* الوحدة في فلسفة الحج:
ينبغي على جميع الإخوة والأخوات المسلمين والمسلمات الانتباه إلى أن إحدى مهمات
فلسفة الحج إيجاد التفاهم وتوثيق عرى الأخوة بين المسلمين، وينبغي على المفكرين
والمعممين طرح مسائلهم الأساسية، السياسية والاجتماعية مع الآخرين من إخوانهم،
وتقديم الاقتراحات من أجل رفعها وحلها ووضعها بتصرّف وتحت نظر العلماء وأصحاب الرأي
عند عودتهم إلى بلادهم. يجب أن نعلم أن إحدى الفلسفات الاجتماعية لهذا التجمّع
العظيم من جميع أنحاء العالم توثيق عرى الوحدة بين أتباع نبي الإسلام، أتباع القرآن
الكريم في مقابل طواغيت العالم، وإذا لا سمح الله أوجد بعض الحجّاج من خلال أعمالهم
خللاً في هذه الوحدة أدّت إلى التفرقة، فذلك سيوجب سخط رسول الله صلى الله عليه
وآله وعذاب الله القادر الجبار. أيّها الحجّاج المحترمون الموجودون في جوار بيت
الله ومحل رحمته، تعاطوا برفق ومروءة وأخوة إسلامية مع جميع عباد الله، واعتبروا
الجميع ودون النظر إلى اللون واللسان والمنطقة والمحيط منكم، وكونوا جميعاً يداً
قرآنية واحدة حتى تسيطروا على أعداء الإسلام والإنسانية.
* الحج مركز التعارف:
إن الحج هو أفضل مكان لتعارف الشعوب الإسلامية حيث يتعرّف المسلمون على إخوانهم
وأخواتهم في دين الإسلام من جميع أنحاء العالم، ويجتمعون في ذلك البيت المتعلّق
بجميع المجتمعات الإسلامية، وباتباع دين إبراهيم الحنيف وبعد أن يضعوا جانباً
المفردات والألوان والعرقية والقومية، يرجعون إلى أرضهم وبيتهم الأول.
* اتحدوا في رجم الشياطين:
وينبغي على الحجّاج لبيت الله الحرام المحترمين أي مذهب أو قومية انتموا أن يرضخوا
لأحكام القرآن الكريم، ويقفوا في مواجهة سيل الشياطين الذين يريدون اقتلاع الإسلام
الذي طهّر الشرق والغرب وعملاءهم الذين لا إرادة لهم، ويمدوا يد الأخوة الإسلامية
لبعضهم البعض وينتبهوا للآيات الكريمة التي تدعوهم إلى الاعتصام بحبل الله، وتنهاهم
عن الاختلاف والتفرقة، وينبغي الاستفادة أكثر عضوياً وسياسياً من هذه الفريضة
العبادية السياسية الإسلامية، في تلك الأمكنة الشريفة التي شيّدت بحق لأجل مصالح
الموحدين والمسلمين في العالم، والالتفات إلى سر التضحية والفداء الإبراهيمي
الإسماعيلي، حيث يجب الوقوف في سبيل الله إلى حد التضحية والفداء بأعز وأغلى ثمرة
وجوده والدفاع عن الأهداف الإلهية. يجب طرد الشياطين الكبيرة والصغيرة والوسطى
(أولى وسطة وعقبة) عن حرم الإسلام المقدس والكعبة والحرم، ويجب قطع أيادي الشياطين
عن الكعبة، وحرم الدول الإسلامية التي هي من حرمة الكعبة، ويجب تلبية دعوة الله
المتعال لبّيك اللهم لبّيك.
* اتحدوا لتعيداوا المجد:
ويجب عليكم الاتكال على الله العظيم في تلك المواقف العظيمة، وعقد معاهدة الوحدة
والاتفاق في مقابل جنود الشرك والشيطان، وأن ترتفعوا عن الفرقة والتنازع
﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾.
إن لون ورائحة الإيمان والإسلام اللذين هما أساس الانتصار، والقوة يجب أن يقضيا على
التنازع والتفرقة اللذين أساسهما الأهواء النفسانية ومخالفة أحكام الحق تعالى.
ولنصل إلى النصر من خلال الاجتماع على الحق، وتوحيد الكلمة وكلمة التوحيد التي هي
أساس ومنبع عظمة الأمة الإسلامية. يا مسلمي العالم، ماذا جرى لكم؟ في صدر الإسلام
على قلّتكم هزمتم القوى العظمى، وحقّقتم وجود الأمّة الإسلامية الإنسانية الكبرى،
وأنتم اليوم تعدّون ما يقارب المليار نسمة وتملكون الثروات الكبيرة التي تعتبر رأس
الحربة وتعانون إلى هذا الحد من الضعف والانسحاق في مقابل الأعداء؟ هل تعلمون أن كل
المصائب التي تعانون منها هي نتيجة التفرق والاختلاف بين رؤساء بلدانكم وبالتالي
فيما بينكم؟ انهضوا من أماكنكم واحملوا القرآن الكريم واستلهموا أوامر الله تعالى
حتى تعيدوا مجدكم وعظمة الإسلام العزيز. تعالوا واستمعوا إلى موعظة واحدة من الله
حيث يقول:
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى
وَفُرَادَى ...﴾.
انهضوا جميعاً وقوموا لله قوموا فرادى على جنود وشياطين أنفسكم الباطنية وقوموا
جماعات على القوى الشيطانية، إذا كانت الثورة والنهضة إلهية ولأجل الله فهي منتصرة.
أيها المسلمون ويا مستضعفي العالم، مدوا أياديكم لبعضكم البعض وسيروا في سبيل الله،
والجأوا إلى الإسلام وثوروا على المستكبرين الظالمين والمعتدين على حقوق الشعوب
حجّاج بيت الله الحرام، اتّحدوا في المواقف والمشاعر الإلهية واطلبوا من الله العلي
القدير أن ينصر الإسلام والمسلمين ومستضعفي العالم.
* الوحدة هي الحلّ:
أيها الحجّاج المحترمون لقد اجتمع العالم حول بعضه البعض، ويتبادل الآراء في مصالح
الإسلام ومشاكل المسلمين، فيجب أن تتخذوا إجراءات ضرورية لحل هذه المشاكل والوصول
إلى الأهداف الإسلامية المقدّسة وابحثوا في طرق وسبل الوحدة بين جميع الطوائف
والمذاهب الإسلامية، وابحثوا في المسائل السياسية المشتركة بين جميع الطوائف
الإسلامية وابحثوا لإيجاد حل للمشاكل التي أوجدها أعداء الإسلام لمسلمي العالم
والتي يعتبر أهمها تفرقة صفوف المسلمين. اليوم ما هو الحل؟ ولأجل تحطيم هذه الأصنام
ما هو تكليف المسلمين والمستضعفين في العالم؟ طريق واحد هو أساس لكل السبل ويقتلع
جذور هذه المآسي ويقطع دابر الفساد ويعيد وحدة المسلمين بل وحدة جميع المستضعفين
وكل المستضعفين والمكبلين بالسلاسل في العالم. هذه الوحدة التي يؤكدها ويكررها
الإسلام الشريف والقرآن الكريم، ويجب تحقيقها في الواقع من خلال الدعوة والتبليغ
بها بشكل واسع، ومركز هذه الدعوة مكة المعظمة عندما يجتمع المسلمون لأداء فريضة
الحج والتي بدأها إبراهيم خليل الله ومحمد حبيب الله ويكملها في آخر الزمان حضرة
بقية الله أرواحنا لمقدمه الفدا، يخاطب الله إبراهيم خليل الله ليدعو الناس إلى
الحج، ويأتوا من جميع الأقطار ليشهدوا منافع لهم ومنافع للمجتمع، منافع سياسية،
ومنافع اقتصادية، ومنافع اجتماعية وثقافية.
ليأتوا ويروا نبيهم الذي قدم أغلى وأعزّ
ثمرة في حياته في سبيل الله. ويجب على ذريّة آدم كلها أن تتأسى بك فلينظروا كيف
حطّمت الأصنام، وكيف أبعدت ورميت جانباً كل ما عدا الله. شمساً كان أم قمراً،
هياكل، حيوانات أو بشراً وقلت في كنه الحقيقة:
﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا
وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
ويجب على الجميع التأسي بأبي التوحيد، وأبي الأنبياء عظماء الشأن ونقرأ في سورة
التوبة، الأمر الذي قرأه في مكة على مسمع الناس عامة، فقرأ:
﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ
الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾.
* شكِّلوا جبهة للمستضعفين:
ومن جملة الوظائف في هذا الاجتماع العظيم، دعوة الناس والمجتمعات الإسلامية لوحدة
الكلمة ورفع الاختلافات بين فئات المسلمين حيث ينبغي على الخطباء والعلماء
والمفكرين أن يبادروا إلى هذا الأمر الحياتي ويسعوا في سبيل إيجاد وتشكيل جبهة
للمستضعفين حيث إنهم يستطيعون بوحدة الجبهة، ووحدة الكلمة، وشعار لا إله إلا الله
أن يتحرّروا من أسر القوى الشيطانية للأجانب والمستعمرين والمستثمرين، ويتغلبوا على
المشاكل بوحدتهم وأخوّتهم.
* سرُّ الانتصار وسبب الهزيمة:
يا مسلمي العالم، آه يا أتباع عقيدة التوحيد، إن سرّ كل هذه المصاعب والمتاعب في
الدول الإسلامية، هو اختلاف الكلمة وعدم التنسيق. وإن سرّ الانتصار هو وحدة الكلمة
ووجود التعاون والتنسيق حيث بيّن الله ذلك في جملة واحدة:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾.
* واجهوا المثقفين المأجورين:
يا مسلمي العالم الذين آمنتم بحقيقة الإسلام، انهضوا واتّحدوا تحت راية التوحيد،
وفي ظل تعاليم الإسلام، وكفّوا أيادي القوى العظمى الخائنة عن بلادكم وثرواتها
العظيمة، وأعيدوا مجد الإسلام، واحترزوا من الخلافات والأهواء النفسانية لأنكم
تملكون كل شيء، اعتمدوا على حضارة الإسلام، وحاربوا الغرب والمتغرّبين، وقفوا على
أقدامكم، وناهضوا المثقفين المتغرّبين والمستشرقين. اليوم هو زمن ينبغي على الشعوب
أن تنير درب مثقفيها ومفكريها لإنقاذهم من حالة الانسحاق والضعف أمام الشرق والغرب،
اليوم هو يوم حركة الشعوب التي كانت وما زالت تعتبر حتى اليوم قبلة للهداة. اعلموا
أن قدرتكم المعنوية مسيطرة على جميع القوى الأخرى. وأنتم تشكلون نحو المليار نسمة
مع ما عندكم من ثروات لا تنضب، تستطيعون القضاء على كل القوى. انصروا الله ينصركم،
أيها المحيط الإسلامي الكبير المارد، انهض وحطّم أعداء الإنسانية، وإذا ما سلكتم
طريق الله والتزمتم تعاليم السماء فإن الله وجنوده معكم.