مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

ميلاد الروح

يا رب
أسألك بحقك وقدسك وأعظم صفاتك وأسمائك أن تجعل أوقاتي من الليل والنهار بذكرك معمورة وبخدمتك موصولة وأعمالي عندك مقبولة حتّى تكون أعمالي وأورادي كلّها ورداً واحداً وحالي في خدمتك سرمداً.


هذه الكلمات المقتطعة من دعاء لأمير المؤمنين علي عليه السلام وهو دعاء معروف يقرأ ليلة الجمعة.
يبين أمير المؤمنين في هذا الدعاء أنّ الأذكار ليست فقط هي التي تترنّم بها ألسنتنا بل هي أيضاً ترانيم الأعمال التي نقوم بها خالصة لله.
وعندما يري الإنسان نفسه على أن يبقى يقظاً ويشعر أنّ في قلبه اندفاعاً كبيراً نحو مكان العظمة من صفات الله وأسمائه، وعندما يصل بذلك إلى معرفة حقّ الله تعالى وقدسه فإنّه يصبح بكلّ وجوده يتوسّل به ويحترق من أجل أن يصبح في خدمته، فيتخلّص من أغراضه الشخصيّة ليصبح ليس له إلاّ غرضاً واحداً أن يكون مع الله ليلاً ونهاراً وتصبح الأوقات كلها في خدمة الله متواصلة غير منقطعة، وتكون في حقيقتها في روحها في سرها القلبي خالصة لوجهه، لتكون عنده مقبولة، لأنّ الأعمال عندما تكون لله فإنّها تصل إلى الله سبحانه فيتقبلها، وعندما يكون الإنسان في أعماله لا يهدف رضا الله، وعندما يكون أحدنا غافلاً عنه تبارك وتعالى فإنّ هذه الأعمال سترفع إلى الله في كتاب غير كتاب الأعمال الإلهية، ربما في كتاب النفس والشيطان.
وطبيعي أنّ الأعمال التي لا يكون الدافع فيها لله فإنّها لا تحسب في هذا الكتاب.

ومن المفترض أن نعلم أنّنا لا نستطيع أن نجعل أعمالنا لله إلاّ إذا منّ الله بذلك علينا. ولو أنّنا اشتغلنا مع أنفسنا طوال عمرنا لنصلحها بقدرتنا فإنّنا سوف نزداد انحرافاً وإذا عدنا إلى الله وطلبنا ذلك بخضوع صادق فإنّنا سوف نبلغ مرامنا.
أجل إنّ الأعمال الخالصة لوجه الله هي من أعظم الذكر وإنّ الأذكار اللسانية من دون العمل تصبح نفاقاً ولا تقع محل رضا المولى تعالى بل تقع محل المقت والإقصاء والإبعاد عن ساحته سبحانه. وعندما تكون الأعمال ورداً من الأوراد، وتكون أوراد اللسان ذكراً لله أيضاً، فإنّ الأعمال والأوراد تكون ورداً واحداً لا فرق، وحال العبد تكون في خدمة الحق جلّ وعلا بصورة مستمرّة وسرمدية. وفي ميدان العمل نحن الآن نعيش الغفلة عن هذا كلّه فمع بداية الشباب وقبل تراكم متطلباتنا الدنيوية كنا أقرب إلى الله.

ترى لماذا؟ ولماذا أيضاً كلما غرقنا أكثر في العمل في الساحة الإسلامية كلما غفلنا عن الله أكثر وقست قلوبنا أكثر. هل وصلنا إلى النتيجة التالية أنّ الأعمال التي تكون لله تقرب منه، والأعمال التي لا تكون لله حقيقة فإنّها سوف تكون مبعدة عنه، يقول الإمام زين العابدين وسيد الساجدين عليه السلام:"وإنّ الراحل إليك قريب المسافة وإنّك لا تحتجب عن خلقك إلاّ أن تحجبهم الأعمال دونك".
ترى ما هي معاصي العاملين؟ يبدأ الشباب وليس له تعلّق يذكر بهذه الدنيا ثمّ يصبح له زوجة وبيت ثمّ أطفال ومتطلبات لازمة من أموال وأشياء لا بدّ منها، وهكذا تصبح هذه الأمور تعلقات دنيوية جديدة للشباب بعد أن لم تكن.
في مرحلة الشباب لم يكن العمل لأجل المال والأولاد ولكن فيما بعد يصبح للمرء تعلق شديد بالمال لأجل العيال. ونتيجة لإهمال النفس وتهذيبها تقلب الدوافع من العمل لله للعمل في سبيل المال والعيال وفي هذه الحال أين نكون أصبحنا؟ ولو قرأنا ي هذه الحال دعاء كميل طول عمرنا فهل يكون حالنا في خدمة الله سرمداً.

قد يسأل بعضنا نفسه لماذا لا أذهب إلى صلاة الجماعة، لماذا لا أهتمّ بتعلّم الأحكام، لماذا لا أعتني بتهذيب نفسي، لماذا لا أحضر الدروس، لماذا صلاتي هكذا أحسها فارغة بينما في بداية الشباب كان وضعي أفضل؟ وقد يجيب أنا اليوم غارق بالواجبات والأعمال قد يغش نفسه ويقول أنّني استنفد كلّ وقتي في العمل. ولكن يجب أن نعلم أنّ هذا هو سرّ الابتعاد عن الله حيث تخلّينا عن تهذيب أنفسنا بحجّة العمل.
أخطر شيء على الشباب عندما يكبرون ويصبحون في مركز المسؤولية ويصبح لديهم الجاه والمكانة، ويصب بحث بعضهم عن المال شديد لأجل حفظ جاهه الدنيوي. وهاتان الخصلتان الجاه والمال كما يقول الإمام الصادق عليه السلام: "ينبتان في النفس النفاق كما ينبت الماء البقل".

إنّ كلّ واحدٍ منا بحاجة اليوم إلى إعادة النظر في نفسه، وليعلم بأنّه قد أصبح لشجرة الدنيا في نفسه جذور ضاربة، وأنّه إذا أراد التخلّص من بعض الأشياء والتي اعتادت نفسه عليها فإنّه سيشعر بالخسارة وألم الفراق والحسرات.
ولكن إلى متى نبقى هكذا غافلين والآجال عجولة لا تبطئ بحال، ألم يصبح من اللازم أن نحل الأغلال والأصفاد المشدودة على أنفسنا؟
لماذا نرفض حياة الغربيين وندعي أنّنا نعمل لبناء مجتمع مختلف بينما نتشبه بهم بغالب الأشياء؟ إنّنا بهذه الصورة نوشك أن نفقد حلاوة الإيمان ولذيذ مذاقه والتي هي من عظيم النعم علينا. ثمّ ماذا سنورث أطفالنا وأجيالنا القادمة من القيم الإسلامية إن كنا قد أهملنا أنفسنا. وفاقد الشيء من أين يعطيه؟
وأنّ المسؤول المبتلى بحب الجاه والمال ماذا يمكن أن يورث من حوله ومن يؤثّر بهم. إنّ علينا جميعاً تقع مسؤولية الأمر بالمعروف والإصلاح وتهذيب النفس، وإلاّ فلا يبعد أن يتخلّى الله تبارك وتعالى عنّا.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع