أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

دروس في الأخلاق السياسية: عدم الاحتجاب


الشيخ محمد شقير


دروس في الأخلاق ترمي إلى الارتقاء بمستوى الواقع السياسي لقناعتنا أن القيم الأخلاقيَّة والدينيَّة هي السبيل لإصلاح الواقع السياسي، كما أنَّها تُسهم في رفد واقعنا العملي بمجموعة من المواعظ المعنويَّة والعِبَر الأخلاقيَّة التي نراها حاجة ملحّة لكلّ العاملين في سبيل الله تعالى ولأي عملٍ يهدف إلى تحمّل الأمانة الإلهيَّة وخدمة المجتمع والإنسان.

إن من يدرك الهدف من تصديه لشؤون البلاد والعباد ويرى في ذلك وسيلة لإحقاق الحق ورفع الظلم والإصلاح في الأرض فإن أعظم شهادة يقدمها على نيته هي عمله، لأن العمل هو الذي يجلّي النفس ويظهر ما في القلب ويبوح بما في مضمرات الفؤاد. إن إمرءاً في تصديه لشأن سياسي أو عمل إداري امتثالاً لأمر الدين وخدمة لعباد الله المستضعفين لا بد ألاَّ يكون محتجباً عنهم، فلا يقفل أمامهم الأبواب ولا يحول بينه وبينهم توالي الحجاب. فمن كان هذا شأنه يجب أن يبذل نفسه للمستضعفين ولا يبخل بجهده لعباد الله المؤمنين، فإذا طلب منهم طالب رجاء منفعة أو قضاء حاجة فلا يتثاقل عن قضائها ولا يتواكل في إنفاذها ولا يمنعهم من الوصول إليه باب موصد. إن ذوي الحاجة من المستضعفين عندما يقصدون والياً أو يأملون قادراً إنما يكفيهم ذل السؤال وماء الوجوه فلا يثقل عليهم بالاحتجاب، لأنه يؤذي نفوسهم ويجرح شعورهم،. إن أدنى ما يقوله المحتجب باحتجابه انه لم يرد الله وانه أسير لهواه فمن أراد الخلق الإلهي والوصف الرباني ينأى بنفسه عن الاحتجاب ويمتثل فعل رب الأرباب الذي وصفه الطاهرون بقولهم عليهم السلام والرضوان: "وانك لا تحتجب عن خلقك...".

إن الله تعالى لا يحتجب عن خلقه إذ لهم عند ربهم حاجات وتسوقهم إليه الآمال وفي هذا لطف بهم وهداية لهم فكيف نتصدى لشؤون الناس ونحتجب عنهم ولا نأبه بهم؟ لا ريب أن من يسعى لحمل أعباء الخلافة خلافة الله تعالى على الأرض كما قال عز وجل: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فإن المستخلَف سيسعى ليمتثل فعل المستخلِف وخلقه وليؤدي ما يرتضي صنعه وعمله، فإذا كان المستخلِف لا يحتجب عن خلقه وهم إن ساقوا إليه آمالهم وجدوه وإن نظروا إليه بعين الرجاء رأوه فكيف يحتجب المستخلَف عمن كانت خلافته من اجلهم. إن الله تعالى "بابه مفتوح للراغبين" فمن يرغب في لقاء الله تعالى لا يجد بابه موصداً ولا حجابه مسدلاً، بل هو تعالى يرغب عباده في لقائه ويدفع خلقه إلى رؤيته بعين القلب.

إن من يغلق بابه إمام خلق الله كأنه لم يعرف خُلُق مولاه، ومن لا يرغب في لقاء العباد لم تبلغ نفسه سامي الجهاد، ومن لم يرد أن يسمع من الناس شكايتهم كيف يأمل بعدها هدايتهم؟ وقد تسول له نفسه انه إنما يفعل ذلك لأنه لا يسمح له عمله أو لا يسنح له ظرفه أن يبذل من وقته وقتاً ومن جهده جهداً، وهذا في أغلبه من تسويل النفس الأمارة بالسوء التي إنما تفعل ذلك رغبة بالتكبر وطلباً للتعزز وهي لا تدري أنها بذلك يمقتها الله ويزدريها خلقه. إن من تجليات التواضع أن يبذل الوجه للناس ويعطي لهم طيب الكلام، ومن خير الأدب أن تنهى النفس الأمارة بالسوء التي إن طُلبت ترفعت وإن سُئلت منعت وإن قُصدت احتجبت لشح فيها وبخل يعتريها. كم من امرى‏ء طلب الاحتجاب ظناً منه أنه بذلك إثبات لنفسه وإعلاء لشأنه، فكان حصاده أن بغّض نفسه للناس واستجاب لهوى الخناس ولم ينل من الله قرباً بل ازداد عنه بعداً وبعداً. وقد يعتذر البعض بالضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، ولا تعطى أكثر من وزنها وهي إن صدقت يرد الطالب رداً ليّناً ويحكيه الحاجب كلاماً هيناً، فلا يؤذي له كرامة ولا يخدش له مكانة.

لكن اعلم أيها العزيز أن السائل رسول الله إليك(*)، أي أن الله تعالى قد جعل قضاء حوائج المستضعفين لدى عباده القادرين، وقدر حصول رغائب عياله لدى عباده من أصحاب القدرة والدين، وساق خلقه إلى هؤلاء من عباده، فكأن الله تعالى أرسلهم واليك أوفدهم، فهم إذا ما طرقوا لك باباً، أو رفعوا لك كتاباً فإنما هم رسل الله تعالى إليك ووفوده لديك.  أيها الحبيب إنما أنت في عملك ذاك مستأمن، وأداء أمانتك أن تبذل جهدك وتناصب بدنك في أن تعطي للناس من حسن خلقك وطلاقة وجهك وطيب كلامك، يشير الإمام علي عليه السلام إلى بعض من سيئات الإحتجاب فيقول مخاطباً مالكاً الأشتر "والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير"(1).

أي أن الاحتجاب عنهم سوف يحرمهم المعرفة بخلق الوالي وسجاياه وفضائله ومناقبه مما يؤدي - فيما لو كان صالحاً - الى خفاء قدره عنهم. وفي جوهرة أخرى من جواهر علي عليه السلام يقول مخاطباً بعض عماله: "ولا تحجبن ذا حاجة عن لقائك بها"(2). إذ أن صاحب الحاجة أعمى وإن حجبته عنك وأبعدته منك سوف تحرم من بركات إجابته وتنالك سيئات حجابه. وفيما لو قضت الضرورة أن يُحتَجب لبعض من الوقت فينبغي ألا يطول احتجابه ولا يمتد غيابه يقول عليه السلام: "فلا تطولن احتجابك عن رعيتك فإن احتجاب الولاة من الرعية شعبة من الضيق"(3). فإنه يعني فيما يعنيه ضيق الولاة من الرعية وهو يؤدي حكماً إلى ضيق الرعية بالولاة. وفي كلام جميل له عليه السلام وكل كلامه جميل يقول: "لا يكن لك إلى الناس سفيرٌ إلا لسانك ولا حاجبٌ إلا وجهك"(4).

أيها الحبيب إن علياً عليه السلام يوصيك ألا تكثر الوسائط بينك وبين عباد الله فيوهمك الشيطان إن هذا إعلاء لشأنك فتتكبر على بني جنسك، فليكن سفيرك إليهم لسانك أي خاطبهم مباشرة دون استعانة بكتاب أو من وراء حجاب أو بوسائط من الحجّاب. وابذل لهم وجهك وانسهم برؤيتك لأنك بذلك قد أطعت الله ونلت رضاه واقتديت بمحمد خاتم النبيين صلوات الله عليهم أجمعين وذريته من الأئمة الطاهرين عليهم السلام أجمعين ألهمنا الله تعالى الهدى وجنبنا الضلال والردى


(*) كما ورد في الحديث الشريف.
(1) المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة، ص‏412.
(2) م ن، ص‏413،
(3) م ن.
(4) 2 ن

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع