلة في صفحات الروح... وترى... متى يعود العبد الآبق إلى مولاه؟؟!

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع