مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

التسابق في طريق العبودية


إن هذه الدنيا دار البلاء والامتحان الذي يُخرج الله تعالى به أسرار العباد بواسطة الأعمال، حتى إذا انقلبوا إليه في دار الآخرة أظهر لهم سرائرهم كما هي. قال تعالى:  ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ﴾.


وقال عز من قائل:
 ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرِ ، و ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.
لذلك يقال أن الآخرة هي باطن الحياة الدنيا، وإنها ظهور حقائق الناس، حيث لا تتسع هذه الدنيا لمثل هذا الظهور لسببين:
أولهما: أن نور الإنسان الكامل والولي بل والمؤمن الصادق إذا أشرق على هذا العالم يحرقه من شدة نوره.
ثانيهما: إن بشاعة الكافر، بل وأعمال الفاسق من السوء إلى درجة أنها لو ظهرت في هذا العالم لجعلت الحياة فيه صعبة جداً. وفي الحديث: "إن أهل النار يتأذون من ريح العالم التارك لعلمه"، ورغم أننا نجد الكثير من أمثال هؤلاء إلا أننا لا نلحظ بشكل مباشر نتانتهم وخبثهم، ولذلك فإن ظهور حقائق النفوس في عالم الدنيا يقتصر على الأعمال بالدرجة الأساسية.

إذاً، فأهل الله والسالكون طريق العبودية يعبّرون عن عبوديتهم لله من خلال العمل. ومن جانب آخر فإن الله يمتحنهم- كما يمتحن غيرهم- بالمواقف الكثيرة، التي تسمى بالابتلاءات، والتي تتطلب منهم أن يظهروا فيها أنهم إليه يرجعون وعلى وفق إرادته يسيرون.

ولكن أهل الله لهم ميزة أخرى، وهي أنهم لا ينتظرون الابتلاءات لتأتي إليهم لكي يعبّروا فيها عن صدق عبوديتهم لله، بل هم الذين يصنعون هذه المواقف، وذلك لأنهم نجحوا في الامتحان الأول عندما أخذ الله ميثاقهم، وكانت أنفسهم قد وصلت إلى العبودية الحقة بدون عبور الامتحانات العادية. وبتعبير آخر، هؤلاء قد صدّقوا إيمانهم بالمعرفة الشهودية التامة، فليست العبادة لأمثالهم طريقاً للوصول ولعبور المقامات من النقص إلى الكمال، وإنما هي محض التعبير عن الشكر والحضور في محضر الله عزت آلاؤه. وإلى هذا أشار سيدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفلا أكون عبداً شكوراً". وسر ذلك أن الكاملين من أولياء الله كانوا أسبق الناس في أخذ العهد وقبول الميثاق. بل إن المقارنة معهم أمر خطأ بحد ذاتها.
إن عبادة هؤلاء هي التعبير عن حقيقة مقامهم عند الله تعالى، وأما غيرهم فإنهم يحتاجون إلى العبادة للوصول إلى هذا المقام والعبور من النقص إلى الكمال.

ونظراً لوجود المرتبة الكاملة من العبّاد، فإن هذا يعني وجود المراتب المختلفة عن السالكين، فإذا كان بين البشر ممن وصل إلى المرتبة الشامخة عند الله، فإن إمكانية الوصول متوفرة عند الجميع، لأن إعطاء القابليات يكون من الله الذي لا يعجزه شيء ولا يمسك رحمته أحد.
والواقع أن هذا الاختلاف بين البشر في مراتبهم يعود إلى جهة التمايز التي هي الصدق في صراط العبودية. وأما الكثرة في العمل فليست معياراً. هذا الصدق هو الذي يعبّر عنه بالنية في الروايات: "إنما الأعمال بالنيات".

وليس العمل إلا ظهور هذه النية وتجلي باطن الإنسان: "ولا يثبت الإيمان إلا بالعمل" الإمام الصادق عليه السلام.
ولذلك، فإن الذي يدّعي وجود الإيمان في نفسه ولكنه لا يترجمه بالعمل، فإنه يحكي عن نفاق فيه.

بعد هذه المقدمات التي تعتبر من أركان مدرسة السلوك في الإسلام، نقول: إن التكليف الإلهي الموجه إلى الإنسان ينقسم إلى قسمين: عام وخاص.

فأما التكليف العام فهو الذي جاء بعموميته إلى جميع الناس دون استثناء أحد منهم، كالصلاة والصوم والجهاد والحج و.. وقد تكفلت الشريعة الإلهية ببيان حدوده وأحكامه.. وكل من أراد أن يؤدي هذا التكليف، عليه أن يرجع إلى هذه الأحكام ويعمل بها.

والتكليف الخاص هو الذي يتوجه إلى كل مكلف باسمه على حدة، ويقع عليه هو مسؤولية تحديده والعمل به، وشروطه هي التالي:
1- أنه ينبع من التكليف العام ولا يتعارض معه.
2- يرتبط بالزمان والمكان المختصين بالمكلف.
3- ينشأ من القابليات الموجودة عند المكلف.

وحول الشرط الأول، فإن كل ما يشخصه المكلف خارج إطار التكليف العام فهو من الشيطان الرجيم وهوى النفس، حتى ولو كان في عالم الرؤيا حيث قال الإمام الصادق عليه السلام: "إن دين الله أعز من أن يرى في النوم".

وكلمة الدين في هذه الرواية تشير إلى الأحكام، لأن السائل كان يتحدث عن الركوع والسجود.
فلو فرضنا أن أحداً ادعى أن تكليفه هو العمل في مكان ما خارج إطار الجهاد في سبيل الله، فعليه أن يعرف أن ما وصل إليه ليس تكليفاً خاصاً من الله، لأن التكليف الخاص ينبغي أن ينبع من العام.

ملاحظة: رغم أن هذه المقالة ليست متكفلة ببيان جميع التكاليف إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن الجهاد في سبيل الله في هذا العصر يعتبر من الواجبات الضرورية التي لا يجوز تركها إطلاقاً، وهو أوسع من الجهاد العسكري، ولكن تحديد مصاديقه، وكيفيته، وأبعاده يقع على عاتق الولي الفقيه.

وحول الشرط الثاني فإن للزمان والمكان دوراً أساسياً في تحديد وتشخيص هذا التكليف، فهما متغيران، وعلى أثر هذا التغير يتغير التكليف الخاص ولذلك ينبغي للمكلف أن يتابع باستمرار هذا التغيّر. ففي زمان ما قد يكون الواجب أن نجاهد في أفغانستان، ثم تتغير الظروف السياسية والاجتماعية فيصبح من الواجب- مثلاً- أن نجاهد في لبنان وهكذا، ورغم أن الولي الفقيه هو الذي يحدد الأولويات في هذا المجال، بمعنى أنه هو الذي يشير إلى مناطق الأهمية عند كل زمان إلا أن على المكلف أن يتابع بشكل مستمر ما يريده الولي الفقيه.

وحول الشرط الثالث، فعلى المكلف أن ينظر إلى القابليات المودعة فيه وليس إلى الطافات فقط. فقد تكون قدراته الحالية محصورة ببعض المهارات البسيطة أو أنه يجيد اختصاصاً عادياً، فهل ينظر إلى هذه القدرة ويحدد على أساسها تكليفه الخاص؟! وكمثال: إذا كان هذا المكلف لا يجيد من الأعمال إلا الطباعة على الآلة الكاتبة، فهل يحق له، على أساس هذا الشرط، أن يحدد تكليفه في أنه سيجاهد في سبيل الله بالضرب على الآلة الكاتبة!؟

لا شك في أن هذا المكلف بعيد عن الصواب، لأن الله تعالى أمرنا أن نعد أنفسنا من خلال ما أودع فينا من قابليات. وفي التكاليف الخاصة، يجب على الإنسان أن يلتفت إلى هذه القابليات، ويتعرف إليها جيداً، فيقوم على الأثر بإحيائها وتنميتها.
بعد الاطلاع على هذه الشروط نتعرف إلى معنى وجود المراتب في السالكين، ومعنى المسابقة في السير إلى الله.

فالاختلاف بين سالك وآخر لا يكون في الواجبات العامة لأن التارك للتكليف العام لا يعتبر سالكاً، وإنما يكون في الواجبات الخاصة حيث يمتاز الواحد عن الآخر في تحديد ما ينبغي أن يقوم به أولاً وفي عملية القيام به ثانياً.
يمكن لشخص ما أن يكون من الذين يؤدون تكليفهم على أكمل وجه دون الالتفات إلى التكليف الخاص، فإذا قيل له جاهد في سبيل الله فإنه يجاهد بعد أن يتلقى الأوامر، وهكذا.. وهناك شخص آخر لا يرضى أن يكون مجاهداً عادياً، بل هو يتحرك لأجل تنمية قدراته لأجل تفعيل دوره في العمل الجهادي، وخصوصاً أنه يرى الثغرات الكثيرة والحاجة الفعلية لأشخاص يمتلكون كفاءات عالية، وبين هؤلاء يوجد أيضاً تمايز في قوة الأخذ والسرعة وتكون النتيجة الاختلاف في السباق:  ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ *  أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾.

يريد كاتب هذه المقالة أن يفتح على حياة الإخوة القراء باباً واسعاً للتكامل، وهو لا يرغب في زيادة المعلومات أو المصطلحات في السوق، وأن هذا الباب الواسع قد فُتح بعد فتح باب العبودية الحقة، ويصبح فاقداً للمعنى بدون قيمة إذا أغلقنا باب العبودية وصراط الشريعة الإلهية.
لقد منّ الله علينا أن بصرنا بهذا الصراط، وعندما عرفناه وجدناه رحباً واسعاً في أفقه اللامتناهي الذي يصل إليه عزَّ وجلَّ: ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم.
وقد كنا في السابق نرى في التكليف عملاً لتحصيل الأجر والثواب تختلط فيه المفاهيم الغامضة المشوشة، واليوم وببركة ظهور الإمام الخميني قدس سره، علمنا أن أداء التكليف هو الطريق الوحيد للوصول إلى الله، أي الوصول إلى الكمال المطلق الذي تعشقه فطرتنا.
وعرفنا أيضاً، أن الحل الوحيد لجميع مشاكلنا وآلامنا هو في الغوص في ساحة التكليف.

إن التكليف الخاص هو المشروع الذي يقدمه المكلف إلى ولي أمره يعلن فيه عن البيعة الحقيقية العملية حيث يظهر لمولاه استعداده التام للقيام بأفضل خدمة للإسلام. وبعد ذلك عليه أن ينتظر جواب الولي ويعمل به ﴿وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع