فاطمة السيد قاسم
ورد عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "تزوجوا وزوجوا، فإن أفضل شيء يسر الله في الوجود هو أن يعمر الإنسان بيتاً إسلامياً بالزواج، وليس هناك شيء يبغضه الله ويهتز له العرش من بيت إسلام يتحطم بالطلاق".
يعتبر الطلاق من الآفات الاجتماعية الفتَّاكة التي تفتك بالمجتمعات في كل مكان، فإذا نظرنا إلى ارتفاع نسبة الطلاق، ثم حللنا الأسباب التي أدت إلى ارتفاع هذه النسبة يتبادر إلى أذهاننا فوراً أن الأسرة تعاني من حالة انهيار كاملة في كال جوانبها.
فمثلاً نجد نسبة الطلاق في أميركا قد بلغت 70% وفي بعض البلدان قد ناهزت 75% ومعظم هذه الحالات تحدث في الشهور الأولى من الزواج.
ولهذا نجد علماء الاجتماع يبحثون تحت وطأة الحيرة عن أسباب هذه الزيادة وعلاجها، مما ينعكس على وضع الأسرة والبناء الاجتماعي برمته.
على أن هذه الموضة أو هذه الموجة إن صح التعبير بدأت تغزو وتخترق مجتمعاتنا عن طريق الغزو الثقافي الذي ينتشر في بلادنا والذي يزداد ويستشري يوماً بعد يوم.
وإذا حاولنا أن نبحث عن أسباب الطلاق لوجدنا أنها تتشابه في كل البلدان والمجتمعات. وهذه الأسباب ليست ذات جانب واحد وإنما هي مختلفة ومتعددة الجوانب.
فأول شيء يسبب هذه الواقعة التي تحل بالأسرة هو انطفاء الإيمان في نفوس الزوجين أو أحدهما. إذ ربما تكون المرأة هي التي أشعلت فتيل الخلاف أو يكون الزوج هو الذي أضرم النار تحت سرير الحياة الزوجية. كما أنه أحياناً يشترك الزوج والزوجة في هدم هذا الحصن المنيع الذي هو الأسرة.
كل ذلك إنما يحصل في غياب الإيمان، وانطفاء شعلة الوجدان في الضمير.
السبب الثاني الذي يؤدي إلى هذه الكارثة تسرب الثقافة الغربية ودخولها إلى الأسرة المسلمة، وهذا يعد أهم عامل مساعد في تمزيق الأسرة واهتزاز أركانها في كل حين كلما تفاعلت الأسرة بأجواء الفساد الأخلاقي الذي تضخه وسائل الإعلام من تلفزيون وراديو وصحيفة وكيف يتفنن جهابذة ما يسمونه «الحضارة الحديثة» بالعبث بالمرأة وامتهان كرامتها وتحويلها إلى ألعوبة تجارية. خذوا مثلاً بدعة ما يسمى «بملكة الجمال» التي تتفاعل وتنتشر في مجتمعنا اليوم عبر مؤسسات تجارية عالمية هدفها زيادة انتشار إنتاجها وجني الأرباح الطائلة من خلال المرأة. بالإضافة إلى الأفلام المستوردة التي تنفث سمومها في رؤوس النساء وعقول الرجال وقلوب الأطفال.
وأما إذا ما استمرت الحالة على ما هي عليه الآن، فليس أمامنا إلا المخدرات السحيقة التي ستنزلق الأسرة فيها بحيث يؤدي إلى تحطيمها وتمزيقها وتحويلها إلى ركام.
أما السبب الثالث: الذي يسبب كارثة الأسرة. فهو إهمال الحجاب الإسلامي، وانطلاق المرأة في مناخ السفور والاختلاط مع الرجال الأجانب. وهذا بعينه سبب لا يستهان به في تمزيق الأسرة وضرب قواعدها. وهنا لا بد من الإشارة فحينما نقول الاختلاط فإنما نقصد الاختلاط غير المحتشم الخارج عن حدود الحشمة والحياء والعفة، وهو ما نراه في حليات الرقص وفي النوادي وفي السهرات المنزلية الليلية الخاصة وعلى سواحل وشواطئ البحار من اختلاف الرجال بالنساء بشكل مثير للغاية وهو أقرب إلى البهيمية منه إلى الإنسانية، هذا اللون من الاختلاط منعه الإسلام منعاً باتاً حفظاً على الأسرة وعلى مكانة ومنزلة المرأة.
هذا بالنسبة لهذا النوع من الاختلاط. أما الاختلاط المحتشم الذي لا يتعدى الحدود، هو أن تكون المرأة في حشمتها وحجابها فإن الإسلام لا يمنعه أبداً، فنحن نرى هذا الاختلاط في أقدس بقاع الأرض. في البيت الحرام في السعي والطواف وعند كل مواطن الصلاة والدعاء في الحج وأيضاً في الزيارات للعتبات المقدسة نرى النساء والرجال جنباً إلى جنب ليس هناك حاجب ولا فاصل. كل ذلك لأن المرأة محافظة على حجابها وعفتها.
السبب الرابع: عدم معرفة الرجل بأصول المعاشرة الزوجية الجنسية ولا يستغربن أحد السبب الأخير لأن القرآن والنبي وأهل البيت (عليهم السلام) يولون هذه المسألة اهتمامهم إذ لا حياء في الدين لأنها تشكل سبباً هاماً من أسباب الطلاق. إذ ترى الرجل يبخل على زوجته بالكلمة الطيبة وبالبسمة وحتى في طريقة ممارسته للحالة أو للمسألة الجنسية، فإذا خابت الزوجة من هذه الطريقة نفرت منه، ولا سيما إذا توالت هذه الخيبة واستدامت، وأيضاً بالنسبة للرجل فإذا لم يجد تجاوباً معه من قبل زوجته يؤدي كذلك إلى النفور والكراهية من قبله باتجاه زوجته.
فضمانة الوفاق بين الزوجين متوقفة عليهما معاً أي على الزوج والزوجة. فمتى وجد الحب لا يبقى محل للنفور وللخلاف بتاتاً بل يدوم الرضى حتى في جميع مصاعب الحياة.
السبب الخامس: التساهل الذي يثير الدهشة عند بعض المذاهب الإسلامية بحيث أن قسماً من هذه المذاهب لا تشترط في الطلاق شروطاً وإنما تتساهل وتتسامح في الطلاق. بحيث أن كلمة واحدة من الزوج يقدمها لزوجته أنت طالق أو علي بالطلاق، تكون كافية لوقوع الطلاق، وهدم الأسرة، من غير حاجة لوجود الشهود، ولا كون المرأة في حالة الطهر وليس في حالة الحيض، ولا اشتراط النية وغير ذلك.
هذا في الطلاق، أما في الزواج فإننا نجد هذه المذاهب المشار إليها تتشدد وتضع شروطاً بشكل يلفت النظر.
السبب السادس: المساواة بين الرجال والنساء، فقد أكدت الأرقام الاجتماعية والنفسية أن موضة المساواة في الوظيفة بين النساء والرجال تعد من أكبر الأسباب وأهم العوامل في ازدياد نسبة الطلاق والأرقام التي تتحدث عن انحطاط الأسرة في العالم اليوم، أو قل: في حضارة اليوم المادية الكافرة.
هذه أسباب الطلاق التي تؤدي إلى نتائج وخيمة تتمثل في الضياع والتشتت الذي يصيب المجتمع والأسرة معاً، وانهدام أعمدتها على رؤوس الصغار الذين لا ذنب لهم ولا جريرة.
هذا كان بالنسبة لأسباب الطلاق، أما بالنسبة للعلاج والحل ونتائج الطلاق فيتلخص الأمر بالنقاط التالية:
لكي نتجنب السقوط في هوة الطلاق فإنه بد لنا من تقوية العقيدة، والاهتمام بتعميق الإيمان.
ثانياً: تعميق الجانب الثقافي في النفوس من خلال الاستماع إلى المحاضرات، والندوات الإسلامية الداعية والجيدة التي تعطي وعياً ونوراً وأخلاقاً.
ثالثاً: عدم الانجراف وراء الثقافة الغربية والاهتمام بالثقافة الإسلامية لأن الثقافة التي نعيشها الآن ثقافة غربية مادية كافرة وليست ثقافة إسلامية مسؤولة ومؤمنة.
رابعاً: الالتزام بالحجاب الذي فرضه الإسلام على المرأة المسلمة لأن الحجاب عند المرأة هو الذي يحفظها ويصونها من الانحراف.
خامساً: منع الاختلاط والسفور بالنسبة للمرأة المسلمة. وذلك لمنع تسرب الشيطان ودخوله علينا. لأن ذلك يؤدي إلى انهيار القواعد الأخلاقية والتربوية من الجذور.
وبالرجوع إلى البداية نقول إن أحد الزوجين الرجل أو المرأة إذا لم يحترم العشرة وأخل بواجب الأسرة فإن الإسلام في هذه الحالة يتدخل ويضع حداً لهذا التدهور الذي أصاب الأسرة هذه المؤسسة من الصميم.
ولكن الإسلام يفضل ألا تصل الأمور إلى حد الطلاق ولهذا فهو ينصح الزوجة أن تكون مؤمنة تتقدم بالدور الذي اختصه الله لها خير قيام: فتهتم بأولادها وتحضنهم وتربيهم، وتقوم بكل ما تريد شرط موافقة زوجها. بالمقابل ينصح الإسلام الزوج ويريده أن يكون مؤمناً يخاف الله ويحترم الدور الذي تقوم به زوجته، هذا الدور الذي لا يقل أهمية عن دور الرجل خاصة إذا كانت هذه الزوجة مؤمنة وتكون أعمالها انعكاساً لهذا الإيمان، ويجب أن يعلم الجميع أن عمل الزوج متمم لعمل الزوجة وكذلك العكس، والعكس هو الصحيح.