إن عقوق الوالدين من الذنوب الكبيرة التي صرحت بها الروايات والآيات وتوعدت فاعلها بالعذاب الشديد.
فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حضر شاباً عند وفاته فقال له: قل لا إله إلا الله. فاعتقل لسانه مراراً، فقال لامرأة عند رأسه: هل لهذا أم؟ قالت: نعم أنا أمه، قال: أفساخطة أنت عليه؟
قالت: نعم، ما كلّمته منذ ست حجج، قال لها: إرضي عنه، قالت: رضي الله عنه برضاك يا رسول الله. فقال له رسول الله: قل لا إله إلا الله، قال: فقالها.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما ترى؟
فقال: أرى رجلاً أسود قبيح المنظر وسخ الثياب منتن الريح قد وليني الساعة فأخذ بكظمي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قل يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير، اقبل مني اليسير واعف عني الكثير، إنك أنت الغفور الرحيم.
فقالها الشاب، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انظر ما ترى؟
قال: أرى رجلاً أبيض اللون، حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، قد وليني وأرى الأسود قد تولى عني، قال أعد، فأعاد، قال ما ترى؟
قال: لست أرى الأسود وأرى الأبيض قد وليني، ثم قضى على تلك الحال. (بحار الأنوار).
* عاق الوالدين والعذاب الأبدي:
مما يظهر من هذا الحديث الشريف أن من آثار عقوق الوالدين سوء الخاتمة وشر العاقبة، فيفارق الشخص الدنيا بلا إيمان، وبالنتيجة يكون في العذاب الدائم.
فمع أن الملقن كان هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنه لم يستطع أن ينطق بالشهادة ما دامت أمه غير راضية عنه، وبعد رضا أمه وقراءة تلك الكلمات ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رضي عنه الله تعالى وغفر له.
*العقوق بعد الموت؟!!
ولا فرق في حرمة عقوق الوالدين ووجوب الإحسان إليهما بين حال حياتهما وحال مماتهما، يعني أنه لا يسقط حقهما بالموت، ومتى ما نسيهما بعد الموت وترك الإحسان إليهما فإنه يحسب عاقاً، مهما كان قد أدى حقهما حال الحياة، ولم يترك الإحسان إليهما.
فمن حق الوالدين بعد الممات أن يؤدي عنهما الولد ما فاتهما من الواجبات حال الحياة، من قبيل الحج والصلاة والصيام، وكذلك إذا كانا مدينين فيجب عليه الأداء عنهما.
ثانياً: العمل بوصيتيهما.
ثالثاً: أن لا ينساهما إلى آخر عمره، يجب أن يسأل لهما العفو والرحمة، ويتصدق عنهما، ويؤدي الأعمال المستحبة نيابة عنهما، وبالجملة يرسل لهما كل ما يستطيع من الهدايا والتحف المعنوية.
عن الإمام الباقر عليه السلام: "إن العبد ليكون بارّاً بوالديه في حياتهما، ثم يموتان فلا يقضي عنهما دينهما، ولا يستغفر لهما، فيكتبه الله عاقاً. وإنه ليكون عاقاً لهما في حياتهما، وغير بارّ بهما، فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله باراً". (أصول الكافي).
* تكفير الذنوب بالإحسان للوالدين:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كن بارّاً واقتصر على الجنة، وإن كنت عاقّاً فاقتصر على النار".
يعلم من الحديث الشريف أن الإحسان للوالدين كفارة لكثير من الذنوب مما يستوجب دخول الجنة للبار بوالديه، وهذا فضل قل نظيره لغير الوالدين.
ونحن لا يسعنا إلا أن نقول ربنا اغفر لهما وارحمهما كما ربّياني صغيراً، واجزهما بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً.