أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

قراءة في كتاب: جهاد الإمام السجّاد عليه السلام


إعداد: محمود دبوق‏


المؤلف: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي‏ / الناشر: مؤسسة دار الحديث الثقافية
الكتاب الذي بين أيدينا، يتناول أموراً هامّة، تتعلق كما يشير في المقدمة، بمقولة بعض الدّارسين حتى من الشيعة، الذين يؤكّدون على بعد الإمام علي بن الحسين "زين العابدين" عليه السلام عن "الجهاد السياسي" ويحسبون أنَّ دوره ينحصر في تربية الطليعة المثقفة والداعية، بعيداً عن ألوان الصراع السياسي وعن أي تحرك ضد الأنظمة الحاكمة (كما شرح الكاتب).

ويخلص كاتب هذا الكتاب إلى نتيجة وهي أن الإمام عليه السلام قد قام بدور سياسي فعَّال، وكان له تنظيم وتخطيط سياسي دقيق من أذكى الخطط السياسية... ويذكر نماذج تاريخية لذلك. المقدّمة تُطلعنا على مضامين الكتاب فيدرك القارئ‏ء منذ البداية أهميّة الموضوع وفحواه، والخاتمة تحكي بعضاً أساسياً من أهداف الإمام السجّاد عليه السلام وبصورة منطقية، وتسرد الواقع الذي سمح للإمام الباقر عليه السلام بتولّي وتحقيق الأهداف المبتغاة بعد أبيه، وكذلك من بعده للإمام الصادق عليه السلام، كما استفاد ابنه الشهيد زيد عليه السلام من هذه الحكمة والتدبير الإلهي الذي تمتّع به الإمام زين العابدين عليه السلام فكانت ثورته التي كانت تعتبر دعماً لموقف الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام.

* فصول الكتاب:
في هذا العرض لهذا الكتاب المفيد والمتميّز بأسلوبه، هناك خمسة فصول مهَّد لها ببحثين:

الأول: البحث عن الإمامة وتعريفها، وما تستلزمه من شؤون، فبدأ بتعريف الإمامة وذكر تعاريف مختلفة، فهي رئاسة عامة، أو تقدم يقتضي طاعة، وأنها عند الشيعة من الأصول الاعتقادية. ولذلك اختصَّت بهالة قدسية لكونها بمنزلة النبوة كما يستوحى من قول الرسول صلى الله عليه وآله للإمام علي عليه السلام: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" ومن روايات الأئمة عليهم السلام. ثم تكلم عن ذكر البعض لشرط القيام بالسيف في إمامة الإمام كما عن الزيدية ونفي الإمامة عن الأئمة بعد الحسين عليه السلام ثم بيّن أن قيام الأئمة عليهم السلام يرتبط بوجود الظروف الموضوعية، وبوجود الأشخاص الذين لديهم الأهلية لذلك. ولذلك قام الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام ولم يقم غيرهما. ويستخلص، أن الإمامة منصب إلهي ومن مستلزماته الواضحة التحرك في سبيل مصلحة المسلمين والدين.

الثاني: إمامة السجاد زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام. وقد ذكر أن هذا ما اتفقت عليه الشيعة الإمامية. ونقل الروايات الواردة التي تثبت إمامته واختلاف الفِرَق في إمامة الإمام زين العابدين عليه السلام.

الفصل الأول: أدوار النضال في حياة الإمام عليه السلام في كربلاء، وفي الأسر وفي المدينة. أولاً في كربلاء، فالإمام عليه السلام قد حضر في معركة كربلاء إلى جنب والده الإمام الحسين عليه السلام، وقاتل يوم عاشوراء، إلى أن جرح، فقد ذكر ما نصه: "وكان علي بن الحسين عليلاً، وارتُثَّ يومئذٍ وقد حضر بعض القتال، فدفع اللَّه عنه..."، ومعنى (ارتُثَّ) أنه حُمِل من المعركة بعد أن قاتل وأثخن بالجراح فأخرج وبه رمق، كما صرح به اللغويون.

ثانياً: في الأسر، فقد وقف مواقف بطولية لا يقفها من هالته المصارع الدامية في كربلاء وفجعته، أدى دوره بلسانه الذي أفصح عن الحق ببلاغة معجزة أسكتت الجميع، وموقفه في مجلس يزيد، فخطب الإمام خطبته البليغة التي لم يزل يقول فيها: أنا... أنا... "معرفاً بنفسه وبأهله" حتى ضج المجلس بالبكاء.

ثالثاً: في المدينة، فهو قد رجع ليرى الناس واجمين لرؤيتهم الركب خالياً من الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، رجع يحمل أعباء كربلاء ومآسيها وأهدافها ونتائجها. رجع وهو الرجل الوحيد الباقي. يحمل أعباء الإمامة والمسؤولية الإلهية، ففي السنوات الأولى تحمل المهام الثقال، مع ملاحقة الدولة، لذلك اتخذ أسلوباً فريداً لمواجهة الموقف. فأبعد الأخطار الموجهة إليه، حيث اتخذ بيتاً من الشعر في البادية خارج المدينة، لبث بها عدّة سنين كارهاً لمخالطة الناس. ولم يعد إلى المدينة إلا مع وقعة الحرّة. حيث تمكن الإمام من تخليص كثير من الرؤوس أن تقطع، والحرمات أن تهتك. مع أنه كان مستهدفاً من الهجوم على المدينة. ولقد أُتي به إلى مسرف بن عقبة، وهو مغتاظ عليه، ولكنه لما رآه ارتعد وقام له وأقعده إلى جانبه.

الفصل الثاني: النضال الفكري والعلمي في مجالات: القرآن والحديث، والعقيدة والفكر والشريعة والأحكام. التطرّق لعلوم أهل البيت عليهم صلوات اللَّه هو أشبه بالإطلالة على فضاءٍ فسيحٍ يأنس الإنسان لمشهده، ويحار في عظمته، فما يجد جواباً سوى التسبيح والتنزيه حيث أنَّ اللَّه اعلم أين يضع رسالته. فإذا حاول المطالع أن يُطلَّ إلى نضال الإمام السجّاد عليه السلام الفكري والعلمي فهو (المطالع) لن يدرك سوى قطرات الأسى من أولئك العتاة والظلمة الذين عايشهم أئمة الرسالة، ومعدن الوحي والتنزيل. لكن هذا الإمام العظيم عمل وبفطنة وذكاء المنزّه عن الزلل، والمؤيّد من اللَّه تعالى بكل جهده لتثقيف الجماهير وتوعيتها وتلقينها ما تقدر عليه من علوم، وما ينفعها لدينها ودنياها وآخرتها، فتصدى لمن أرادوا محاربة الحديث والرواية حتى لا تتساقط عروشهم، فيقول عليه السلام: "إنَّ أفضل الأعمال ما عمل بالسنّة وإن قلَّ"(1). كل ذلك في الزمان الذي كان يُقتل فيه حفظة القرآن، مثل سعيد بن جبير، ويحيى ابن أم الطويل، وميثم التمار، وتتردّد مقولة "الجبر الإلهي"...

الفصل الثالث: النضال الاجتماعي والعملي في مجالات: التربية والأخلاق والإصلاح وشؤون الدولة، ومناهضة الفساد الاجتماعي في أشكال: العصبية، والفقر، والرق. من المعلوم أنَّ أسمى مهام الإمام المعصوم هي هداية البشرية، لذلك فإنَّ البحث في النضال الاجتماعي للإمام والذي يرتبط بكل زمان ومكان، وحيث أن الشواهد الأخلاقية تؤثر بنا جميعاً أكثر من تأثرنا بالخطب والمواعظ والكلمات المنمّقة التي لا تخرج عن كونها كلاماً بنظر معظم البشريين، وتفتقر في ظاهرها إلى الجدية والفعالية والأداء العملي الذي يؤثر بالجميع، في هذا المجال نلاحظ وبشكل واضح مدى نجاح الكاتب في موضوع العرض وفي تأكيد الشواهد على هذا المستوى، ليظهر عظمة الإمام كيفما حرّك بيده أو نطق بلسانه، وها هو سلام اللَّه عليه يواسي الإخوان والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام بالبذل والعطاء والإنفاق والعفو عن الخاطئين. وأما في مجال الإصلاح وشؤون الدولة، ترى أنّه لم يترك المدينة مع ما فيها من ظلمٍ وحيفٍ من الحكّام الظالمين من بني أمية.

الفصل الرابع: مظاهر فذّة في حياة الإمام: الزهد والعبادة، والبكاء، والدعاء.

الفصل الخامس: مواقف حاسمة في حياة الإمام: من الظالمين، ومن أعوان الظالمين، ومن الحركات السياسية المعاصرة له.

* أولاً: موقفه من الظالمين:
فقد اتخذ موقفاً حكيماً من يزيد، فلم يدع له مبرراً للقضاء عليه، مع أنه واجهه بالحقيقة التي لا يتحملها الطغاة، وأجبره على اطلاق الأسرى من آل محمد صلى الله عليه وآله. ومن عبد الملك أيضاً، وقف موقف اللامبالي، وعندما هدَّده وقف موقف أبيه الحسين عليه السلام وأعلن استعداده لأن يواجه كما واجه أبوه عليه السلام. وقد وصل تهديد الإمام للحكم الأموي في زمن عبد الملك إلى حد أن الحجاج الثقفي، أحد أشد ولاة الأمويين قساوةً وإجراماً، كتب إلى عبد الملك ما نصه: "إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل علي بن الحسين"(2).

فلو كان الإمام كما يُدَّعى، زاهداً في السياسة والإمامة، فلا معنى لكلام الحجاج. ولما حمله عبد الملك إلى الشام كما يروي الزهري: "شهدت علي بن الحسين عليه السلام يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديداً، ووكل به حفاظاً عدة. وقد جرى في هذا السفر من معاجز الإمام عليه السلام ما أذهل عبد الملك. وموقف الإمام عليه السلام من هشام بن عبد الملك واستفزازه له في حادثة استلام الحجر، وتنحّي الناس للإمام عليه السلام وعدم تنحيهم لهشام، ويتنسم الناس من ريح النبوة. وموقف الإمام من عمر بن عبد العزيز الذي كان يسكن المدينة ويرفل بأثواب الترف، ولما تولى الخلافة منع سب أمير المؤمنين عليه السلام ورفع المنع عن رواية الحديث. ولكن الإمام أعلن موقفه من قبل توليه الخلافة، فقد قال لعبد اللَّه بن عطاء: "أترى هذا المترف مشيراً إلى عمر إنه لن يموت حتى يلي الناس، فلا يلبث إلا يسيراً حتى يموت، فإذا مات لعنه أهل السماء، واستغفر له أهل الأرض"(3).

* ثانياً: موقفه من أعوان الظلمة:
إن مما لا يخفى على أحد هو أن الجائرين لم يصلوا إلى مآربهم لو لم يجدوا أعواناً لهم، وورد عن الإمام السجاد عليه السلام: "العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به شركاء وثلاثتهم في النار"(4). كان عليه السلام يسعى بكل الوسائل من النصح والموعظة، إلى التخويف والتهديد، إلى الفضح والتشهير في سبيل اقناع المتصلين بالأمويين من علماء السوء، ومنهم الزهري الذي كان من المنحرفين عن الإمام علي عليه السلام. وقد نصحه الإمام عليه السلام وأرسل إليه رسالة تطفح بالمواقف السياسية.

* ثالثاً: موقفه من الحركات المسلمة:
لم يظهر الإمام انتماءً لأي حركةٍ معارضة للدولة محبة كحركة المختار والتوابين أم معادية، كحركة أهل الحرّة وحركة ابن الزبير في مكة والعراق، حتى اطمأن له الأمويون وسمّوه "الخير". لكن الآثار تشير إلى أنه عليه السلام لم يكن بمعزل عنها سلباً أو إيجاباً. حركة الحرّة لم تكن تتبع أمر الإمام عليه السلام ولا قيادته أو اشرافه، ولم تكن أهدافها واضحة ومدروسة، وقد عرَّضت المدينة للإستباحة فوقف الإمام عليه السلام موقف المنجي للمدينة المنكوبة ولأهلها الذين استباحهم الجيش الأموي. وكذلك فتنة ابن الزبير، كانت مرفوضة لدى أهل الحق وأهدافها مشبوهة، وكان ابن الزبير حاقداً معادياً لآل علي عليه السلام، وكان الدافع لأبيه لحرب الجمل. أظهر الإمام تخوفه من فتنة ابن الزبير الذي أظهر العداء لأهل البيت عليهم السلام، ومنع الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله، وكان يضع العيون على الإمام، وقتل أخوه الشيعة بالعراق، حتى النساء، وهدد باحراق مجموعة من أهل البيت في شعب أبي طالب بمكة، وخاف الإمام من أن يحصل في مكة ما حصل للمدينة فتنتهك حرمتها وقد حصل ذلك فعلاً، فأحبط كل أهدافه الخبيثة، وهدّأ من توغّر صدور بني أمية على آل النبي صلى الله عليه وآله وشيعتهم فحدد موقفه من كل حركة لم تأتمر بأمر أهل البيت وتتبع خطاهم.

أما موقفه من الحركات الأخرى:
فهي على فرض قيامها بشعارات حقة كحركة التوابين وشعارهم "يا لثارات الحسين عليه السلام" وحركة المختار الذي كتب إلى الإمام السجاد عليه السلام يريده على أن يبايع له ويقول بإمامته. الإمام عليه السلام لم يعلن ارتباطه المباشر بهاتين الحركتين، ولم يعلن رفضه لها كما واجه ابن الزبير، ولكنه أصدر بياناً عاماً يصلح لتبرير الحركات الصالحة، فقال لعمه محمد بن الحنفية: "يا عم، لو أن عبداً تعصب لنا أهل البيت، لوجب على الناس مؤازرته، وقد وليّتك هذا الأمر فاصنع ما شئت"(5).

حافظ الإمام بذلك على وجوده من أذى الأمويين، وأكد على منهجه وتخطيطه لإحياء الدين وتهيئة الأرضية للحكم العادل فلما أرسل المختار برؤوس قتلة الحسين عليه السلام إليه خر ساجداً ودعا له وجزّاه خيراً. وأظهر أهل البيت الفرح وتركوا الحداد. بعد كل هذه المواقف العظيمة، يأتي البعض ويرمي الإمام السجّاد عليه السلام بمقولات وكتابات لا تمت للحقيقة بصلة، وهل يعقل أنّ كل هذه الجرأة والشجاعة تنبع من شخصية متردّدة لا تدرك معنى الجهاد عوضاً عن السياسة؟! وعلى مستوى محاربة العصبية والتفرقة بين قوميات الناس وأجناسها والتي كانت قائمة بشدة في ذلك العصر فقد واجهها الإمام بكل جرأة وحضور، فكان يجالس المولى المؤمن كما يجالس الآخرين من أهل الدين والتقوى.

ألا تعتبر هذه الأمور أموراً اجتماعية سياسية مجبولة بالشجاعة والحكمة وحسن التقدير؟! وهناك مواقف أخرى نذكرها وهي ليست الأخيرة في هذا الموضوع، هي قيام الإمام، بتوزيع المساعدات على الناس سرّاً في وقتٍ كان الحكم يمارس فيه سياسة التفرقة في توزيع المساعدات والأموال، وهي سياسة كان قد ركَّز دعائمها معاوية بن أبي سفيان ولا ريب أنها قد نالت إعجاب الظالمين على مدى العصور والأيام، سائلين العلي القدير أن يمنّ علينا بفرج مولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه إنه سميع قريب مجيب. كتاب ممّيز يقع في 357 صفحة يستحق القراءة وتستحق أنت أخي القارئ‏ الاستفادة منه.


(1) المحاسن للبرقي ص‏221، ح‏133.
(2) بحار الأنوار، ج‏46، ص‏28، ح‏9پ.
(3) بصائر الدرجات، ص‏45، الطبري، دلائل الإمامة، ص‏88 بحار الأنوار، ج‏46، ص‏23، 327.
(4) العاملي، بلاغة علي بن الحسين عليه السلام، ص‏224.
(5) بحار الأنوار، ج‏45، ص‏365، الأمين، أصدق الأخبار، ص‏39 الدجلي، أحمد، المختار الثقفي، ص‏59.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع