مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أول الكلام: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً

 السيد علي عباس الموسوي


عندما نتحدّث عن أفراد النوع الإنساني نجد لكلِّ فردٍ شخصيّته الخاصة به، والتي هي نتاج مجموعة من العوامل والأسباب التي صقلت هذه الشخصية وحدّدت لها معالمها الخاصة بها.
ولو تجاوزنا الأفراد لنبحث عن الجامع المشترك بين كلِّ مجموعةٍ منها لوجدنا أنّ شخصيّةً عليا تجمع صفات خاصة تشكِّل عنواناً لها، فنطلق عناوين: الشخصيّة الإيمانية، الشخصيّة الجهادية والشخصية الولائية.


ويتبدّل هذا العنوان ليصبح مفهوماً نموذجاً، يسعى الإنسان للالتحاق به، فيشكّل القدوة له، ويسعى لتوفير الأسباب والعوامل التي تجعله مصداقاً له. وهذا ما يفسّر لنا اختياريّة الإنسان في تقرير مصيره، وأن الله عزّ وجل جعل لهذا الإنسان الحق في أن يتّخذ قراره في صناعة مستقبله المبني على صناعة شخصيّته الخاصّة به.

إن التربية والبيئة - صغيرة كانت، تتمثل بالأسرة أم كبيرة، تتمثل بالمجتمع - لهما تأثيرهما الخاص على بناء هذه الشخصيّة. ولكن الأساس، قبل هذا كله، هو المعرفة. فإن تأثير المعرفة والعلم يغلب على تأثير التربية والبيئة، فترى الفرد مؤمناً من بيئة بعيدة عن الإيمان، وليس ذلك إلّا لأن المعرفة أخرجته منها لأنها الأقوى والأشد تأثيراً.
وإنما حثَّ الإسلام على اكتساب العلم والمعرفة وفضّل أهل العلم على غيرهم، ودعا الإنسان إلى أن يجعل في كل آن من عمره باباً للمعرفة لما لها من دور في الوصول إلى الخيار الصحيح.

ولذا، تكرّر في القرآن وصف أصحاب الخيارات الخاطئة من أهل الشّرك والضلال بأنهم لا يعلمون وأنهم جاهلون. والنموذج الذي يستعرضه القرآن الكريم في قصّة خليل الله إبراهيم عليه السلام يحكي عن غلَبة عنصر المعرفة والعلم على كل المحيط الذي كان يعيش فيه النبي إبراهيم عليه السلام، فلم يكن ليخضع لتأثير البيئة المحيطة به، بل تغلّب عليها بالمعرفة التي لديه.

وينطلق الإنسان، بعد بناء شخصيته السليمة، على ضوء المعرفة والعلم إلى تغيير المجتمع والمحيط، كما فعل النبي إبراهيم عليه السلام، فبدأ حواره مع قومه بتنبيههم إلى خطئهم الناشئ عن جهلهم.
والتأكيد الذي نجده في قصة النبي إبراهيم عليه السلام، وقصص غيره من رسل الله، هو أن يتجه صاحب إرادة التغيير إلى العمل على تبديل ثقافة الناس وتنمية معرفتهم والأخذ بها في الاتجاه الصحيح.
ولذا، تقع المسؤولية على كل فرد في أي مكان أن يتّجه، بعد أن يحدّد خياراته الإيمانية، إلى نقل هذه الخيارات إلى محيطه من خلال استنفاد كافة الوسائل الممكنة والمتغيّرة من عصر إلى عصر في سبيل إنقاذ مجتمعه.

ولأنّ العلم لا يقف عند حدّ، والمعرفة تزداد في كل يوم، فإنّ مسؤوليّة هذا الفرد، أن يكون في حالة سعي دائم للتواصل مع مصادر المعرفة والاتصال بها وملازمتها.
ولأنّ المعرفة العليا هي تلك التي تنزل من عند الله عزّ وجلّ، لا بدّ أن يتوسّل الإنسان بتلك الأبواب التي فتحها الله عزَّ وجل للوصول إلى معرفةٍ ربّانيّةٍ من خلال تزكية النفس وتهذيبها، والإخلاص المستمر الذي يفتح ينابيع الحكمة من القلب إلى اللسان.

وهذا ما نطق به النبي إبراهيم عليه السلام حتّى بعد أن دعا قومه للهدى، وفتح لهم أبواب المعرفة حيث توسّل إلى الله أن يهبه الحكمة وهي التي تجعله في ديمومة الطلب للمعرفة والعلم قال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (الشعراء: 83).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع