صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

المسلمون في باكستان


لا شكّ أنّ الذاكرة العربية والإسلامية تختزن الكثير من أحاديث السند والهند، وهي بذلك كالنفس العربية والإسلامية يشتدّ بها الحنين إلى الأيام الخوالي حين كان المسلمون سادة العالم المتحضّر، لا تلين لهم شوكة ولا تغمز لهم قناة أبداً، ففيهم أهل المرابطة والثغور وأهل العلم والتُقى، وحضارة تضرب في أعماق التاريخ يحملها ما يفوق المئة مليون مسلم، يستقرّون فوق مساحة أرض تقرب من سبعمئة ألف كلم2.

فتح المسلمون باكستان "الهند" عام 132 ه /711 م على يد محمد بن القاسم الثقفي في العصر الأموي. ثمّ جاء العصر العباسي ودويلاته فسيطر الغزنويون عليها بين عامي 976 م و 1148 م وذلك قبل أن يقهرهم الغوريون عنها من سنة 1148 وحتى سنة 1206 تاريخ سيطرة المغول على الهند، وقد استمرّ حكمهم حتّى سنة 1857 م التي شهدت استعمار الإنكليز للهند.

* الاستعمار البريطاني
كانت باكستان والهند بلداً واحداً يخضع للحكم المغولي المسلم. وكان هذا الحكم قد بلغ شأواً بعيداً في التمدن والعمران أدّى إلى تخاذل أهله وركونهم إلى الدعة، فلم يتنبّهنا إلى مكائد عدوّهم بريطانيا التي أنشأت شركة الهند الشرقية وعملت على استثمار البلاد الهندية وخيراتها لرفد الخزينة الاستعمارية. وكانت هذه الشركة في نفس الوقت تُشكّل غطاءً للعمل السياسي البريطاني الذي تمكّن من إرساء سلطة استعمارية في الهند سنة 1857 م. وقد شهد هذا العام قيام ثورة عرفت بحرب الاستقلال، جاءت رداً على إبدال القوانين الشرعية، بالقانون الوضعي – الإنكليزي واللغة الفارسية باللغة الإنكليزية. إلاّ أنّ ثورة المسلمين قُمعت وفشلت في تحقيق أهدافها، فانسحب المسلمون من الحياة العامّة بقاعدتهم وقياداتهم الدينية منها خاصّة، التي حرّمت تعلّم اللغة الإنكليزية والعلوم العصرية منصرفين لعلومهم الدينية تجنّباً "للفتنة والتشبّه بالكفّار". كما ابتعد المسلمون عن دوائر الدولة مفسحين المجال أمام الهندوس، الذين كانوا بالأمس القريب عمّالاً ومستخدمين، أن يتبوؤا مناصب الحكم.

تنبّه لهذا الأمر رجل شهد حرب الاستقلال هو السيد أحمد خان سليل الأباطرة المغول الذين حكموا الهند – سلطنة دلهي – فوعى حقيقة المآل وشرع بإعداد الأجيال المسلمة تربوية وعلمياً للتعامل مع "السلطة" بشكل لائق خاصة حال ترك البريطانيين للهند. ولذلك فقد أسّس السيد أحمد خان في منطقة "أليغر" جامعة إسلامية كان لها الدور المشهود في تاريخ الهند العلمي والسياسي، كما قام بعقد المؤتمرات لتزويد المسلمين بالمبتكرات العلمية ومن أجل الإصلاح الاجتماعي.

وعلى الرغم من آفاقه السياسية وانطلاقته في المجالات العلمية الحديثة، فإنّه عارض مشاركة المسلمين السياسية تجنّباً من الاحتكاك بالإنكليز، مع كره للتعاون مع الهندوس.

وككل المجتمعات التي تنضج اقتنع المجتمع الهندي المسلم بضرورة التنظيم السياسي لتحقيق تمثيله العادل، فقام خمسة وثلاثون من زعماء المسلمين عام 1906 بمقابلة ممثل الملك وطالبوه بمنح المسلمين قوائم انتخابية منفصلة لخوض الانتخابات النيابية الهندية، لكنّ البريطانيين تأخّروا بالاستجابة للطلب. ولما كان التنظيم السياسي هو الخيار الوحيد فقد أسّس المسلمون بعد ثلاثة أشهر من مقابلتهم لممثل الملك البريطاني "حزب الرابطة الإسلامية لعموم الهند" في "داكا" "العاصمة البنغالية اليوم".

عندما رأى الهندوس المسلمين ينطلقون إلى مطامح كبيرة اتجهوا بالعلاقات مع هؤلاء إلى مرحلة من الصراع المرير. من تجلياته تأسيس الهندوس لحركتين هدفهما ردّ المسلمين إلى الهندوسية: فتصدّى لهم المسلمون وأنشأوا حركة "التبليغ والتنظيم" لأسلمة المجتمع الهندوسي، فكانت ذروة الاضطرابات في الهند.

انطلاقاً من الواقع المضطرب الذي شهدته الهند في العشرينات، بدأت تختمر لدى مفكّري الهند المسلمين فكرة إنشاء دولة للمسلمين دون أن يعبّروا عنها لسنوات، حيث جاءت الدعوة سنة 1930 م على لسان الشاعر محمد إقبال اللاهوري أحد منظري المسلمين في الهند. وكان محمد إقبال إلى شاعريته يتحلّى بحكمة بالغة وثقافة دينية فتريّث كثيراً قبل إعلانه تأييده للانفصال في اجتماع الرابطة الإسلامية في مدينة "الله آباد".

بعد ثلاث سنوات من إعلان إقبال هذا، ناصر هذه الدعوة طلبة مسلمون كانوا يدرسون في جامعة كمبريدج في بريطانيا برئاسة "تشوذري رحمت الله" واقترحوا اسماً للدولة هو "باكستان". إلاّ أن الرابطة الإسلامية لم تتبنّى الاقتراح لمراهنتها على إمكانية الاستمرار مع الهندوس في دولة تتمتع بشكل من أشكال الوحدة، خاصة وأنّ المسلمين كانوا حكام الهند ولم يكونوا جسماً طارئاً عليها. فلم يدعوا فرصة للمفاوضة والنقاش إلاّ وخاضوها وإن تكن تحت رعاية المستعمر البريطاني الذي كان يمالئ الهندوس ويجتبيهم.

وعليه، فقد عقد بين عامي 1930-1932 م مؤتمر الطاولة المستديرة في لندن لحلّ الأزمة الهندية لكنّه فشل، خاصة مع تشدّد حزب المؤتمر الهندي – أنشأه أحد الضبّاط البريطانيين – بخصوص تمثيل الأقليات في حكومة ما بعد الاستعمار. ولما تأكد للرابطة الإسلامية استحالة الاتفاق مع الهندوس، رفعت في مؤتمرها الأول للشؤون الدستورية – لاهور 23 آذار 1940 – مطلب دولة باكستان، الذي عرف فيما بعد "بقرار باكستان" الذي عارضته بقوة أحزاب إسلامية كالجماعة الإسلامية وزعيمها أبو الأعلى المودودي وجمعية العلماء المسلمين، لأنّهم رأوا أنّ بقاء المسلمين مع أخوتهم من المسلمين الهنود خير للدعوة الإسلامية.

* استقلال باكستان
كانت عموم الهند ترزح تحت الحكم البريطاني بمن فيها من المسلمين والهندوس، وكان الجانبان يسعيان إلى رفع نير الاحتلال عن كاهلهم، فتوحّدت الجهود لتحقيق الهدف مع ما يحيط به من هموم ومخاوف لدى الجانب المسلم. وقد أثمرت جهود الطرفين التزاماً بريطانياً بمغادرة الهند التي شهدت ككل بلد دخله الاستعمار قلاقل وانقسامات وصلت في الهند إلى شبه توافق على التقسيم بين دولتين هندوسية ومسلمة. وكانت الدولة المسلمة ضرورة عبّر عنها الزعيم المسلم محمد علي جناح بقوله: "إنّ سكان شبه قارة جنوب آسيا يكوّنون أمّة متميّزة، نحت أمّة بتراثنا وحضارتنا، بلغتنا وأدبنا، بفنّنا وهندستنا، بقوانيننا وقيمنا الأخلاقية، بعاداتنا وتقويمنا السنوي، بتاريخنا وتقاليدنا، بتطلعاتنا وطموحنا وباختصار، لدينا نظرتنا المتميّزة للحياة. نحن أمّة بكافة الأعراف الدولة" وكان استقلال باكستان أو بالأحرى إنشاؤها عام 1947 م.

* قضية كشمير
كانت كشمير ولاية من ولايات الهند ذات الأكثرية المسلمة ذات الحاكم الهندوسي، فلمّا جاء عهد التقسيم إنحاز الحاكم الهندوسي إلى الهند مع متابعته لاتصالاته مع باكستان إلى أن قام في نهاية الأمر بإعلان انضمام الولاية إلى الهند دون استفتاء سكانها، فأوجد ذريعة هندية لدخول أراضي كشمير عنوة تحت حجة المحافظة على الهدوء في الولاية، خلافاً للقوانين والقرارا الدولية الخاصة بتقسيم الهند. وانتهكت القوات الهندية حرمات المسلمين في كشمير وقتلت منهم حوالي 237 ألف مسلم كشميري. عندها هبّ رجال القبائل الباكستانية للدفاع عن أخوانهم فحرّروا جزءاً من البلاد يُعرف اليوم بجمهورية كشمير الحرّة. وكانت هذه الاعتداءات ضدّ حقوق الشعب المسلم تتمّ بدسائس بريطانية كان من مظاهرها إن الحاكم العام البريطاني على الهند "مونتباتن" أشرف بنفسه على عملية الإمداد الجوي للهنود في سرينغار، متصرّفاً كقائد عسكري هندي أكثر منه حاكماً عاماً بريطانياً.

كشمير من أجل بقاع الدنيا طبيعية، ومن أكثرها خيرات. فيها أنهار كثيرة، أكبرها: السند وجهلم وجناب. وتروى وادي البنجاب. والمنطقة استراتيجية بين الهند والصين وباكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى، وقد تسبّبت هذه الخاصية الجغرافية – السياسية لكشمير بتسعير الأطماع الهندية وشنّ حربين ضدّ باكستان مع اعتراف الهند على لسان رئيس وزرائها جواهر لال نهرو عام 1963 بعدم شرعية احتلالهم كشمير:"إنّ هدفنا هو منح شعب كشمير الحرية لكي يُقرّر مستقبله بطريقة سلمية بغية عدم إثارة قلاقل..."

وقد نصّ قرار لمجلس الأمن الدولي على وجوب إجراء استفتاء حول كشمير جاء فيه: "يُوصي حكومتي الهند وباكستان باتخاذ التدابير المبّنية أدناه باعتبارها مناسبة في نظر مجلس الأمن للتوصّل إلى وقف القتال وتوفير الظروف المؤاتية لإجراء استفتاء عام حرّ ونزيه يتقرّر من خلاله انضمام ولاية جامو كشمير إلى أي من الهند وباكستان".

* انفصال بنغلادش

كانت باكستان ومساحتها 947.700 كلم2 تنقسم إلى باكستان الغربية وهي الحالية وباكستان الشرقية وتعرف اليوم بنغلادش، وبينهما الهند ونظراً للظروف الجغرافية والسياسية بدأت الهند دسائسها للإيقاع بين قسمي البلاد الشرقي والغربي حتّى تمكّنت من ذلك في بداية السبعينات فخاضت إلى جانب بنغلادش حرب الانفصال سنة 1971. وقد تزعّم عملية الانفصال رئيس حزب "رابطة عوامي" مجيب الرحمن الذي قُتل فيما بعد.

* الشعب الباكستاني وطوائفه
يرى بعض العلماء أنّ أهل الهند يرجعون في أصولهم إلى سكّان سوماطرة وأوستراليا وسيلان الذين يتميّزون بأنوف عريضة وبشرة سمراء، كما أنّ لغات الهند ترجع بأصولها إلى لغات المحيط الهادئ والهندي.
بعد هؤلاء الشعوب الأصلية، وصلت إلى البنجاب قبائل آرية واستوطنت "سبننا سندهو"، وأقامت الحضارة "الرحفيدية"، التي تميّزت بخلوها من نظام الطبقات الذي شهدته حضارة وادي "الغانج". وينقسم الشعب الباكستاني اليوم إلى عدّة مجموعات هي: البنجابيون "56.1%" الباشتون "25.2%"، السنديون "22.6 بالمئة" إضافة إلى بعض الأقليات أهمها البالوش.

من الناحية الدينية فإنّ الأكثرية الساحقة من الباكستانيين هم من المسلمين "75% سُنّة، 25% شيعة"، وهناك بعض الأقليات المسيحية والهندوسية والسيخية والبوذية والبارسية والقاديانية وغير ذلك.

* النظام السياسي والإداري
تتكوّن باكستان من أربعة أقاليم هي "البنجاب" و "السند" و "الحدود الشمالية الغربية" و "بلوشستان" إضافة إلى منطقة العاصمة الاتحادية "إسلام آباد" والمناطق الخاضعة للإدارة الاتحادية مباشرة.
يعين الرئيس الباكستاني رؤساء الإقليم بناءً على نصيحة رئيس الوزراء. ولهذه الأقاليم حكومات ومجالس نيابية منتخبة من قِبل شعوبها أمّا من الناحية الاتحادية فإنّ الرئيس الباكستاني يعيّن الوزراء كافة بموجب نصيحة من قِبل رئيس الحكومة.

وتتكوّن الوزارة من اثنين وعشرين وزيراً أصيلاً وثلاثة عشرة وزير دولة يشترط فيهم جميعاً أن يكونوا نواباً أو شيوخاً في المؤتمر الباكستاني الاتحادي.
وتتوزع الحكومة الباكستانية والحكومات المحلية السلطات فلا يدخل في المهام الاتحادية إلاّ الأعمال الوزارية المعلّقة بالشؤون الدولية.

ويعتمد النظام الإداري في باكستان تقسيم المناطق إلى أقاليم ومقاطعات ومحافظات ثم إلى أقضية، فنواحٍ، فقرى.

وحيث تبلغ نسبة الأميّة حوالي سبعين بالمئة من مجموع الشعب، فإنّ النظام السياسي الباكستاني شهد اضطرابات في بعض الفترات أبرزها انقلاب الرئيس الأسبق "محمد ضياء الحق" ضدّ الرئيس "ذو الفقار علي بوتو"، حيث شهدت باكستان خلال هذه الفترة العسكرية تراجعاً في حرية الرأي والتعبير عنه.

وتشهد باكستان اليوم عملاً سياسياً كبيراً يتمثّل من جهة في وجود الكم الكبير من الأحزاب السياسية أهمّها: حزب الشعب الحاكم وهو ذو خطّ اشتراكي "أسّسه ذو الفقار علي بوتو وتقوده اليوم عائلته"، وحزب الرابطة الإسلامية ذو الخط التقليدي المتحالف من الجماعة الإسلامية، والحركة الجعفرية وأمينها العام السيد ساجد نقوي.

* التعليم
لا شكّ أنّ التعليم في باكستان لا يفي بمتطلبات الشعب الباكستاني على الرغم من تقدّمه وازدهاره ومجاراة نتائجه لنتائج أحدث الأنظمة التعليمية، والسبب الأساس في هذا المجال ضعف الدعم المادي لشعب يفوق تعداده المئة مليون نسمة يتمركز جلّه في الريف، ويتطلّب قبل التعليم جهوداً جبّارة لإنارة البيوت وإيصال مياه الشفة فضلاً عن البنى التحتية الأساسية لتقدّمه المدني والحضاري. وكما تقدّم فإنّ نسبة الأمية في البلاد مرتفعة بحدود السبعين بالمئة من إجمالي الشعب، أدناها في منطقة العاصمة الاتحادية "49%" وأعلاها في منطقة بلوشستان "79.3%".

* الخاتمة
إنّ باكستان وعلى الرغم من كلّ الصعوبات التي تواجهها وعلى الرغم من الفساد السياسي الذي تشهده وقد تشهده، فإنّها تبقى مناصرة لقضايا الشعوب الإسلامية والعربية بدرجة كبيرة بعد أن كبر تخاذل الدول وشعوبها عن نصرة دينها ومبادئها. ولقد لُمس تعاطف الشعب الباكستاني المسلم مع قضايا الأمة الإسلامية في مواطن كثيرة، أثبتت أن باكستان جزء أساس من الأمة الإسلامية رغم مأساة كشمير وتحامل العالم عليها دون وجه حقّ.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع