تحقيق: محمد ناصر الدين/ إيفا علوية ناصر الدين
لأجل أن ندرك دور أهل البيت عليهم السلام في الحياة الإسلامية والإنسانية والعامل المشترك الذي يوحّد بين مجهوداتهم في العمل الإسلامي يجب أن ننصبّ على تبيان عدة قضايا رئيسية بخط أهل البيت عليهم السلام في العمل من أجل الإسلام، وهذا الخط إلى جانب أنه ضرورة تاريخية تفرضه كامتداد طبيعي للرسالة لا بد منه لحماية الإسلام والأمة، يظل خطاً تشريعياً ذا أبعاد طرحته الشريعة الإسلامية، ويفرض خط أهل البيت عليهم السلام في الحياة الإسلامية حتميته من خلال الضرورات التاريخية والشرعية ليكون محققاً للرسالة في الجانب النظري والعملي على حدٍ سواء، وهم القادة على امتداد التاريخ حيث اتسمت شخصياتهم بالصلابة وعلو الهمة والرّفعة والعمل فتحولوا إلى قدوة في جميع ميادين الحياة والعمل، وفسَّر ذلك جميع مواقفهم الرسالية التي وقفوها عليهم السلام فتحولت أساليبهم عبر حياتهم العملية إلى سلسلة من الانتصارات في النهج والخط. ومن هنا كانت الانطلاقة لإجراء تحقيق يتناول عرض منهج أهل البيت عليهم السلام في العمل الإسلامي على الصعيد السياسي والاجتماعي والتبليغي والتربوي والأساليب التي اعتمدوها عليهم السلام منهجاً، وسبل تطبيقها على ساحتنا الإسلامية اليوم.
منهج أهل البيت عليهم السلام في العمل السياسي وتطبيقه على الساحة الإسلامية اليوم كان محور السؤالين الَّلذين توجَّهنا بهما إلى النائب الحاج محمد رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النيابية:
* ما هو المنهج الذي اتبعه أهل البيت عليهم السلام في العمل السياسي؟
إن المتتبع لمواقف أهل بيت رسول الله محمد صلى الله عليه بدءاً من أمير المؤمنين عليه السلام وصولاً إلى زمن الغيبة الصغرى للإمام الحجة محمد بن الحسن رحمه الله وما يؤديه هذا الإمام من دور زمن الغيبة الكبرى، يستنتج بكل وضوح أن المنهج الذي حكم أدوارهم ومهمتهم الرسالية الكبرى هو منهج التمكين والتقويم للرسالة على مستوى تثبيت وتصويب النص كما على مستوى تصحيح وترشيد الأداء والتطبيق، مع ما يتضمن ذلك من تنقية المفاهيم وإسقاط المزيّف منها، ومن استخدام مختلف أساليب التصحيح والترشيد بدءاً من الإنكار بالقلب وصولاً إلى التغيير بالسيف. إلاَّ أن العوامل التي كانت تحكم اختيار الأسلوب في كل مرحلة من مراحل الوجود المقدس للأئمة، هي عوامل متداخلة يقدّر فيها الإمام حجم الخطر ونوعيته، وإمكانات الظالمين ومدى حضورهم في ذهن الأمة ونوعية حضورهم، وإمكانية التصحيح وحدوده وارتباطه بشخص الإمام أو بتياره، ومدى التأسيس الذي تنجزه هذه الخطوة التغييرية أو تلك. وكل ذلك وغيره يحدد الإمام في ضوئه تكليفه الشرعي الذي يقوم به الإمام وجماعة المؤمنين قربة إلى الله سبحانه وليس من أجل سلطة أو ثروة أو جاه أو حُسنِ سمعة.
* كيف يتم تطبيق منهج أهل البيت عليهم السلام في العمل السياسة على الساحة الإسلامية اليوم؟
في الساحة الإسلامية التي يوجهها الموالون لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، كما هي الحال في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي لبنان تحديداً، يلتزم الإسلاميون في عملهم السياسي المنهجية التي وردت في جواب السؤال الأول، وفي كل الظروف والمراحل، فإن الموقف الذي يستند إليه الإمام المعصوم أو نائبه بالحق المرجع القائد ولي أمر المسلمين الفقيه الإمام السيد علي الخامنئي حفظه الله ورعاه، إنما يرتكز إلى جملة حيثيات خاصة:
أ- تصفية النفس وتهذيبها وكبح أنانيتها ولجم أهوائها.
ب- قصد القربة إلى الله والتخفف من كل هدف أو غاية شخصية ظاهرة أو باطنة.
ج- تقييم موضوعي للواقع ومدى مفارقته للحكم الشرعي.
د- معرفة الظروف والحيثيات التي تحيط بالحدث.
هـ- تقدير المصلحة عند تشخيص الأسلوب الأنفع في تقويم أو تصحيح أو تغيير الواقع القائم.
و- مراعاة المعطيات الواقعية ومدى التأثير الذي تتركه على أدوات التغيير وأسلوبه.
ز- حسن اختيار الرجال الذين تناط بهم مهمة التقويم لما في ذلك من انعكاس طبيعي على العمل.
الدكتور بلال نعيم المسؤول التربوي المركزي في حزب الله تناول الجانب التربوي في منهج أهل البيت عليهم السلام وكيفية تطبيقه في العمل التربوي اليوم:
* ما هو المنهج الذي اتبعه أهل البيت عليهم السلام في العمل التربوي؟
لقد أسس أئمة أهل البيت عليهم السلام منهجاً تربوياً متكاملاً فيما يخص تربية الأجيال، وذلك من الناحيتين: التربوية والتعليمية، فعلى الصعيد التربوي كان هناك اهتمام بالأمور العبادية التي يجب أن يتم تعويد الولد بشكلٍ تدريجي عليها من الوضوء إلى الصلاة إلى الصيام مع مراعاة المستوى العمري للطفل وإمكاناته الذهنية والنفسية حيث المنهج ينقسم إلى مراحل ثلاثة: التعويد أولاً، المطالبة ثانياً، المحاسبة ثالثاً، وذلك بحسب المستويات العمرية، هذا فضلاً عن أن الأئمة عليهم السلام اهتموا بالشأن التربوي والخلقي والسلوكي المرتبط بالعامل الوراثي من خلال جملة من النصائح والتوصيات والسنن التي أكدوا عليها في اختيار الشريك وفي آداب الحمل وفي سنن الرضاعة وغير ذلك. وعلى الصعيد التعليمي فإن الأئمة عليهم السلام وبالأخص الإمام الصادق عليهم السلام أسس لمنهج تعليمي يرتبط بسن ابتداء التعليم الحقيقي، أي سن تقبُّل الطفل للمعلومات التي تلقى إليه واستيعابها وحتى سن السابعة، واعتبر أن المرحلة السابقة لهذا العمر هي مرحلة اللهو والعبث، أي مرحلة عدم تحميل الطفل للمسؤولية سواءً فيما يتعلق بضوابط التعليم وشروطه وقيوده وسواءً ما يتعلق بالثواب والعقاب والمساءلة، وعليه فان هذا المنهج هو بمثابة النظرية التعليمية المتكاملة التي أخذ بها الكثير من التربويين في العصر الحديث.
* كيف يتم تطبيق هذا المنهج في العمل التربوي على الساحة الإسلامية اليوم؟
فيما يخص المدارس الإسلامية فإنها استفادت من منهج أهل البيت عليهم السلام على الصعيد التربوي أي مسألة تعويد الطفل على العبادات وعلى السلوكيات والآداب الإسلامية سواءً من خلال المنهج الدراسي أو من خلال الأنشطة التي تُقام على مدار السنة، أما على الصعيد التعليمي فالمدارس الإسلامية نحت في مراحلها الدراسية المنحى العام في لبنان، وإن كان هذا المنحى يتقاطع بنسبة كبيرة مع ما أسسه الأئمة عليهم السلام، فالمنهجية التربوية الرسمية المقررة تعتبر مرحلة الحضانة والروضات هي مرحلة ما قبل المدرسة، أي مرحلة ما قبل التعليم، وان التعليم يبدأ من الصف الأول الابتدائي أي من سن السادسة. وفيما يخص الساحات التربوية الإسلامية الأخرى فيمكن الحديث عن الكشاف الذي يعتبر مؤسسة تربوية لا صفيَّة، فالكشاف يعتمد على مستوى تقسيم المراحل نمطاً قريباً من المنهج الذي أسسه الأئمة عليهم السلام فالكشاف يبدأ حلقاته في سن السادسة، سواءً للذكور أو للإناث، وعلى المستوى التربوي فإن الكشاف يحرص على تعويد الأطفال على الآداب والقيم والأخلاق العملية التي دعا إليها الأئمة عليهم السلام.
وتوجهنا بالسؤال إلى فضيلة الشيخ احمد إسماعيل مسؤول العلاقات الخارجية مع دول أفريقيا في حزب الله، حول العمل التبليغي والإرشادي في منهج أهل البيت عليهم السلام وسبل تطبيقه على الساحة الإسلامية والطريقة التي يجب اتباعها في ذلك وكان السؤال الأول:
* ما هي الأساليب التي اتبعها أهل البيت عليهم السلام منهجاً في العمل التبليغي والإرشادي؟
الأساليب التي اعتمدها أهل البيت عليهم السلام هي نفسها التي اتبعها القران الكريم منهجاً لإرشاد الناس وتبليغهم الرسالة. يقول تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾، فأهل البيت عليهم السلام هم أفضل أنموذج بعد رسول الله صلى الله عليه وآله في اعتمادهم دستور تبليغ الدعوة، وهم بوجودهم المقدَّس دعوة إلى الله، فلم تكن الدنيا تعني لهم إلاَّ أنها "مسجد أحباء الله ومتجر أولياء الله"، فالمسجد هو محل الذكر والتسبيح والصلاة والدعوة إليه عزَّ وجلَّ، والدنيا مسجد كبير لا ينبغي أن نقطع بها صلتنا بعزّ نور الله الأبهج، لقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار دعوة مستمرة ومتواصلة بكل حركة قاموا بها، كانوا بحق قراناً يُتلى وبشراً يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ولقد اعتمدوا عليهم السلام مناهج عديدة للتبليغ تنبع من عشقهم لله، فهي دائماً معطاءة فيَّاضة، فتارة نجد كيف استطاع أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقطع يد السارق كيف يعطف عليه ويخرج مقطوع اليد وهو أشد حباً للأمير، وأخرى نجد أسلوب الإمامين الحسنين عليهما السلام عندما كانا طفلين كيف اعتمدا أسلوب إرشاد الشيخ لمعرفة الوضوء الصحيح، وثالثة نجد عملية التبليغ التي أدَّاها سيد الشهداء عليه السلام والتي استخدم فيها كل عوامل القوة والتأثير حيث بلغ ذروة التبليغ حين استنطق دم الطفل الرضيع وجراحات العبَّاس والأصحاب..
