السيد علي عباس الموسوي
من الوظائف الأساس والتكاليف المهمّة التي يرى المسلم أنّ عليه أن يُعنى بأدائها، وظيفةُ الدعوة إلى الله عزّ وجلّ، فبعد أن يهتدي إلى سبيل الرشاد، عليه أن يتّجه لهداية الآخرين إلى الحق.
وقد حثّ الله عز وجل في كتابه الكريم المؤمنين المهتدين على ذلك، وأبان في آياته الأساليب التي ينبغي أن تحكم تلك الوظيفة، كما كشف عن الأهداف والغايات التي على حامل لواء الدعوة إلى الله أن يجعلها نصْب عينيه ويسعى للوصول إليها.
وطريق الدعوة إلى الهدى، طريق شاق، وذلك لأنّك تتعامل مع الناس على أساس مخاطبة العقول والنفوس، ففي خطاب الدعوة لا بد وأن تتحدّث مع الناس بلغة البرهان والاستدلال وعليك أن تنتظر أن يتحوّل ذلك إلى قناعات تجعل تلك النفوس تخضع للحق، وتسلّم له، وهذا أمر متقوّم بالاختيار الذي خصّ الله به هذا الإنسان من بين مخلوقاته، فلا إيمان عن إكراه وإجبار.
وقد كشف القرآن الكريم في سياق بيانه لأداء هذا التكليف الإلهي عن أنماط الناس إزاء دعوتهم للهدى. فمنهم من يسعى ليجد العذر والمبرّر في بقائه على الكفر من تقليد الآباء أو عدم الاقتناع أو المطالبة بما لا حكمة في الاستجابة لما يَطلب وغير ذلك. ولكنّ صنفاً ونمطاً من الناس، يحدّثنا عنه القرآن، هو النمط الذي يقفل الباب تماماً أمام الهدى معتمداً على العناد أو النفور النفسي من دعوة الحق. هؤلاء الذين لا تتحمّل نفوسهم حتّى الاستماع إلى كلمة الحق التي تقال لهم. ولهؤلاء مصاديق في كلّ زمان وفي كلّ دعوة حقٍ توجّه إليهم. ويفسّر لنا القرآن الكريم السبب في هذا النفور حتّى من ذكر الله عزّ وجل وعدم القدرة على سماع ذكر الله الذي هو الحقّ المحض، المنسجم مع فطرة الإنسان وعقله السليم. وهذا السبب يرجع إلى تعطّل أهم وسائل المعرفة لديهم والمتمثلة بأمرين:
1 - القلب أو العقل الذي تكاثفت الحجب عليه، فهي تعطّل كلّ فعالية لديه، فلم تعد لكلمة الحق - على الرغم من جلائها ووضوحها وقوة بيان أهل الحق لها - القدرة على النفوذ إلى تلك الحجب، لأنّ قابلية القابل أقفلت تماماً.
2 - الآذان أو حاسة السماع وليس المراد أنّ بها صمماً كالذي نراه في بعض المصابين بالداء المادي المعروف، بل إنها آذان السماع إلى الحق وقد ملئت وقراً، أي حاجباً عازلاً يمنع حتى من الاستماع للحق.
إنّ تعطل أداتَي المعرفة هاتين يهدم كل ما في هذه النفس من فطرة إلهية مزروعة في الخلقة الإنسانية فيستبدل حالة الإقبال على الاستماع للحق والقبول به إلى حالة نفورٍ تعكس سلوكاً عملياً قبيحاً متمثلاً في أن يصبح هذا الإنسان من أصحاب النفور من الحق أو كما يصفهم القرآن الكريم بأنهم يولّون الأدبار. وقد قال تعالى في كتابه مبيناً ذلك في الآية 46 من سورة الإسراء: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً﴾.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.