تحقيق: هبة عباس
يعاني العديد من الأهل والمربين في مجتمعنا من آفات تربويّة بدأت تنخر في قوام سلوك وتصرفات أبنائهم، ولا سيّما مع الانفتاح الحاصل على آفاق تربوية غريبة، تصل إلى أولادنا عبر وسائط التواصل الاجتماعي وغيرها. وقد يؤدي غياب التخطيط اللازم لمناهج تربوية صحيحة إلى مشاكل خطيرة تؤثر مستقبلاً في جيلٍ بكامله. ومن هنا تأتي الحاجة إلى مؤسسات أو مراكز أبحاث تُعنى بمقاربة المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا من النواحي التربويّة والتعليميّة وطرح الحلول والمعالجات. وكمثال على هذه المراكز مركز "الأبحاث والدراسات التربويّة" الذي أسسه فضيلة الشيخ المربي مصطفى قصير العاملي رحمه الله الذي عُرف بسعيه الدائم لتطوير طرق التربية والتعليم.
بقية الله وللإضاءة على أهميّة التربية في مجتمعنا وضرورتها، التقت عدداً من الأهالي الذين تحدّثوا عن بعض مشاكلهم التربوية مع أبنائهم، وبالمقابل كان لها حديث مع نائب المدير العام لمركز الأبحاث والدراسات التربويّة الدكتور يوسف أبو خليل والمسؤول الإعلامي السيد حمزة مرتضى للحديث عن أهمية النشاط والدور الذي يقوم به المركز.
*مشاكل تربوية
يتحدث السيد أبو قاسم عن تصرفات ابنه العنيفة سواء مع أصدقائه في المدرسة أو مع إخوته في البيت، ما بات يؤثّر سلباً على تعاطي محيطه معه، وتزايد الشكوى منه في المدرسة. ويستغرب أبو قاسم تصرّفات ابنه مؤكداً أنه، كأب، لا يستعمل العنف في المنزل معتبراً أن مشاهدة الأفلام المتحركة، أفلام الكرتون أو ما تبثه الفضائيّات هو ما أدّى إلى تحوّل تصرّفات ابنه إلى تصرّفات عدوانيّة، مشدداً على ضرورة إصدار قانون رقابة يمنع بثّ أفلام العنف لما لها من تأثير سلبي على نفوس وعقول الأطفال.
الحاجة أم سلمان تعاني من مشكلة الخمول الزائد عند ولدها الذي يجلس لساعات أمام شاشة الكومبيوتر، وأضافت: "وسائل التواصل الاجتماعي من إنترنت وواتس آب وألعاب الآي باد هي من أكثر المشاكل التربوية شيوعاً بين الأطفال، والعديد من الأهالي يشكون منها، خاصةً في ظلّ عدم القدرة على حرمان الطفل منها بسبب عدم وجود بدائل ترفيهية للأطفال من منتزهات أو نشاطات رياضيّة وغيرها".
هذه عينة صغيرة من المشاكل التربوية الكثيرة التي يعاني منها أطفالنا والتي تستدعي دراسات وأبحاثاً لمقاربة المشكلة والتوصل إلى كيفية المعالجة، من هنا يأتي دور مراكز الأبحاث التربوية المختلفة ومنها مركز الأبحاث والدراسات التربوية الذي سنلقي الضوء على آليات عمله وأهدافه.
*مركز الأبحاث والدراسات التربوية: البداية والتأسيس
أوضح الدكتور يوسف أبو خليل، نائب المدير العام للمركز، أن فكرة تأسيس مركز الأبحاث والدراسات التربوية نشأت عند مجموعة من الباحثين والمتخصّصين التربويّين وفي مقدمهم سماحة الشيخ مصطفى قصير رحمه الله الذي أخذ على عاتقه هذا المشروع وأسّس له، وأضاف: "من أهم أسباب التأسيس ضرورة وجود مراكز أبحاث، إذ إن الشأن التربوي هو الشأن المعني ببناء الإنسان وبناء الحضارات، وحفظ الثقافات، وبالتالي كل مركز يعنى بالأبحاث التربوية هو ظاهرة خير لأيّ مجتمع إنساني".
وقد ميّز الدكتور أبو خليل بين مفهومي التربية والتعليم موضحاً: "هناك خلط بين مفهومَي التربية والتعليم في مجتمعنا العربي والإسلامي. لذا، كان من الأهداف الأولى للمركز التركيز على أهمية التربية، ويأتي التعليم كجزء من العملية التربوية".
بدأ المركز نشاطه في الأول من شهر نيسان 2013، ويضم 3 مديريات: مديريّة الأبحاث النظريّة، مديريّة الأبحاث الميدانيّة ومديريّة تطوير المناهج، وتتوزع نشاطاته على مختلف الصعد التربوية.
*النشاطات التربوية
فصّل الدكتور أبو خليل طبيعة هذه النشاطات قائلاً: "هناك إصدارات لكتب، إقامة حلقات بحثيّة لمواضيع تربويّة مختلفة وإقامة دورات تربوية وقد بلغ عددها تقريباً أكثر من 10 ندوات وحلقات بحثية، منها: دور وسائل الإعلام في تربية الطفل على القيم - التربية بالقدوة - المرتكزات المعرفية والفلسفية للعمليات التربوية - فلسفة التربية الإسلامية وغيرها"، مضيفاً: "نعمل حالياً على مشروع يدعى "مشروع مؤمّل الجامعي" الذي يعنى بدعم الأبحاث الجامعيّة التربويّة مادياً وعلمياً، كما يتم العمل حالياً على إنشاء مجلة تربويّة مختصّة هدفها الدراسات والأبحاث، كما نعمد إلى تعريب بعض الكتب التربوية الأجنبية لا سيما الفارسية، للاستفادة منها".
المركز، بطبيعته، يتوجّه إلى المتخصّصين التربويّين. هذا ما أوضحه الدكتور أبو خليل وأضاف: "هناك أنشطة تتوجه للمربين من معلمين وأهل، وجزء آخر يتوجّه للفئة الأكثر تخصّصاً في التربية. وإحدى سياسات المركز أن يكون جهة استشاريّة للمؤسسات التعليميّة والمدارس بموضوع الرؤى والمناهج التربوية والأنظمة الداخلية للمؤسسات التربويّة. كما أننا بصدد التعاون مع وزارة التربية والتعليم بالإضافة إلى المؤسسات التربويّة غير الرسمية".
وعن الصعوبات التي يواجهها المركز أكّد الدكتور يوسف: "إننا نعيش في مجتمع يعاني العديد من المشاكل التربوية لا سيما وأن هناك العديد من العناصر التي تدخل في إطار العملية التربويّة، منها المدرسة، والأهل، والمحيط الاجتماعي، وأخيراً العالم الافتراضي أو وسائل التواصل الاجتماعية. وهذه المشاكل تحتاج إلى تضافر جهود العديد من المؤسسات التربوية والتعليمية لا سيّما الرسمية منها، حيث لا يمكن لأيّ جهة بمفردها القيام بهذا العمل، فإذا ربّينا أطفالنا على مفاهيم الوحدة الوطنية، والقيم الأخلاقية، ونبذ الطائفيّة، والعيش المشترك وغيرها من القيم نصل إلى مجتمع معافى والعكس صحيح".
وعن الخطط المستقبلية أشار الدكتور أبو خليل إلى أن المركز يخطط للعمل على أبحاث تحت عناوين تربويّة مهمّة، منها: القيم الدينية السمحاء، العيش المشترك، الوحدة الوطنية ومحاربة الفتن الطائفية والمذهبية.
*اختصاص العلوم الإنسانية حاجة ماسة في المجتمع
وفي الختام دعا الدكتور يوسف أبو خليل الطلاب والمتخصّصين للالتفات إلى العلوم الإنسانية، لا سيّما التربوية منها، والتي لها علاقة بالواقع الحالي لمجتمعنا، مؤكداً أن العلوم الإنسانية ليست علوماً للفاشلين، بل هناك حاجة ماسة للمتخصصين في هذا المجال وهم قلّة حالياً، وقلة التوجه لهذا الاختصاص ليست دليل عافية، محذراً من أن عدم الاهتمام بالشأن التربوي ستكون له الآثار السلبية التي قد ظهرت وستظهر على المدى البعيد على مجتمعنا وأولادنا.
*نشاط المركز الإعلامي
من جهة أخرى وللإطلالة على نشاط المركز إعلامياً وخططه المستقبلية كان لنا لقاء مع السيد حمزة مرتضى المسؤول الإعلامي للمركز الذي أوضح أن الشريحة المستهدفة هي الشريحة النخبوية سواء المعنيين بالشقّ التربوي -التخصّصي أو المعنيين بالشقّ التعليمي- التربوي لافتاً إلى أن: "الدور الإعلامي للمركز هو دور مدروس ضمن سياسات تجعل هوية المركز تظهر للآخرين من خلال الحلقات البحثية والندوات الفكرية التي نقوم بها والتي تتمّ دعوة الوسائل الإعلامية لتغطيتها، أو الإصدارات العلمية كالكتب التخصصيّة التي تصدر عن المركز حيث أصدر المركز حتى الآن إصدارين: فلسفة التربية والتعليم في الإسلام – عقوبة الطفل في الإسلام، ومن خلال النشرة التربوية التي تصدر بشكل شهري وقد أصدر منها 19 عدداً حتى الآن"، مضيفاً: "أود الإشارة إلى أن الموقع الإلكتروني للمركز، والذي سيبصر النور قريباً، له أهداف عديدة منها: أولاً، التعريف بالمركز وبأنشطته التربويّة والفكريّة؛ ثانياً، الإعلان عن الإصدارات التربويّة ونتائج الأبحاث الميدانيّة الصادرة عن مركزنا؛ وثالثاً، عملية التفاعل الكتبي والبحثي وما له علاقة بعملية الاستشارات مع المركز، بالإضافة لتزويد وسائل الإعلام ببيانات أو أخبار أو تقارير عن أنشطة المركز العديدة والمختلفة، كما نتواصل أيضاً مع مختلف المواقع الإلكترونية ذات الصلة، والمعنيّة بالشأن التربوي".
*التطور التكنولوجي سريع.. والمسؤولية مشتركة
ولفت السيد مرتضى إلى أن العمل حالياً على المستوى الإعلامي منصبّ على إعداد بروشير للتعريف بالمركز وبأهدافه وسياساته، موضحاً أنّ من سياسات المركز التواصل مع المؤسسات التعليمية والتربوية المختلفة للتنسيق معها، والاستفادة من اقتراحاتها في ما يخص الشأن التربوي للوصول إلى مرحلة الوثيقة التربوية الإسلامية، ثم بعد ذلك مرحلة إعداد البرامج التربويّة.
في الختام، أشار السيّد حمزة إلى أنّ من أهم المخاطر التي يواجهها المركز حالياً، السباق مع الوقت، ومع التطوّر التكنولوجي السريع، ووضع البدائل التكنولوجيّة التربوية المناسبة لمختلف الشرائح العمريّة. وهذه مسؤوليّة مشتركة وتتطلب تضافر الجهود على مختلف الصعد التربويّة، والاجتماعيّة، والإعلاميّة، والجمعيّات الأهليّة والمجتمع المدني.