صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

الحضارة والحداثة في الفكر العربيّ المعاصر

إعداد: حوراء حمدان

حينما خرج الإمام الحسين عليه السلام من مدينة جدّه صلى الله عليه وآله وسلم سنة ستّين للهجرة، كان الإطار العام الّذي يحكم حركته واضحاً لا لُبْسَ فيه. "وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر" وقد كان الإصلاح هدفاً إحيائيّاً للأمّة تطلّب منه عليه السلام في ذلك الوقت أن يضع روحه الشريفة وأهل بيته موضع الخطر، فمهما تقلّبت الظروف ما كان من الممكن الرّضوخ والمساومة والرّضى بأنصاف الحلول.

وإذ نجد أنفسنا في وضع مشابه لتلك الأمّة، من حيث اختلال منظومة القِيم، فإنّه من الأولى لنا أن نطلب الإصلاح ونسعى إليه بكلّ إمكانيّاتنا وإلّا فإنّ الخطر والبلاء الذي سيحلّ لن يصيب الذين ظلموا خاصّة. ومن المفيد في هذا الطلب أن نتعرّف إلى بعض رموز الإصلاح والإحياء الإسلاميّين لنزداد وعياً من تجارب الآخرين، وهذا ما يقدّمه لنا كتاب: الحضارة والحداثة في الفكر العربيّ المعاصر.

هذا الكتاب عبارة عن خمس مقالات لكتّابٍ إيرانيين، عكفوا على دراسة التجربة العربيّة الحداثوية في مجال الإصلاح بهدف الاستفادة المتبادلة والتقريب بين الثقافتين. أعدّ الكتاب حبيب الله بابائي ورضا خراساني وعرّبه حسين صافي.

*الحضارة في الفكر الإصلاحيّ (حبيب الله بابائي)
كان لوفود التيّارات الفكريّة المستوردة فعل العواصف، فقد فُتح الباب على مصراعيه للأفكار الغربية للدخول إلى الهويّة العربيّة الإسلاميّة. هويّة كادت أن تضيع لولا بعض المحاولات البارزة سواءً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أو لإعادة تقديم رؤية إصلاحيّة على ضوء الوافد الجديد. وانقسمت المواقف اتّجاه الحداثة، فثمّة من بهرته تلك القيم ودعا إلى تقليدها، وآخر اتّخذ موقفاً سلبيّاً إزاءها ودعا إلى مناهضتها، وثمة موقف وسطيّ أراد الاقتباس مع مراعاة الخصوصيّات.
ويُعدّ التيّار الإصلاحيّ أحد أبرز التيّارات التي حاولت من خلال نهجها الاعتداليّ أن تُعيد تقويم المسار الاجتماعيّ العاصف. يقدّم الكاتب في هذا الفصل وجهتي نظر متباينتين لهذا التيّار من اليسار الإسلاميّ ممثّلاً بـ"حسن حنفي" إلى المسار الخلدونيّ ممثّلاً بـ"مالك بن نبي".

*الاتّجاهات الأصوليّة (رضا حبيبي)
يبحث الكاتب في هذا المقال عن جذور مصطلح الأصوليّة، معتبراً إيّاه من نتاج الفكر الحداثوي، فهو يكشف، في جوهره، عن ظاهرة سياسيّة معيّنة بخلاف التيّارات الإحيائيّة الأخرى. والسّمة البارزة للتيّار الأصوليّ، هي تمسّكه بأصالة النّصّ وتعاليه على النّقد.

من سمات الأصوليّة الإسلاميّة التّماهي بين الدّين والسّياسة. لذا، فإنّ التيّارات التي تحمل فكراً أصوليّاً تكون في الأصل تيّارات اجتماعيّة ذات بُعد سياسيّ. من هذه التيّارات، الحركة الوهابيّة كوجه الأصوليّة المحافظ، والإخوان المسلمين، وجهها المعتدل.

الفكر الوهابيّ، يعود في أصوله إلى ابن تيميّة ومذهب ابن حنبل. اعتمدت الوهابيّة في حِراكها الاجتماعيّ على منطق السلاح والمواجهة المباشرة. وبذرة المواجهة هي الفكر التكفيريّ لسائر المذاهب والتيّارات المناوئة لها، بالإضافة إلى عدائها الصريح لمظاهر الحضارة والمدنيّة الحديثة. ويرى الكاتب أنّ افتقاد هذا التيّار الرؤية الشاملة ورحابة الصّدر أدّى إلى فشل مساعيه.
في المقابل، كان هدف الإخوان المسلمين تحقيق حياة أفضل من خلال النهج الإسلاميّ الشامل. وقد قدّم الكاتب المراحل التأسيسيّة لهذا التيّار من مؤسّسه حسن البنّا إلى سيّد قطب، ومسيرة التحوّل الفكريّ للجماعة، ثمّ مرحلة المحنة التي هزّت الكيان الإخوانيّ إلى مرحلة الانشقاقات وبروز جماعة الجهاد والتكفير المسلّحة. ومشكلة التيّار الأصوليّ، كما يراها الكاتب، تعود إلى المخزون التراثي المتناقض والمُحرّف في بعض المواضع، ومع التطبيق الحرفيّ للتراث، بتناقضاته واستحساناته، برزت المشكلات على السطح.

*العلمانيّة (رضا خراساني)
"يجسّد النهج العلمانيّ في العالم العربيّ الخطّ الفاصل بين مؤسستيّ الدين والدولة"(1). وقد تراوح هذا الفصل بين الجانب العمليّ الميدانيّ والجانب الفكريّ النظريّ. يُضيء الكاتب في هذا المقال على المسار الفكريّ للعلمانيّة والذي ينقسم إلى جانب تاريخيّ - سياسيّ، وآخر فلسفيّ - معرفيّ.
يرفض العلمانيّ المرجعيّة الدّينيّة لحلّ الأزمات التي تنبثق عن حاجات الإنسان المتغيّرة، فالدين عندهم هو تجربة شخصيّة والدولة عقدٌ اجتماعيّ عام.

برزت العلمانيّة عربيّاً بوجهها السياسيّ، وقد أوكلت إدراك وفَهم القِيم ومعايير العمل السياسيّ للعقل البشريّ، ووقفت بوجه المناوئين للحضارة الغربيّة التي يجب قَبولها ككلّ لا يتجزّأ. أبرز ممثّلي هذا التوجّه، طه حسين ورفاعة رافع الطهطاويّ.
أمّا العلمانيّة الفلسفيّة، فأشْكَلت على الهويّة المعرفيّة للعالم العربيّ واسمةً إيّاها بالتخلّف. لذا، وجب إحداث ثورة إصلاحيّة في المفاهيم لتحقيق الحداثة إسلاميّاً على النّهج الغربيّ إيّاه. وقد نظّر هولاء للعلمانيّة كحقيقة عقلانيّة فلسفيّة عامّة، وهذا هو الهاجس الحقيقيّ للتيّار العلمانيّ برأي الكاتب. وقد عرض أخيراً الانتقادات التي وجّهها "برهان غليون" و"محمد عمارة" للفكر العلمانيّ، فهو منزلق خطِر وأزمة فكريّة برأيهما.

*الاتّجاه النّقدي (ذبيح الله نعيميان)
إنّ اتخاذ موقف صريح من التراث الإسلاميّ هو أساسيّ لكلّ التيّارات الإصلاحيّة والإحيائيّة، فهذا الموقف هو بمثابة البناء التحتيّ العام. وعليه، انقسمت التيّارات بين إحيائيّة، وإصلاحيّة معتدلة، ليبراليّة ونقديّة.

في هذا الفصل يبحث الكاتب في ظروف تشكّل التيّار النّقديّ وقواعِده المعرفيّة من خلال أبرز روّاده كمحمد عابد الجابري، ومحمد أركون، ونصر حامد أبو زيد.
ويستند تحليل التّراث إلى قراءة نقديّة، ضمن منهجيّة تقوم على تاريخيّة الفكر، تهدف في نهاية المطاف إلى إحياء العقلانيّة.
كما دلف الكاتب إلى منهجيّة كلّ مفكّر مستعرضاً القراءات المختلفة للحضارة الإسلاميّة من العقل الاعتزاليّ إلى العقلانيّة الرشديّة، ومنهج النّقد التاريخيّ.

*الاتّجاه الكلاسيكيّ (سعيد فيتش)
يعتبر كاتب المقال أنّ التيّار الكلاسيكيّ هو التيّار الوحيد الذي انبرى لصيانة التّراث، والمعرفة الإلهيّة في وجه الغزو الثقافيّ المفاهيميّ. وقد وضّح الكاتب المراد من مفهوم العلم والذي في ضوئه تتّضح مكانة العالم الاجتماعيّة، من العلم الإلهيّ إلى العلم المفهوميّ الحسّيّ مروراً بالعلم الشّهوديّ والعلم العقليّ. كما قدّم إضاءات عن الفرق الصّوفيّة ودورها في صيانة التّراث كالطّريقة التّيجانيّة والسّنوسيّة.

*ملاحظات لا بدّ منها
إنّ الهدف من هذه الدّراسة كما يذكر المعدّ هو استحداث مدخل للتعرّف إلى الرّؤى العربيّة الحداثويّة بغية التقريب بين الثقافتين العربيّة والفارسيّة. فكان من المفيد أن يضمّ الكتاب التّجربة الإيرانيّة الإحيائيّة المعاصرة، ولو من باب الإشارة إلى السّبل العمليّة للإحياء الإسلاميّ.

من جهة أخرى، فإنّ السّنوات القليلة الماضية قد كشفت عن أزمة بنيويّة لدى جماعة الإخوان المسلمين بعد تسلّمها الحكم في غير بلد عربي، ناهيك عن تدحْرج العديد من الرّؤوس الدّعويّة وتكشّف وجهها الحقيقيّ. وهذا ما لم يلحظه الكتاب على الأقل نقديّاً، وإنّ البعد النّقديّ هو ما يعطي للبحث غِنًى.


1- الحضارة والحداثة في الفكر العربي المعاصر، مجموعة مؤلفين، ص144.
2- م. ن، ص312.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع