مع الإمام الخامنئي | المبعث حيّ... ونحن مخاطَبون* بأيّ جديد سيأتي الإمام المهديّ عجل الله فرجه؟ * أخلاقنا | لا تُفسد قلبك بالحسد (1)* الشهيد سليماني...كيف قدّمته الصحافة العالميّة؟ زوجة الجريح... شريكة الجهاد إقصاء الشيعة من التاريخ اللبناني!* «كيــف سأعيش من دون والديّ؟» آخر الكلام | أوّل اختبار نصيحة زوجين: ليتنا تعارفنا جيداً! عقد الزواج عهدٌ والتزام

عمائم سلكت درب الشهادة (2)

تحقيق: نانسي عمر


استكمالاً للجزء الأوّل الذي كنّا قد نشرناه بمناسبة يوم الشهيد عن العلماء الشهداء، نستعرض في هذا المقال سلسلة أخرى من أسماء علماء سلكوا درب الشهادة على طريق القدس، وخطّوا بدمائهم أجمل قصص التضحية والإيثار، ملتحقين بركب قدوتهم الأولى سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، وبالسابقين من الشهداء العلماء منذ انطلاقة المقاومة الإسلاميّة وحتّى يومنا هذا.
 
• «أمنيتي الشهادة»
سماحة الشيخ الشهيد أمين سعد درس العلوم الدينيّة في مدينة قمّ المقدّسة، حيث كان طالباً مجدّاً، ثمّ عاد إلى قريته بنت جبيل التي أحبّها وأحبّ أهلها، فكان إماماً لها يقيم الصلاة في مساجدها، ويخطب في الحاضرين، ويتصدّى لحلّ مشاكل أبنائها.
كان الشيخ سعد مديراً للحوزة العلميّة في معهد أهل البيت عليهم السلام في مدينة بنت جبيل، فكان نِعم المربّي لطلَبة العلوم الدينيّة، يسهر على توعيتهم ورعايتهم، ويهتمّ بكلّ تفاصيل الحوزة وطلّابها، ويعمل بجدّ وإخلاص لإنجاح سَير الأمور التربويّة والتعليميّة والبحثيّة. وحتّى خلال الحرب، حيث آثر البقاء في بنت جبيل إلى جانب أهلها على الرغم من الظروف الصعبة والقاسية، كان جلّ همّه أن لا تتأثّر المسيرة التعليميّة بتلك التداعيات، فاستأجر شقة بين بلدتَي الشهابيّة والمجادل، ونقل الحوزة العلميّة إلى هناك ليتابع تدريس الطلّاب، إذ كان حريصاً على أن لا يفوّت عليهم شيئاً من العلم مهما كانت الظروف صعبة. وقد عُرف سماحته (رضوان الله عليه) بحبّه للشهداء وأمنيته الدائمة باللحاق بهم، فكان كلّما صلّى على شهيد أو قدّم العزاء بشهيد، يصرّح عن رغبته في الوصول إلى رتبة الشهادة، إلى أن طالته يد الغدر الصهيونيّ واستهدفته مع كريمته، ليرتقي شهيداً كما شاء وتمنّى.

• الحياة التي أرادها
سماحة الشيخ حسين جفّال صاحب جدّ وطموح وإخلاص منذ الأيّام الأولى لانتسابه إلى الحوزة. عن ذلك يقول سماحة الشيخ أمين ترمس: «بعد مضيّ فترة على التحاقه بالحوزة، حضر إلى الإدارة ليخبرني أنّه لم يكتفِ بالدروس الحوزويّة التي يتلقّاها هنا، ويبحث عن شيء آخر، فنصحته بالسفر إلى قمّ المقدّسة والانتساب إلى الحوزة العلميّة هناك، إلى أن التحق بالمقاومين في ساحات القتال، وعاش بين المجاهدين، فوجد الحياة التي كان يبحث عنها وينشدها، إلى درجة أنّه كان يبادر للتقدّم إلى صفوف المواجهة الأماميّة».
وفي ما يروى عن سماحة الشيخ الشهيد أنّه عندما علم بأنّ مسجد بليدا يخلو من إمام، عزم على الإقامة فيه، وأقام كذلك في شهر رمضان المبارك هناك، ولم تنفع الوساطات يومها في إقناعه للخروج من ذلك المكان على الرغم من الخطر المحدق به، إلى أن اضطرّ لاحقاً للمغادرة متحسّراً.
وخلال تشييع الشهداء، كان الناس يلاحظون ظهور ملامح خاصّة عليه، فيبدو وكأنّه في عالم آخر وروحه تحلّق بين نعوش الشهداء، إلى أن وجد ضالّته التي كان يبحث عنها، فالتحق بركبهم.

• عمل لا يهدأ
سماحة السيّد إبراهيم ياسين خطيب منبر وقارئ مجالس حسينيّة ومحاضر ترك أثراً في كلّ من تعرّف إليه وجالسه، وليس فقط في أساتذته وطلّابه. لم يترك أهله وبيئته في الظروف الصعبة، بل كان موجوداً في كلّ الساحات، داعياً الآخرين إلى الانضمام إليه في خدمة الناس في تلك الأيّام العصيبة.
كان السيّد الشهيد مديراً لحوزة الإمام الصادق عليه السلام في مدينة صيدا، وكان يتفقّد الطلّاب بشكل مستمرّ ويدير العمليّة التعليميّة بتفاصليها كافّة، ويستشير أساتذته ويستعين بهم لحلّ المشاكل. وعلى الرغم من صغر سنّه، إلّا أنّه كان مبدعاً ومجدّاً، يبحث عن كلّ جديد، ويتابع أدقّ التفاصيل، ويسأل عن أيّ معلومة أو تجربة يمكن أن تفيد الحوزة. ومن ميزات الشهيد أنّه كان وفيّاً مخلصاً، وعطوفاً على والديه وبارّاً بهما، خاصّة والده الذي توفّي قبل شهادته بفترة قصيرة، إذ سخّر كلّ وقته ليكون في خدمته طوال فترة مرضه.

• دائم التسبيح
سماحة الشيخ الشهيد حسين يونس عُرف بحبّه للمساجد وعدم التخلّف عن الصلاة فيها منذ سنوات تكليفه الأولى. هو جريح سابق في المقاومة، كان قد أُصيب في جبل صافي، وعلى الرغم من ذلك، لم يترك نهج المقاومة يوماً. تذكر زوجته كيف كان مواظباً على صلاة الليل وزيارة عاشوراء وكلّ ما يعرفه من أذكار وتسبيحات وأعمال مستحبّة في الليل والنهار، وكان يرسلها بشكلٍ يوميّ إلى مجموعة خاصّة بالعائلة ليذكّرهم بأدائها. كما كانت السبحة لا تفارق يده، حتّى أثناء قيادة السيّارة كان يردّد التسبيحات والأذكار بشكل مستمرّ، بحيث كان يحرص على عدم إضاعة الوقت باللهو أو بالأحاديث غير المفيدة. وقد عُرف بثقافته الواسعة، خاصّة في المسائل الفقهيّة التي كان يلجأ إليه الناس للسؤال عنها.
كان الشيخ الشهيد محبّاً للناس من مختلف الفئات والأعمار، يحرص على تلبية كلّ دعوة لجلسة أو سهرة مع شباب القرى المجاورة، يجالسهم ويحدّثهم ويعظهم، وقد كان حضوره مؤثّراً في كلّ القرى التي كان يزور أهلها. بعد شهادته، حدّث أهله شابّ من قرية مجاورة عن خاتم أهداه إيّاه الشيخ أثناء حديث تعارف دار بينهما، وأخبرهم عن تأثّره بحديثه وهديّته التي جعلته يحبّ الحضور إلى المسجد للصلاة وأداء المستحبّات والأذكار كما كان يفعل الشهيد.

• المتصدّق في السرّ
سماحة الشيخ علي سيف الدين كان قدوة وأسوة حسنة للجميع، وكان نِعم العالِم والمربّي والأستاذ والمعين للعوائل المتعفّفة والمحتاجة، وهو صاحب صدقات السرّ، ويساهم بجدّ وبلا كلل أو ملل في الإصلاح بين المتخاصمين. وقد تميّز بحبّه للصغار وعطفه عليهم، حتّى إنّهم كانوا ينتظرونه على باب المسجد ليسلّموا عليه ويتحدّثوا معه.
تميّز أيضاً بوجهه البشوش، فالبسمة لم تفارق وجهه يوماً، وقد عُرف بعطفه على طلّابه في الحوزة، خاصّة الأفارقة منهم الذين أحبّوه وتعلّقوا به لشدّة حنوّه عليهم وسؤاله الدائم عن أحوالهم وأحوال عائلاتهم في أفريقيا. وكان أيضاً محبوباً جدّاً من تلامذته الصغار، وكذلك من الشباب الذين كان يقضي معظم سهراته معهم، ليقدّم لهم النصح والتوعية والإرشادات لدينهم ودنياهم وآخرتهم. وقد صبّ الشيخ كلّ جهوده في بناء معهد قرآنيّ يهدف إلى تنشئة جيل قرآنيّ ممهّد لدولة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، على الرغم من كلّ التحدّيات والعوائق الماديّة، حتّى إنّه صار ينفق من مصروفه الشخصيّ على المعهد من دون أن يعلم أحد بذلك، إلى حين وقت شهادته.

• صاحب الروح المرحة
سماحة السيّد الشهيد هشام نور الدين ابن عائلة من العلماء والمجاهدين، تربّى على حبّ الجهاد والمقاومة. يذكر والده كيف رفض في حرب تمّوز 2006م أن يترك القرية، وبقي فيها مرابطاً، يقدّم المساعدة للمحتاجين من الناس ويقضي حوائجهم كما يحبّ أن يفعل دائماً. وقد أسّس السيّد نور الدين، بالتنسيق مع سماحة السيّد الشهيد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليه)، وبرعاية سيّد شهداء الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) الحوزة الفاطميّة في بلدة جويّا، والتي تضمّ نحو 200 فتاة.
هو المتواضع الذي يحبّه ويحترمه كلّ من عرفه، وصاحب الروح المرحة والتفاؤل الدائم، والمتوكّل على الله في كلّ المسائل والبلاءات مهما بلغت صعوبتها. تحكي أخته عن تعلّقه الشديد بوالديه اللذين لم يكن يمرّ يوم من دون أن يزورهما ويسأل عن أحوالهما مهما كانت الظروف. وكذلك كان حنوناً وعطوفاً على الأطفال من أبناء إخوته، يخصّهم بالزيارة والهدايا بشكلٍ دائم. وقد كان طيلة الحرب الأخيرة موجودًا في قريته يشارك في تشييع الشهداء ويصلّي عليهم ويشرف على أماناتهم، ولم يتركها على الرغم من إصابته، إلى أن استهدفه العدوّ داخل منزله. تروي إحدى نساء قريته أنّها رأته بعد شهادته في منامها حاملاً سلّة من الورود، وعندما لم يبقَ فيها إلّا وردة واحدة طلبتها منه، رفض قائلاً إنّ لها صاحباً وهو فلان. وبعد أسبوع واحد، استشهد ذاك الشابّ الذي ذكره السيّد في المنام.


هي نبذة مختصرة عن حياة علماء أجلّاء خلّفوا أثراً طيّباً في نفوس كلّ من عرفهم، فكانوا قدوة في التضحية والإيثار وخدمة الناس، والوفاء لخطّ المقاومة الذي تربّوا عليه وخدموه طيلة فترة حياتهم، طمعاً بشهادة لا تليق إلّا بأمثالهم، فنالوها ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ (آل عمران: 170)، ومستبشرين بالذين لم يلحقوا بهم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع