الشيخ محمد توفيق المقداد
تكلمنا في العدد الماضي عن آداب المعلِّم وكيف ينبغي أن يتعامل مع المتعلِّمين لديه
من منظور إسلامي، وفي هذا العدد سنتحدث عن "المتعلِّم" وهو الإنسان الذي يطلب العلم
من أهله ليتحول من جاهل بالشيء إلى عالم به، و"آداب المتعلِّم" هي عبارة عن الأسس
والضوابط الأدبية والأخلاقية والشرعية التي ينبغي أن يتعامل بها المتعلِّم مع من
يتلقى العلم عنهم لكي يستطيع تحصيل العلم بأفضل الوسائل وأكثرها نجاحاً وتحصيلاً
للمطلوب.
ولا بد أولاً من الرجوع إلى المصادر الشرعية لنرى النصوص
التي تؤكد على ضرورة التعليم وتحصيل العلم، ونبدأ بالقران الكريم أولاً:
1-
﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾
المجادلة/11.
2-
﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ
أَحْسَنَهُ﴾
الزمر/17-18.
3 -
﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا
عُلِّمْتَ رُشْدًا...﴾
الكهف/67.
وورد في السنَّة الشريفة الكثير مما يؤكد على ضرورة
التعليم، ومن النصوص الواضحة الدلالة على ذلك نختار ما يلي منها:
1- "اطلبوا العلم فإنه السبب بينكم وبين الله عزَّ وجلَّ" رسول الله صلى
الله عليه وآله.
2- "كان فيما وعظ لقمان ابنه، أنه قال له: يا بني اجعل في أيامك ولياليك وساعاتك
نصيباً لك في طلب العلم، فإنك لن تجد له تضييعاً مثل تركه" الإمام الصادق عليه
السلام.
3- "لو علم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج" الإمام
الصادق عليه السلام.
وأما الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم فنورد
منها ما يلي:
أولاً: التوقير والاحترام:
ولا شك أن العالم الحامل للعلم والذي يريد تعليمه للناس يفرض على المتعلِّمين
الآخذين عنه توقيره واحترامه ورفع شأنه لأنه يعطيهم من نفسه وروحه، ويبذل لهم عصارة
ما تعلَّمه في حياته حتى صار أهلاً للتعليم، ومن هنا فإن احترامه هو احترام للعلم
الذي يحمله كما أنه احترام لشخصه لأن المفروض أنه قد أدَّب نفسه وهذَّبها بالعلم
الذي تعلَّمه فصار أهلاً للتقدير والتعظيم، وقد ورد في الروايات الكثير مما يشير
إلى احترام المعلم وتقديره كما في النصوص التالية:
1- "حق سائسك بالعلم: التعظيم له، والتوقير لمجلسه..." الإمام زين العابدين
عليه السلام.
2- "إن من حق العالم عليك أن تسلِّم على القوم عامة، وتخصه دونهم بالتحية، وأن
تجلس أمامه، ولا تشيرنَّ عنده بيدك، ولا تغمزنَّ بعينك، ولا تقولنَّ: قال فلان
خلافاً لقوله" أمير المؤمنين عليه السلام.
3- "من وقَّر عالماً، فقد وقَّر ربه" أمير المؤمنين عليه السلام.
ثانياً: الاستماع بشكل حسن:
لأن الاستماع الجيد من المتعلِّم والملتفت باهتمام إلى ما يلقيه عليه معلِّمه يجعل
العلم قابلاً للحفظ والبقاء، بل إن حسن الاستماع هو من ضرورات تحصيل العلم، لأن
المتعلِّم بدون ذلك سيكون من الذين يقضون الوقت حال التعلُّم لاهينَ غافلين ولن
يستفيدوا من العلم شيئاً لأنهم أضاعوه بِلَغْوِهم وعدم استماعهم أو عدم اهتمامهم
بما يلقيه المعلم عليهم، وصفة الغفلة عن الاستماع ليست من شيم الناس الذين يسعون
إلى تحصيل العلم النافع والمفيد، بل هي من صفات اللاعبين المشتهرين الذين لا
يحترمون العلم ولا يحترمون أنفسهم أيضاً ولا من يعلمهم كذلك، وهم بالتالي الذين
يخسرون، بينما من يحسن الاستماع والإنصات ولا يضيِّع الفرصة على نفسه فهو الذي يحقق
الفوائد المرجوَّة من العلم الذي يتلقاه، وقد ورد العديد من النصوص التي تؤكد على
ضرورة أن يكون المتعلِّم حَسَن الاستماع إلى من يعلِّمه، ومنها ما يلي:
1- "... وحُسْنُ الاستماع إليه، والإقبال عليه.." الإمام زين العابدين عليه
السلام.
2- "إدا جلست إلى عالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلَّم حسن
الاستماع كما تتعلم حُسْنَ القول، ولا تقطع على أحد حديثه" الإمام الباقر عليه
السلام.
ومن مفردات حُسن الاستماع أن لا يقطع المتعلِّم على معلمه حديثه الذي يلقيه على
طلابه حتى ينتهي المعلِّم، فإذا كان لدى المتعلِّم ما يسأل أن يستفسر عنه فعليه
الصبر حتى يفرغ المعلِّم من المطلب أو الدرس الذي يعطيه ثم يسأل ما يريد للاستيضاح
والمعرفة، وذلك لأن قطع كلام المعلِّم أثناء بيان المطالب العلميَّة قد يؤدي إلى
التشتيت والى ضياع الفوائد على المتعلِّمين الذين يكونون في حال الإنصات والاستماع،
كما أن تكرار المقاطعة يعطِّل الفوائد من الدروس، لأنه يؤدي إلى حالة من الخلل وعدم
التركيز عند كلٍ من المعلِّم والمتعلِّم على حد سواء، وقد ورد في العديد من النصوص
المنع عن المقاطعة كما في الحديث رقم "2" الذي ذكرناه.
ثالثاً: تفرُّغ المتعلِّم للعلم:
لأن العلم كما نعرف إذا أعطيناه كل شيء أعطانا بعضاً من منافعه، فكيف إذا أعطيناه
البعض القليل من وقتنا، فإن العلم عندئذٍ لن ينفعنا بشيء، لأن ما سوف نحصل عليه لن
يكون كافياً ليعيننا في أمور ديننا ودنيانا، ولذا من الآداب المهمة للمتعلِّم أن
يتفرغ للعلم وللنهل من معينه ولا يبدد أوقاته في القضايا الهامشية التي لا قيمة لها
في مقابلة العلم، لأن أي وقت يضيع سوف يكون على حساب العلم وتحصيله واكتسابه، ولذا
قيل في المَثَل: "من طلب العلى سهر الليالي"، وهذا ما تؤكده نظرة سريعة في سيرة
العلماء العظماء سواء من علماء الدين أو أي علم آخر فإن ما وصل إليه هؤلاء لم يكن
مجرد صدفة، بل لأنهم اهتموا بالعلم ومنحوه أكبر جزء من وقتهم وحياتهم وجهدهم حتى
وصلوا إلى أن صاروا أعلاماً ونجوماً في العلوم التي برعوا بها، وقد وردت الأحاديث
الكثيرة التي تؤكد على ضرورة التفرغ للعلم وعدم الانتقال معه بما يعطّل الاستفادة
منه، ومنها:
1- في صفة العاقل الكامل "لا يسأم من طلب العلم طول عمره" رسول الله صلى
الله عليه وآله.
2- "على المتعلِّم أن يدأب نفسه في طلب العلم، ولا يمل من تعلُّمه، ولا يستكثر
ما علم" أمير المؤمنين عليه السلام.
3- من وصايا الخضر لموسى عليه السلام يا موسى "تفرَّغ للعلم إن كنت تريده، فإن
العلم لمن تفرَّغ" رسول الله صلى الله عليه وآله.
رابعاً: الصبر على التعلُّم:
الإنسان الذي يتعلم ليصل إلى مبتغاه وهدفه عليه أن يكون صبوراً ومتأنياً في طلب
العلم، وأن لا يكون عجولاً، لأن العلم يحتاج إلى الكثير من الجهد والتعب والعناء،
وليس من الأمور السهلة التي يمكن تحصيلها بالسرعة التي قد يتوهمها البعض، ولذا على
كل من طلب العلم أن يتحمل المعاناة لتحصيل العلم، لأنه بدون ذلك لن يستطيع
الاستمرار، والعجلة هنا غير مفيدة لأنها لا تؤدي إلى تركيز العلم وتجذُّره في القلب
والعقل، ولأنه سيكون من قبيل الشجرة المزروعة في الأرض غير المناسبة التي سرعان ما
تقتلعها الرياح إذا هبَّت عليها وعصفت بها، ولذا يقول أمير المؤمنين عليه السلام في
إحدى خطبه: "ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع في غير أرضه". وقد ورد
العديد من الأحاديث الدالَّة على ضرورة الصبر على التعلُّم وعدم الاستعجال، ومنها:
1- "من لم يصبر على ذل التعلُّم ساعة، بقي في ذل الجهل أبداً" رسول الله صلى
الله عليه وآله.
2- "لا يستحينَّ أحد إذا لم يعلم الشيء أن يتعلَّمه" أمير المؤمنين عليه
السلام.
3- "لن يحرز العلم إلاَّ من يطيل درسه" أمير المؤمنين عليه السلام.
ومن مفردات الصبر على العلم أن لا يتكبر المتعلِّم على أي معلم يأخذ العلم منه، لأن
المتعلِّم هو كالصياد الباحث عن الطريدة، يبحث عنها في كل مكان حيث يجدها، ولذا نجد
في سيرة العلماء الكبار أنهم كانوا يجوبون البلاد ويتنقلون بينها، وأحياناً كانوا
يأخذون العلم الذي لا يعرفونه من علماء أدنى منهم مرتبة وشأناً ومقاماً لأنهم وجدوا
العلم الذي يريدونه عندهم فلم يتكبروا عليهم أو يتعالوا، بل تعاملوا معهم معاملة
التلميذ مع أستاذه عبر علاقة الاحترام والتقدير كما أمر الإسلام وكما هي صفات
المتعلِّمين الحقيقيين، ولذا ورد في الأحاديث ما يؤكد على ذلك، ومنها ما يلي:
1- "لا تنظر إلى من قال، وانظر إلى ما قال" الرسول الأعظم صلى الله عليه
وآله.
2- "خذ الحكمة ممن أتاك بها، وانظر إلى ما قال، ولا تنظر إلى من قال" أمير
المؤمنين عليه السلام.
3- قال المسيح عليه السلام: معشر الحواريين: "لَم يضركم من نتن القطران إذا
أصابتكم سراجه، خذوا العلم ممن عنده ولا تنظروا إلى عمله" الإمام الباقر عليه
السلام.
وأما النتائج المترتبة على العلم سواء عند المعلِّم أو
المتعلِّم فهي التالية:
1- رفع قيمة الإنسان: "أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً، وأقل الناس قيمة أقلهم
علماً" رسول الله صلى الله عليه وآله.
2- الاقتراب من درجة النبيين: "أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد.."
رسول الله صلى الله عليه وآله.
3- أخذ إرث الأنبياء عليهم السلام : "إن العلماء ورثة الأنبياء عليهم السلام،
وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا أحاديث من أحاديثهم،
فمن أخذ شيئاً منها فقد أخذ حظاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمَّن تأخذونه"
الإمام الصادق عليه السلام.
4- مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء: "إذا كان يوم القيامة جمع الله عزَّ
وجلَّ الناس في صعيد واحد، ووُضِعَت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء
فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء" الإمام الصادق عليه السلام.
5- العلم حياة الإنسان ولو بعد الموت: "مات خُزَّان المال وهم أحياء، والعلماء
باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة" أمير المؤمنين
عليه السلام.
6- العالم أفضل من العابد: "فضل العلم أحب إلى الله من فضل العبادة" و"العلم
أفضل من العبادة" و"من خرج يطلب باباً من علم ليرد به باطلاً إلى حق أو
ضلالة إلى هدى كان عمله ذلك كعبادة متعبد أربعين عاماً" النبي صلى الله عليه
وآله. هذه طبعاً بعض النتائج المترتبة على العلم وليست كلها، لأن البحث عنها جميعاً
يحتاج إلى المزيد من البحث والتبويب، واقتصرنا على بعض أهم فوائد العلم النافع
المراد به الاستفادة منه في الدنيا، والوصول من خلاله إلى الآخرة.
* تذنيب مفيد ومهم:
وكما قلنا في العدد الماضي فالعلم ليس مقتصراً على علوم الآخرة بل يشمل علوم الدنيا
أيضاً عندما يتعلمها الإنسان لله تقرباً إليه وطاعة له، لأن العلوم كلها من عند
الله وهو الذي علَّم الإنسان كما قال سبحانه ما لم يكن يعلم، لأن الإنسان يولد وليس
عنده إلاَّ الاستعداد الفطري ثم العقلي لتلقي العلوم واستيعابها وفهمها ثم
الاستفادة منها لما هو نافع له ولمجتمعه وأمته في الدنيا، ولما هو منقذ لهم في
الآخرة أيضاً، ولذا ورد في الأحاديث الكثيرة "العلم أكثر من أن يُحصى" كما عن رسول
الله صلى الله عليه وآله، أو "العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنحو
للسان، والنجوم لمعرفة الزمان" كما عن أمير المؤمنين عليه السلام، أو "العلم
علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان" وهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
وللاستيناس أكثر بهذه النقطة المهمة لا بأس بذكر بعض
الاستفتاءات الموجَّهة إلى آية الله العظمى الإمام الخامنئي دام ظله مع أجوبتها،
ومنها ما يلي:
س234: ما هو الطريق الصحيح الذي ينبغي للأخصائيين الملتزمين اتخاذه حول تعليم
الآخرين في الجمهورية الإسلامية؟ ومن هم الذين يستحقون الحصول على المعلومات
والعلوم التقنية الحسَّاسة في الدوائر؟
الجواب: لا مانع من تعلُّم أي شخص لأي علم إذا كان لغرض عقلائي مشروع ولم يكن له
فيه خوف الفساد ولا الإفساد، إلاَّ إذا كانت الدولة الإسلامية قد وضعت ضوابط
ومقررات خاصة حول ما يجب تعليمه وتعلُّمه من العلوم والمعلومات.
س241: أي التخصصات العلمية أصلح للإسلام والمسلمين هذه الأيام؟
الجواب: كل التخصصات المفيدة والتي يحتاجها المسلمون مما ينبغي أن يهتم بها العلماء
والأساتذة والطلاب الجامعيون ليستغنوا بذلك عن الأجانب، لا سيما عن المعادين
للإسلام والمسلمين.
س244: طالب جامعي يدرس منذ أربعة سنوات في كلية الطب، ولديه رغبة شديدة في
دراسة العلوم الدينية، فهل يجب عليه الاستمرار في دراسة الطب أو يجوز له الانصراف
إلى دراسة العلوم الدينية؟
الجواب: للطالب الحرية في اختيار الفرع الدراسي، ولكن هناك مسألة ينبغي الالتفات
إليها، وهي أن دراسة العلوم الدينية إذا كانت ذات أهمية من أجل ما يتوقع منها من
القدرة على تقديم الخدمة للمجتمع الإسلامي، فدراسة الطب بهدف التأهيل لتقديم
الخدمات الصحية للأمة الإسلامية وعلاج المرضى وإنقاذ أرواحهم لها أهمية كبرى أيضاً.