الشيخ كاظم ياسين
لقد شارك الشيوخ والكهول في ملحمة كربلاء العظيمة، وثبتوا
فيها واستشهدوا، نسطر أسماءهم مع أسماء أنصار الحسين عليه السلام الذين انطلقوا من
جميع شرائح المجتمع الغني والفقير، والحر والعبد، والرجل والمرأة، والطفل والشاب
والكهل! وكان هؤلاء الكهول، من أعبد رجال الأمة، وأعلمهم بالقرآن، وأصدقهم قولاً،
وأكثرهم زهداً وأشرفهم منزلة عند قومهم، ولكن ذلك لم يمنع أصحاب القلوب الغلف، التي
أظلمتها الدنيا، وأمرضتها، فضلّت طريق هداها، واختارت سبيل الردى، وقتل أولاد
الأنبياء صلى الله عليه وآله وأحب أصحابهم. تقدم هؤلاء الشيوخ إلى القتل بكل يقين،
وأحدهم يوصي الآخر وهو مضرج بدمائه بأن يفدي الحسين عليه السلام بروحه، ولم يمنعهم
كبر سنهم وكهولتهم عن السير في ركاب إمامهم والقتال بين يديه. وقد وفوا حقاً وأبلوا
أشد البلاء يضاهون به الشباب اليانعين، هؤلاء الكرام الذين ذكروا في عداد الشيوخ في
كربلاء هم:
1 - أنس بن الحارث الكاهلي، عدناني من عرب الشمال، والكاهلي نسبة الى بني كاهل من
بني أسد، ويبدو أنه من الكوفة، لأن منازل بني كاهل كانت في الكوفة، وكان شيخاً كبير
السن وذا منزلة اجتماعية عالية بحكم كونه صحابياً، وقد ذكره الشيخ الطوسي في الرجال
في عداد صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله ونص على أنه قتل مع الإمام الحسين عليه
السلام، وذكره السيد الخوئي في معجم رجال الحديث(1).
2 - برير بن خضير الهمداني، من عرب الجنوب، ذكره الطبري(2) وابن شهر اشوب(3)، ووصف
في المصادر بأنه سيد القراء، وكان شيخاً، تابعياً، ناسكاً، قارئاً للقرآن، ومن شيوخ
القراء في جامع الكوفة، وكان مشهوراً ومحترماً في مجتمع الكوفة، وله في الهمدانيين
شرف وقدر، وقد بذل قبل المعركة محاولة لصرف عمر بن سعد عن ولائه للسلطة الأموية.
وكان برير رضوان الله عليه ذا بصيرة عالية فهو يقول للإمام الحسين عليه السلام:
يا
ابن رسول الله، لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك، تقطّع فيك أعضاؤنا ثم
يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة.
ثم هو ينصح أهل الكوفة فيخطب فيهم قائلاً: يا قوم إن
ثقل محمد قد أصبح بين أظهركم وهؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه فهاتوا ما عندكم وما
الذي تريدون أن تصنعوه بهم فقالوا: نريد أن نمكن منهم الأمير عبيد الله بن زياد
فيرى رأيه فيهم... وبعد أن يذكّرهم بكتبهم التي بعثوها للإمام يقول له نفر منهم: يا
هذا ما ندري ما تقول! فيقول برير رضوان الله عليه: الحمد لله الذي زادني فيكم
بصيرة، اللهم إني أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم اللهم ألق بأسهم بينهم حتى يلقوك
وأنت عليهم غضبان(4). الموقف الثاني لبرير رضوان الله عليه مع يزيد بن معقل حيث
نادى بريراً: يا برير كيف ترى صنع الله بك ؟ فقال: صنع الله بي خيراً وصنع بك شرّاً
فقال يزيد: كذبت وقبل اليوم ما كنت كذّاباً، أتذكر يوم كنت أماشيك في (بني لوذان)
وأنت تقول: كان معاوية ضالاً وإن إمام الهدى علي بن أبي طالب؟ قال برير: بلى أشهد
أن هذا رأيي، فقال يزيد: وأنا أشهد أنك من الضالين! فدعاه برير إلى المباهلة، فرفعا
أيديهما إلى الله سبحانه يدعوانه أن يلعن الكاذب ويقتله، ثم تضاربا فضربه برير على
رأسه ضربة قدّت المغفر والدماغ فخرّ كأنما هوى من شاهق(5)...
إن دعوة برير رضوان
الله عليه إلى المباهلة تدل على مدى بصيرته ووضوح رؤيته... موقف ثالث يدل على بصيرة
برير نجده في نص يقول: هازل برير بن خضير عبد الرحمن الأنصاري فقال له عبد الرحمن:
ما هذه ساعة باطل، فقال برير: والله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شاباً ولا
كهلاً، ولكني لمستبشر بما نحن لاقون، والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل
علينا هؤلاء بأسيافهم ولوددت أنهم مالوا علينا الساعة(6).
3 - جون مولى أبي ذر الغفاري، ورد ذكره في بحار الانوار(7) وذكره الخوارزمي(8)
والطبري(9) باسم (حوي). من الموالى، أسود اللون، شيخ كبير السن.
4 - حبيب بن مظاهر الأسدي، عدناني من عرب الشمال، ذكرته جميع المصادر. من أصحاب
أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وكان من شرطة الخميس. جعله
الإمام الحسين عليه السلام على ميسرة أصحابه عند التعبئة للقتال. ولقد بذل محاولة
لاستقدام أنصار من بني أسد، ولكن الجيش الأموي حال دون وصولهم إلى معسكر الإمام
الحسين عليه السلام، كان شخصية بارزة في مجتمع الكوفة الأسدي، وهو أحد الزعماء
الكوفيين الذين كتبوا إلى الإمام الحسين عليه السلام وكان معظماً عنده حتى هدّه
مقتله وقال عليه السلام: "عند اللَّه احتسب نفسي وحماة أصحابي". لقد كان
حبيب بن مظاهر موالياً للنبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته محباً ومخلصاً لهم وكانت
تلك المشاعر والأفكار تظهر في كلماته كموقفه مثلاً عندما خاطب أهل الكوفة: أما
والله لبئس القوم عند الله غداً قوم يُقدمون عليه وقد قتلوا ذريّة نبيّه وعترته
وأهل بيته(10)...
وفي ليلة العاشر من المحرم جاء نافع إلى حبيب يخبره أنه سمع
السيدة زينب عليها السلام تقول لأخيها: "هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى
أن يسلموك عند الوثبة" فقال له حبيب: والله لولا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي
هذه الليلة، ثم اتفقا على أن يجمعا كل أنصار الإمام الحسين من غير الهاشميين
ليسيروا في تظاهرة كربلائية ويعلنوا للذرية الطاهرة البيعة التامة حتى الشهادة
ويطيبوا قلوب وخواطر حرم رسول الله، وكان حبيب هو الذي مثل الأنصار وتحدث باسمهم،
فوقف خارج الخيم وصاح:
"يا معشر حرائر رسول الله هذه صوارم فتيانكم، آلَوْا ألا
يُغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها
إلا في صدور من يفرِّق ناديكم". فخرجن النساء إليهم ببكاء وعويل... وقلن أيها
الطيبون حاموا عن بنات رسول الله وحرائر أمير المؤمنين فضج القوم بالبكاء حتى كأن
الأرض تميد بهم(11). لقد كان حبيب بن مظاهر ينتظر الشهادة بفارغ الصبر، ففي ليلة
العاشر، خرج حبيب بن مظاهر يضحك فقال له يزيد بن الحصين: ما هذه ساعة ضحك. قال
حبيب: وأي موضع أحق بالسرور من هذا، ما هو إلا أن يميل علينا هؤلاء الطغاة بسيوفهم
فنعانق الحور(12)...
5 - زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي: ذكره الشيخ الطوسي(13) وابن شهر اشوب(14) في
عداد قتلى الحملة الأولى، وهو مولى عمرو بن الحمق الخزاعي وكان شيخاً كبير السن من
شخصيات الكوفة.
6 - زهير بن القين البجلي، قحطاني، من عرب الجنوب، ذكر في جميع المصادر، وكان كبير
السن وشخصية بارزة في المجتمع الكوفي. انضم إلى الإمام الحسين عليه السلام في
الطريق من مكة إلى العراق بعد أن كان كارهاً للقائه، وخطب في جيش ابن زياد قبيل
المعركة، وجعله الإمام الحسين عليه السلام على ميمنة أصحابه. وكان زهير مصداقاً
للولاء الحقيقي والعملي لأهل البيت لا مجرد الادعاء الذي يسقط عند أول امتحان،
فعندما يقول له شخص اسمه عزرة: يا زهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما
كنت على غير رأيهم، قال زهير: أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم، أما والله ما كتبت
إليه كتاباً قط، ولا أرسلت إليه رسولاً، ولا وعدته نصرتي، ولكن الطريق جمع بيني
وبينه، فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وآله ومكانه منه وعرفت ما يقدم
عليه عدوّه، فرأيت أن أنصره وأن أكون من حزبه وأجعل نفسي دون نفسه لما ضيعتم من حق
رسوله(15). ولقد عبر زهير بن القين رضوان الله تعالى عليه عن حبه للنبي الأعظم صلى
الله عليه وآله وسلم ولأهل بيته عليهم السلام وارتجز في ذلك شعراً في ساعة لا يسع
فيها للمرء إلا أن يكون قلقاً مضطرباً وهو أمام أعداء سوف يقتلونه بين لحظة وأخرى.
فقد وضع يده على منكب الحسين وقال مستأذناً:
فاليوم ألقى جدّك النبيا |
أقدم هُديت هادياً مهديّاً |
وذا الجناحين الفتى الكَمِيَّا |
وحسناً والمرتضى علياً |
وأسد الله الشهيد الحيا(16) وبعد أن فرغ الإمام الحسين عليه السلام من خطبته التي
قال فيها: "أما بعد فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت
وأدبر معروفها، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل،
ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء
الله! فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً"(17). قام زهير
وقال: سمعنا يا ابن رسول الله مقالتك ولو كانت الدنيا باقية وكنا فيها مخلّدين
لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها.
7 - شوذب مولى شاكر بن عبد الله الهمداني الشاكري، ذكره الطبري والشيخ الطوسي
والخوارزمي، وكان شيخاً كبيراً من رجال الشيعة ووجوههم ومن أعظم الثوار إخلاصاً
وحماساً.
8 - مسلم بن عوسجة الأسدي، عدناني من عرب الشمال، كان شيخاً كبير السن، وشخصية كبرى
من بني أسد، وإحدى شخصيات الكوفة البارزة. ذكرته جميع المصادر، كان صحابياً ممن رأى
رسول الله صلى الله عليه وآله وروى عنه، كان يأخذ البيعة للإمام الحسين عليه السلام
في الكوفة وعقد له مسلم بن عقيل على ربع مذحج وأسد حين بدأ تحركه القصير الأجل، وهو
أول قتيل من أنصار الإمام الحسين عليه السلام، بعد قتلى الحملة الأولى، وأبدى شبث
بن ربعي وهو أحد قادة جيش عمر بن سعد أسفه لقتله، وقد مشى إليه الحسين عليه السلام
ومعه حبيب بن مظاهر، فقال له حبيب: لو لم أعلم أني في الأثر، لأحببت أن توصي إلي
بما أهمك، فقال مسلم: أوصيك بهذا، وأشار إلى الحسين، أن تموت دونه... قال: أفعل ورب
الكعبة، وفاضت روحه بينهما(18).
9 - عبد الله بن يقطر، حميري من عرب الجنوب، كانت أمه حاضنة للحسين، ذكره ابن حجر
في الاصابة وقال إنه كان صحابياً لأنه لدة الحسين. قبض عليه الحصين بن نمير وهو
يحمل رسالة من الإمام الحسين عليه السلام بعد خروجه من مكة إلى مسلم بن عقيل، فأمر
به عبيد الله بن زياد فألقي من فوق القصر فتكسرت عظامه وبقي فيه رمق فأجهز عليه عبد
الملك بن عمير اللخمي(19).
10 - هاني بن عروة المرادي، من مذحج، من عرب الجنوب، من زعماء اليمن الكبار في
الكوفة. أدرك النبي صلى الله عليه وآله، وكان من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام، وشارك في حروب الجمل وصفين والنهروان، وكان من أركان حركة حجر بن
عدي الكندي ضد زياد بن أبيه. اتخذ مسلم بن عقيل منزله مقراً له، وبعد قدوم عبيد
الله بن زياد إلى الكوفة والياً عليها انكشف أمر اشتراكه في الاعداد للثورة مع مسلم
بن عقيل، فقبض عليه ابن زياد، وسجنه. ثم قتله، وبعث برأسه مع رأس مسلم بن عقيل إلى
يزيد بن معاوية. استشهد في اليوم الثامن من ذي الحجة سنة 60 هجرية: وهو اليوم الذي
خرج فيه الحسين عليه السلام من مكة متوجها إلى العراق، وكان عمره يوم قتل تسعين
سنة.
(1) ج3 232
(2) ج 5 421 و 423
(3) المناقب: 4 100
(4) نفس المصدر، 233.
(5) نفس المصدر، 250.
(6) نفس المصدر، 216.
(7) بحار الانوار: 45 22 و 71
(8) مقتل الحسين: 1 237 و2 19
(9) الطبري: 5 420
(10) مقتل الحسين للمقرم، 211.
(11) نفس المصدر، 218 219 بتصرف.
(12) المصدر، 216.
(13) الرجال: 73
(14) المناقب: 4 113
(15) نفس المصدر، 211.
(16) نفس المصدر، 247 وانظر 214 و231.
(17) نفس المصدر، 194.
(18) نفس المصدر، 239.
(19) الطبري: 5 398