ونجد أيضاً السيدة الحوراء زينب عليها السلام كيف استطاعت استحضار الملحمة، هذا عدا عن الإمام زين العابدين عليه السلام الذي سقى بدموعه شجرة الإباء والتضحية ولم تكن كل الأحداث تقعده عن أداء مهامه الرسالية حيث اعتمد أسلوباً رائعاً في عملية التبليغ فراح يشتري العبيد ويخضعهم إلى دورة إعدادية ثم يطلقهم ويعتقهم في حفل ختامٍ مؤثر جداً ويحمّلهم مسؤولية نشر الرسالة. واستطاع عليه السلام برسالة الحقوق وبأدعية الصحيفة السجادية أن يختار أسلوباً مختاراً بدقة غير متناهية، وها هو إمامنا الصادق عليه السلام الذي استغل فرصة الانشغال السياسي ما بين الأمويين والعباسيين فاستطاع أن يفتح مدرسة تخرّج الأساتذة والمعلمين والفقهاء أمثال هشام بن الحكم وزرارة بن أعين ومحمد بن مسلم، وهو عليه السلام طالما انتقد أساليب بعض الأشخاص الذين يسيؤون لعظمة الإسلام. فقد نُقل عنه عليه السلام قوله: "لا تكونوا كهذا الرجل الذي هدى شخصاً للإسلام ثم انه أخرجه بنفسه منه وأعاده إلى الكفر" معلقاً على الطريقة التي اختارها أحد المسلمين مع جارٍ مسيحي له، حيث أراد له بدفعة واحدة أن يكون من المتعبدين ليل نهار، ما دفع المسيحي إلى القول: هذا الدين ينفع البطَّالين، أما أنا فلا شأن لي به، وقررت الرجوع إلى ديني الأول، وقد خفي على الرجل أن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق.." فاستعجل الأمر، وأراد أن يوغل المسيحي فيه دفعة واحدة فخسره بأسلوبه الذي لم يرحم ضعفه، ويُروى أن يهودياً جاء لرجل ومعه هدية قائلاً له: إقبل مني هذه الهدية، لأنك أسديت لي خدمة عظيمة، فقال له الرجل: أي خدمة هذه وأنا لم أقدّم لك أية خدمة، فقال اليهودي: لديّ بنت كانت تنوي اعتناق الإسلام إلاَّ أنها لما سمعت صوتك وأنت تؤذّن، وكان صوته قبيحاً مُستَهجناً اشمأزَّت من الإسلام فهذه هديتي لك لأنك حلت دون اعتناق ابنتي للإسلام.
* كيف يتم تطبيق هذا المنهج في العمل التبليغي على الساحة الإسلامية اليوم؟
أبدأ الحديث بقول أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان يصف فيه الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وطريقة عمله التبليغي "طبيب دوّار بطبّه وقد أحكم مراهمه وأحمى مياسمه" فالداعية قبل كل شيء هو طبيب روحي يرأف بالناس ويتعاطى معهم بناءً على رأفته ورحمته، فكما يفعل الطبيب في عملية طبّه ويتنوَّع في اختيار الأسلوب الأنجع، فالداعية تلميذ في مدرسة أهل البيت عليهم السلام يسعى لتطبيق منهجهم تطبيقاً عملياً، وهم عليهم السلام بحد ذاتهم دعوة صامتة إلاَّ أنها تحكي السيرة العطرة وتنثر شذى أريجها الفوَّاح فتدخل عالم القلوب بلا استئذان "كونوا لنا دعاةً بغير ألسنتكم"، فالدعوة إلى الله وقبل أن تكون خطاباً رنَّاناً، ومقالة رائعة جميلة هي سيرة حميدة وسلوك يترجم صاحبه آيات الله ترجمة عملية.
فالإنسان الذي هو نفخة من روح الله، قيمته بقدر ما يسمو في العالم الروحي والعلوي الرفيع، وهذه الكرامة ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾ إنما هي لأجل اندماجه في الدرجات العُلى وسموه بعطرها، وهو بهذا لا يمكنه أن يرجع إلى الوراء، فيتعلم من أئمة الهدى كيف انطلقوا مع الله وكيف رأوا الله في كل الوجود بحيث لم يسع الوجود لشيء غير الله، فيتحول المؤمن في ساحتنا الإسلامية إلى إنسان لا همَّ له في دنياه إلاَّ همّ الدعوة، ولا هاجس له إلاَّ هاجس القرب من الله، فيبلّغ الرسالة كما هي، لا كما يُحب أن يراها، ويطبق منهاج الأئمة بحذافيره كما هو، لا كما يشتهي ويرغب، وان مشكلة الكثير ممَّن يدّعون أنهم حَمَلة لِهَمّ الرسالة تكمن في الأساليب القديمة والمملّة فهم يحمّلون الإسلام تبعات نظراتهم الضيقة وأفقهم المحدود، فبدل أن يبلّغوا روح الإسلام وعظمته، يبلّغون همّهم وهمومهم، فتعالوا بنا إخوة الإسلام أن نرتفع إلى الإسلام لنكون بمستوى حمله، لا أن نرتفع بالإسلام ونحمّله ما لا يحمل، فما أكثر ما شاهدنا من أساليب منفّرة وليست مبشّرة، مبعّدة غير مقرّبة، وما أكثر الإساءات التي حمَّلها البعض للإسلام والإسلام منها براء، فإذا أردنا أن نطبّق منهج أهل البيت عليهم السلام على ساحتنا، فعلينا أن ندرس سيرتهم عليهم السلام وطريقة تبليغهم الرسالة وأسلوبهم في جذب الناس، فنحذو حذوهم ونقتدي بأفعالهم مهما بدت لنا أنها صعبة التحقق، بهذا كله نستطيع أن لا يترك لنا الحق من صاحب، ونستطيع أن نرغب بالموت إذا لم يكن يُعمل بالحق ويُترك الباطل، فالإسلام ومفاهيمه في العلياء فإذا لم نكن بمستواها فلنكن صريحين مع أنفسنا، فالإسلام لا يتحمَّل المجاملات التي لا تكون إلاَّ على حساب الإسلام نفسه، نسأله تعالى أن يوفقنا للاقتباس من منهج أهل البيت عليهم السلام وتطبيق ما التزموه في سيرتهم وأقوالهم عليهم السلام.
أما الجانب الاجتماعي في منهج أهل البيت عليهم السلام والأساليب التي اتبعوها واعتمدوها في العلاقات الاجتماعية وكيفية تطبيقها اليوم على الساحة الإسلامية فقد تحدث عنها الحاج حسين الشامي مسؤول هيئة دعم المقاومة الإسلامية حيث قال: لقد اعتمد أهل البيت عليهم السلام في العمل الاجتماعي وفي علاقاتهم الاجتماعية بعض الأساليب والسياسات العامة والتي كانت جزءاً من عملهم الرسالي وفهمهم العميق للدور الذي اختصهم الله به دون غيره من البشر ليكونوا القادة والقدوة والنموذج الأعلى والأرقى في الموقف والقول والممارسة، والأساليب هذه استندت إلى قواعد ومنطلقات ثابتة ويقينية لا تربو إلى الشك نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
أ- الإنسان هو خليفة الله على الأرض وعليه أن يكون بمستوى هذه المسؤولية وهذه الأمانة.
ب- الخلق كلهم عيال الله وأقربهم إلى الله أنفعهم لعياله.
ج- الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق.
د- المؤمنون في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
هذه القواعد وغيرها شكَّلت الأساس للنهج الاجتماعي الذي اختطَّه أهل البيت عليهم السلام طريقاً واضحاً لهم ولأتباعهم ولسائر المسلمين. وقد تفرَّع عنه مجموعة عناوين تأتي في إطار التربية الاجتماعية والتوجيه لتأسيس مجتمع متوازن ومتكافل، عمل عليها أهل البيت عليهم السلام في مسيرتهم الاجتماعية وغيرها وكانت جزءاً من قيمهم ومعتقداتهم وفهمهم للإسلام كرسالة اجتماعية وحضارية ليس للمسلمين فحسب وإنما للعالم أجمع. ويأتي بعض هذه العناوين على الشكل التالي:
1- في إطار علاقة الفرد مع نفسه: النظافة، التطيُّب، التجمّل، الحشمة، الصبر، الشكر، التعلّم، العمل، السعي، التواضع، التأدّب، الصدق، الوفاء، التعفف...
2- وفي إطار علاقة الفرد مع أسرته: حسن اختيار الشريك، المودة، التعاون، الاحترام، العطف، التربية، التعليم، البر، الإحسان، الرحمة، وصلة الرحم...
3- في إطار علاقة الفرد مع مجتمعه: حفظ النظام الاجتماعي العام، احترام العادات والتقاليد التي لا تتعارض مع الإسلام، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التعاون على البر والتقوى، الإيثار على النفس، الاهتمام بشؤون الآخرين، المشاركة في العمل العام، أن يحب لغيره ما يحب لنفسه، مواجهة الظالم، الدفاع عن المستضعفين.
ومن هذه العناوين التي كانت تطبع حياة وسلوك أهل البيت عليهم السلام نستطيع استخراج مجموعة أساليب وسياسات عامة سواء كان العمل في إطار الفرد أم الجماعة أو كان في الطريقة المباشرة، أو غير المباشرة. إلاَّ أن الأساليب تبقى محكومة لاعتبارات عديدة منها ما هو مرتبط بالموقف الشرعي والمسؤولية الشرعية تجاه الناس والمجتمع لا سيما في إطار رفع الظلم والاستضعاف الذي يلحق بعباد الله. ومنها ما هو في جانبه الإنساني الذي على الفرد أن يقف إلى جانب أخيه في حالات العسر والشدة وفق إمكاناته وقدراته.ومما لا شك فيه أن الظروف العامة من سياسية واقتصادية وغير ذلك تشترط أساليب وسياسات محددة للعمل الاجتماعي وغيره من الأعمال وهو ما استفدناه من تجارب أئمة أهل البيت عليهم السلام في مختلف الظروف التي عاشوها والسياسات التي اعتمدوها طريقاً للتواصل مع المجتمع.
وفي عالمنا المعاصر والظروف الصعبة التي تمر بها مجتمعاتنا الإسلامية لا بد من تغليب العمل الاجتماعي المؤسساتي على غيره من الأساليب مع ضرورة الحفاظ على هامش من العمل الفردي لما له من أثر مباشر في العلاقات الاجتماعية. فالعمل الاجتماعي في إطار المؤسسات والمتخصص في نشاط محدود والذي يرعى شريحة محدَّدة من المجتمع إذا توفرت له الإدارة الجيدة والعاملون المخلصون والبرامج العلمية فإنه يشكّل أهم أسلوب وأنجح طريقة سواء في تقصير المسافة بين المستويات الاجتماعية المختلفة أو تحقيق الفائدة المرجوَّة بأقل كلفة ممكنة. وهو ما شاهدناه من خلال عمل المؤسسات الاجتماعية الإسلامية على تنوعها في الساحة اللبنانية من رعاية عوائل الشهداء والجرحى والأسرى وتكفّل الأيتام والفقراء، ومن ترميم وبناء للبيوت والمدارس المهدَّمة إضافة إلى مجمل النشاطات الاجتماعية العامة لا سيما في المناطق المستضعفة والمحرومة سواء كان في الشأن الزراعي أو الصحي أو التربوي أو الاقتراض وغيره، وقد شكَّلت مجتمعة على تنوعها واختلاف أساليبها عملاً اجتماعياً رائعاً بعد أن أخذت على عاتقها معالجة معظم الآثار السلبية التي نشأت عن الحروب الأهلية اللبنانية المدمِّرة والاجتياحات الإسرائيلية الصهيونية أو كانت الرافد الأساس لعمل المجاهدين والمقاومين في المقاومة الإسلامية والداعم لها في عملياتها الجهادية، حيث الآلاف من العائلات والبيوتات الكريمة التي قدَّمت أغلى ما عندها تشعر أنها إلى جانب هذه المؤسسات التي ترعاها بالعزة والكرامة والشراكة الحقيقية لكل ما أنجزته المقاومة من تحرير ونصر.