مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر



إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما من أسمى الفرائض وأشرفها بهما تقام الفرائض ووجوبهما من ضروريات الدين، والمنكر لهما من الكافرين، وبالواقع لا نستطيع أن نجد تعبيراً لبيان مكانتهما العالية ومنزلتهما السامية أبلغ وأوفى مما صدر عن أهل بيت النبوة والعصمة الذين استشهدوا من أجل هذا الأصل ولا ينبئك مثل خبير.


قال إمام الموحدين عليه السلام: "وما أعمال البر كُلِّها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي".
..وعن الآمر الناهي أيضاً عليه السلام: "قوام الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود". قال الإمام الباقر عليه السلام: "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج العلماء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأَمن المذاهب وتحلُّ المكاسب وترد بها كل هذه الأمور هي بحق من أهم الفرائض بالضرورة ومن أوجب الواجبات.

* شرائط الوجوب
- الشرط الأول: العلم بالمعروف والمنكر. فيجب على الآمر والناهي أن يكون عالماً بالمعروف والمنكر. وعالماً بأن الفاعل يعرف ذلك أيضاً، ومع ذلك يعصي ويخالف عمداً بلا عذر شرعي، فالعلم بهما شرط الوجوب كالاستطاعة في الحج فكما لا حج بلا استطاعة كذلك لا أمر ونهي دون علم بموارد الأمر والنهي وبناءً عليه يجب على جميع المكلفين بالأمر والنهي أن يكونوا على اطلاع وافٍ ودقيق على مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يجوز لمن يعرف الحكم بشكل كلي أو عام أن يتصدى وإلا وقع المكلف بما هو محذور وترك ما هو مفروض نعم لا مانع من القيام بالأمر والإنكار في الأمور البسيطة المعروفة بالأساليب المناسبة شرعاً وعرفاً المحتملة التأثير وغير المنفرة.
 

- الشرط الثاني: احتمال التأثير
إن فرض الأمر بالمعروف وتشريعه هو لغرض مخصوص قطعاً وهو حمل الغير على المعروف ونهيه عن المنكر "فرض الله الأمر بالمعروف مصلحة للعوام والنهي عن المنكر ردعاً للسفهاء" "الإمام علي عليه السلام" فلو علمنا بعدم تأثر فرد أو جماعة بالأمر أو النهي يسقط الوجوب، لكن يبقى الوجوب مع احتمال التأثير.

مسألة: إذا علم المكلف أن الأخ أحمد أو الشيخ حسن له تأثير على فردٍ ما أو على الجماعة الفلانية وهو لا يدري أن هذا الفرد أو هذه الجماعة واقعة في المنكر، أو أنه يدري لكنه بحاجة إلى من يدفعه، وجب عليه إعلامه والطلب إليه أن يقوم بالأمر والإنكار.

مسألة: إذا علم أن إنكاره لا يؤثر إلا مع الموعظة الحسنة وجب عليه الأمر كذلك".

مسألة: إذا كان التأثير لا يحصل إلا بالتكرار وجب التكرار، فلو كان هناك شخص يشرب الخمر مثلاً واحتملنا أن التأثر لا يحصل من المرة الأولى، لكنه واقع في الثانية والثالثة وجب علينا نهيه، بل أكثر من هذا لو فرضنا أنه لن يتأثر اليوم لكن بعد أسبوع أو شهر مثلاً كما لو كان هناك شارب خمر وقطعنا أنه لن يترك كأس الخمر الذي بيده لكنه سيتأثر بالكلام بعد هذا الموقف وجب علينا أمره ونهيه.
وهنا لا بد من القول أن التأثير يجب علينا تحصيله بأي طريقة مشروعة. فلو فرضنا مثلاً أن تنظيم أمور الحوزات العلمية من حيث التبليغ والدرس موجباً لتقدمهم في مقاصدهم الدينية ولازدياد توجه المسلمين إلى علماء الدين وإقبالهم على الدين الحنيف وجب عليهم ذلك التنظيم.
 

أيضاً لو كانت كتابة المطالب الدينية بإنشاء خاص وأسلوب معين موجباً لمزيد التأثير في توجه المسلمين إلى المعروف وأقصائهم عن المنكر، أو تضليل المنكر وجب على العلماء القادرين الكتابة بهذا الأسلوب مع عدم انشغالهم بما يعادله في الأهمية. وبهذا تتميز كتب الإمام الخميني قدس سره وكلامه وخطبه بين الناس.
 

- الشرط الثالث: الإصرار على الاستمرار
من شرائط الوجوب الإصرار، فيمكن أن يخالف الفرد مرة ثم يترك المخالفة، فلو ظهر على المخالف التوبة والندامة أو قامت بينة شرعية مستندها محسوس عندها يسقط الأمر والإنكار. والمراد من الاستمرار هو ارتكاب المعصية ولو مرة أخرى لا الدوام فلو شرب شخص مسكراً وقصد الشرب مرة ثانية وجب النهي.
 

- الشرط الرابع: عدم الضرر
لو علم المكلف أن إنكاره موجب لضرر عليه أو على أحد متعلقاته من مالي وعرضٍ وأقرياء سقط عنه والظاهر إلحاق سائر المؤمنين بهم أيضاً، وشرط هذا الخوف لا يكون عاملاً لتذرعٌ الكثيرين فهناك بعض المسائل كتوقف إقامة الحجة على الناس بما يرفع الضلالة عنهم على بذل النفس أو النفوس فالظاهر وجوبه. فإن عدم إقامة الحجة وقوع الناس في الضلال وانحرافهم عن الصراط السوي أعظم عند الله من بذل النفس وعليه ليس في كل مورد يخاف فيه على النفس والعرض والماس يسقط الوجوب.

* مسألة: لو وقعت بدعة في الإسلام وكان سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب - أعلى الله كلمتهم - موجباً لهتك الإسلام وضعف عقائد المسلمين وجب عليهم الإنكار بأي وسيلة ممكنة سواء كان الإنكار مؤثراً في قلع الفساد أم لا. وفي هذا المقام لا يلاحظ الضرر والحرج بل تلاحظ الأهمية.

* مسألة: لا يجوز أن يتولى العلماء وأئمة الجماعة مدرسة من المدارس الدينية أو المساجد من قبل الدولة الظالمة تحت أي غطاء وبأي صورة من الصور لأن في ذلك مفسدة عظيمة في الأجل القريب.

* التوبة:
من الواجبات التوبة من الذنب. فلو ارتكب شخص حراماً أو ترك واجباً وجبت عليه التوبة فوراً، ومع عدم ظهورها منه وجب أمره بها. كذلك لو شك في توبته وهذا غير الأمر والنهي فلو علم المكلف أن الشخص الفلاني ارتكب محرماً لكنه غير مصر عليه، لا يجب أمره ونهيه لأنه غير مصرٍ لكن يجب بالنسبة إلى أمره بالتوبة لو علم عدم صدورها منه أو شك في توبته.

* مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

لقد اتفقت عبارة الفقهاء - أعلى الله مقامهم - على كون مراتب الإنكار ثلاثاً: الإنكار بالقلب واللسان واليد.
- المرتبة الأولى: الإنكار بالقلب:
 وهي أن يظهر منه عدم الرضا وإظهار الكراهة القلبية، بحيث يدفع الآخر إلى فعل المعروف وترك المنكر. وفي هذه المرتبة درجات كتغميض العين أو العبوس في الوجه أو الأعراض بوجهه أو هجره وقطع صلته.
 

لو حصل المطلوب من الأمر والنهي في هذه الدرجة لا يجوز الانتقال إلى غيرها كذلك. فلو حصل بالدرجة الأولى العبوس مثلاً لا ينتقل إلى قطع صلته وهجره.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "أدنى الإنكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة".
 

- المرتبة الثانية: الإنكار باللسان.
لو علم المكلف أن المقصود لا يحصل بالمرتبة الأولى يجب عليه الانتقال إلى الثانية مع احتمال التأثير، وهي استخدام اللسان من أجل الحصول على المطلوب وفيها أيضاً درجات، أولاً القول اللين والموعظة والإرشاد، استخدام الكلام الأيسر فالأيسر مع احتمال تأثيره، الغلظة في القول والتهديد والوعيد على المخالفة.
قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين. ومن هنا لا بد من ملاحظة أنه لا يجوز الانتقال إلى الكلام الغليظ إذا كان المطلوب يحصل بالليِّن منه، وبالنهاية أنها مسألة يشخصها المكلف فهناك فرق بين أمر وآخر وبين مأمور وآخر.

- المرتبة الثالثة: الإنكار باليد.

وهو المرتبة الأخيرة حيث تستخدم القوة من أجل الأمر بالمعروف أو الردع عن المنكر. وفي هذه المرتبة درجات كالحيلولة دون وقوع الحرام، والضرب والجرح والعطب والقتل وننتقل إلى هذه المرتبة عند علمنا أن المطلوب لا يحصل بالعترتبتين السابقتين حيث نستخدم القوة مع مراعاة الأيسر فالأيسر، فلا يجوز لنا الإيذاء أو الجرح أو القتل إلا إذا اقتضى الأمر ذلك وفي معظم هذه الأمور نكون بحاجة إلى إذن الولي الفقيه ولا يجوز لأحد المكلفين إيذاء أو جرح أو قتل أي فرد دون إذن إلا في حالات نادرة كما لو كان هناك شخص يريد قتل نفسٍ محترمة فيجب ردعه حتى لو أدى ذلك إلى قتل المهاجم.

مسألة: إذا استدعى الإنكار الحجز والتضييق أو المنع من الخروج يجوز ذلك بحسب مراتب الإنكار.

يقول الإمام الخميني قدس سره في الأمر والناهي: ينبغي أن يكون الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر كالطبيب المعالج المشفق والأب الشفيق المراعي مصلحة المرتكب، وأن يكون إنكاره لطفاً ورحمة عليه خاصة وعلى الأمة عامة وأن يحدِّد قصده لله تعالى ولمرضاته، وأن لا يرى نفسه منزهة ولا لها علواً أو رفعة على المرتكب، فربما كان للمرتكب صفات نفسانية يحبها الله وأن بغض عمله والأمر عكس ذلك وأن خفي على نفسه. "تحرير الوسيلة - بتصرف".

يقول الإمام الخميني قدس سره أيضاً من أعظم الأفراد القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأشدهم تأثيراً من كان من علماء الدين ورؤساء المذهب - أعلى الله كلمتهم - المتخلقين بأخلاق الأنبياء والروحانيين، وإلا كان وجودهم وكلامهم داعياً للجرأة على المعاصي فالعالم يحمل فعله على الصحة مع الاحتمال وإلا أعرضوا عنه ورفضوه فإنه غير عالم تلبس بزي العلماء وهو شيطان في رداء العلماء نعوذ بالله من مثله ومن شره على الإسلام.
 

قال الآمر الأعظم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع