نبيلة حمزي
يغادر المريض الغرفة، وتتسارع دقات القلب معلنة البدء بالخطوات الأولى لإجراء العملية، حيث يلبس المريض ثوباً مصمماً مناسباً لها، بعدها يدخل إلى الجزء المغلق والخاصّ، فقط، بالطاقم الطبي من أطبّاء وممرّضين. يستلقي المريض على تلك الطاولة وتبدأ الممرضات بتجهيزه من فتح وريد إلى وصل أسلاك تلصق على الصدر، وملقط يوضع في أحد الأصابع. ويبدأ عمل طبيب التخدير بأسئلة تحاول رفع الخوف البادي على المريض...
فهل هذا الخوف الذي يظهر على غالبية المرضى مبرّر؟ وكيف يمكن التخلّص منه؟ إضافة إلى تساؤلات عدّة حملناها إلى الدكتورة نوال حلّال أستاذة جامعيّة ومختصّة بالأمراض النفسيّة والعقليّة. فدار بيننا الحوار التالي:
*لماذا الخوف من العمليات الجراحية؟
يخاف الناس، بشكل عام، من المجهول. والعمليات الجراحية واحدة من الأمور التي تعتبر مجهولة، كون أكثر الناس لا يعرفون كيف تتم، وما هي غرفة الجراحة، وما مدى خطورة العمل الجراحي. وهذا الخوف طبيعي ومبرّر، خصوصاً في العمليات الخطرة، كالقلب المفتوح.
إنّ لحظات ترقّب دخول غرفة العمليات، تطرح لدى المريض العديد من التساؤلات، وتصوّر له كثيراً من المشاهد التي ترتكز على أجواء العملية الجراحية، خاصة، أنه لا مفر له من التراجع. فغرفة العملية تعتبر مخيفة، كونها مكاناً مغلقاً والشخص يكون فيها وحده دون وجود أقربائه إلى جانبه، حتى لو كان المريض يعرف الطبيب الجرّاح.
وهناك نوع آخر من الخوف حيث يعتبر حالة مرضية ويعرف بـ"الرهاب المرضي"، وهؤلاء المرضى يتم التعامل معهم بطريقة مختلفة عن الأشخاص العاديين.
*كيف يجب أن يتعامل الطبيب مع مريضه قبل العملية؟
يجب أن يكون بين الطبيب المشرف والمريض صلة نفسية تتمثّل في ثقة المريض بكفاءات طبيبه، إذ إنّ خبرة هذا الأخير بموازاة أسلوبه السلس في التخاطب مع مرضاه تهيئ المريض لأن يجري العمليّة بهدوء. ويكون ذلك من خلال تواصل الطبيب المشرف معه، بشكل يبسّط في نظر المريض حالته الصحية على نحو واضح وشفاف.
ولهذا يحرص الطبيب عادة على وضع المريض في صورة متكاملة عن ظروف عمليته، محاولاً تبسيط الأمر بشروحات تعطي المريض فكرة عامة، حيث يؤكد الطبيب أن ظروف العملية ستكون سهلة لا تستدعي القلق من أي مضاعفات.
أما في حالة الرهاب المرضي فالمسألة تستدعي التنسيق المسبق مع طبيب المريض لإعطاء العلاج المناسب. وعندما يتبين للطبيب أن مريضه على استعداد للعملية الجراحية، وبعد الاطلاع على كشوفاته الصحية وتحاليله والتأكد من سلامتها، تأتي اللحظة الحاسمة.
* للممرّضات دور أساسي، إن كان في غرفة الاستشفاء أو أثناء نقل المريض إلى غرفة الجراحة. كيف ينعكس هذا الدور راحة وطمأنينة على المريض؟
يقوم الممرض أو الممرضة بدور هام في كافة المراحل التي يمرّ بها المريض، من خلال حسن المعاملة معه، والنبرة الهادئة، فيشعر أنه لن يدخل عالماً مخيفاً بقدر ما سيكون منفذاً له يخلّصه من المرض.
فمرحلة تحضير المريض إلى غرفة العمليات، تعزّز من جديد لديه الشعور بالاطمئنان، إذا أُحيط بأجواء مريحة ومشجعة، فيتأهّب لاكتشاف عالم "غرفة العمليات" باستقرار فكري وهدوء نفسي.
*هل هناك من نصائح سريعة للمريض؟
قبل الدخول إلى غرفة العمليات يكون تفكير المريض مركّزاً على الأمور السلبية التي قد يواجهها أثناء إجراء العملية وبعدها. لذا، يجب أن يشغل تفكيره بترتيب أموره الحياتية بعد الخروج من المستشفى "أنه سيعافى بإذن الله، وستنجح العملية، ويتحسن وضعه الصحي". وعلى المريض الالتفات إلى الامتناع عن تناوُل الكافيين أو المنبهات، وعليه، إن استطاع، أن يقوم ببعض التمارين الرياضية وخاصة المشي كونه يقلّل من التوتّر والقلق. وعند الدخول إلى غرفة العمليات ننصحه بقراءة سورة الفاتحة للتيسير.
*ما هو دور العائلة في هذه اللحظات؟
يجب أن تلعب العائلة دوراً هاماً في الدّعم النفسي والمعنوي للمريض، والتأكيد له أن العملية سهلة وضرب الأمثلة بتجارب نجحت فيها العملية، وعدم التشكيك بقدرة الطبيب الجرّاح إضافة إلى التأكيد للمريض أنهم ينتظرونه في الخارج وهم جاهزون لأيّ طارئ.
*دور طبيب التخدير أساسي في إنجاح العملية، فما هي مهامه؟
بعد تخديره للمريض، يبقى طبيب التخدير والإنعاش حريصاً على متابعة العمليّة من خلال تفحّصه للأجهزة المتعلّقة بدقات القلب والأوكسجين، ولا يغادر غرفة الجراحة إلّا بعد انتهاء الطبيب الجرّاح من العمليّة. وحين يتأكّد الطبيب الجرّاح أن ظروف الجراحة مرّت على ما يرام، ينقل المريض إلى غرفة الاستيقاظ، ويجب التأكد من أنّه لا يشكو من أي مضاعفات ناجمة عن التخدير، مثل: الغياب عن الوعي لمدة طويلة أو اختناقه أو ما يمكن أن يعيق ظروف استعادة وضعه الطبيعي. كما ومن الجيد مرور طبيب التخدير على المريض، في غرفة الاستشفاء قبل مرحلة التحضير لإجراء العملية.
*ما الخطوات التي يجب أن يقوم بها الجميع بعد إجراء العملية؟
في غرفة الاستيقاظ يبدأ المريض باستعادة الوعي تدريجياً ويتلاشى مفعول التخدير، ويسترجع إدراكه بمحيطه، ويظل فترة وجيزة في غرفة الاستيقاظ تحت إشراف الممرضين. ويحرص الممرضون، في هذه المرحلة، على أن ينعم المريض باستقرار نفسي. وبعدما يستعيد المريض وعيه بالكامل تبادر إحدى الممرضات إلى طمأنته على نجاح العملية، حتى تساعده على الشعور بالثقة وبأن وضعه الصحيّ قابل للتحسن في وقت وجيز. وهو ما يجب أن يقوم به الطبيب أيضاً.
وذكرت الدكتورة حلّال في ختام لقائنا بها أن العمليات الجراحية صارت بسيطة وسهلة لأنّ الإمكانيات الطبية أصبحت متطورة، إضافة إلى تطور الأدوية المهدّئة، والمسكّنة، والمانعة للالتهاب بعد إجراء العملية، فلم تعد العملية ذاك الأمر الصعب والمبهم.