مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

البراء بن عازب:المحبّ لله ولرسوله

ظافر قطيع

﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا
(الفتح: 18).

خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت، ولم يكن له قصد قتال ولا حرب، "وساق معه الهديَ وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه وليعلم الناس أنه إنما خرج زائراً لهذا البيت ومعظّماً له"(1)، فصدّته قريش، ولأنّ المسلمين الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما خرجوا معتمرين لا مقاتلين،

 وخشية من أن يتطوّر الأمر إلى القتال فقد وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين أمام حقيقة الموقف، فوقف تحت شجرة "فطلب من المسلمين تجديد البيعة في قتالهم المشركين"(2)، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن لا يقصروا في قتال المشركين وأن لا يفرّوا من القتال. وكان من هؤلاء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة البراء بن عازب.

*نسبه ونشأته

البراء بن عازب بن عدي بن جشم الأنصاري الحارثي الخزرجي كنيته أبو عمارة. أسلم مع قومه الخزرج يوم دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإيمان، وكان صغير السن(3). وقد شهد هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهجرة أصحابه إلى المدينة المنورة. يقول البراء:

 "أوّل من قدم علينا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يُقرئان الناس القرآن. ثم جاء عمار بن ياسر وبلال بن رباح وسعد بن أبي وقاص... ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما رأيت الناس فرحوا بشيء قطّ فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد جاء"(4).

*جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بدر، وخرج معه المسلمون من المهاجرين والأنصار، كان من بينهم البراء بن عازب. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الصفوف ردّه صلى الله عليه وآله وسلم فلم يشهد بدراً. فعن أبي أسحاق عن البراء بن عازب أنه سمعه قال: استصغرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا وابن عمر فردّنا يوم بدر فلم نشهدها(5).


إلّا أنّ أوّل مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يوم الخندق وقيل أُحُد. وقد غزا البراء بن عازب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثماني عشرة غزوة، ومن ذلك قوله: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثماني عشرة غزوة ما رأيته ترك ركعتين حين تزيغ الشمس في حضر ولا سفر"(6).

ويوم الحديبية حين وقفت ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال صلى الله عليه وآله وسلم: حبسها حابس الفيل، قال الرسول للمسلمين انزلوا فقيل له: يا رسول الله ما بالوادي ماء ننزل عليه. فأخرج سهماً من كنانته فأعطاه رجلاً من أصحابه فنزل به في قليب (بئر) من تلك القُلُب فغرزه في جوفه فجاش بالرَّواء (ارتفع ماؤه). وكان البراء بن عازب يقول: أنا الذي أرسل معه النبي صلى الله عليه وآله وسلم السهم إلى قليب الحديبية، فجاش بالري (7). وقد قيل غيره الذي ذهب بالسهم.

وكان البراء بن عازب يتحدث عن الفتح يوم الحديبية فيقول: أنتم تعدّون الفتح فتح مكة وقد كان فتحاً، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان(8).

مرّت المشاهد التي شهدها البراء بن عازب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين. وقد كان يومها جيش المسلمين كثير العدد فقال بعضهم: لن نغلب من كثرة قط. وقد ظنوا أنّ النصر إنّما كان يأتي بالعدد والقوة، فأراد الله أن يستيْقنوا بأن النصر من عند الله وليس من عددهم،

 فانهزموا وانكشفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولّوا الأدبار هاربين إلّا قليل من المؤمنين. وقد أنزل الله في ذلك قوله:

﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِين (التوبة: 26-25).

وقد عاتب رجل من المسلمين البراء: "قال لنا رجل أفررتم عن رسول الله يا أبا عمارة؟ قال: لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن ولّى سَرْعان الناس تلقتهم هوازن بالنبل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بغلته يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"(9).

*معرفته الحق ومعرفته أهله
كان البراء بن عازب من أولئك الذين آمنوا بالله وبرسوله، فعرفوا الحق والتزموه، وعرفوا قدر أهل بيت النبوة، فعظموا قدرهم، والتزموا سمتهم، واهتدوا بهداهم. فعن البراء بن عازب قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم واضعاً الحسن بن علي على عاتقه وهو يقول: اللهم إني أحبُّه فأحبَّه"(10)،

فحمل في قلبه حبهما ومضى به في حياته ليلتزم أهل البيت الذين هم منارَة الهدى في ليل الفتن. ولهذا فإنّه، وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان من الذين التزموا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وأتمروا بأمره، وقد شهد مع أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام الجمل وصفّين والنهروان ثم نزل الكوفة ومات بها أيام مصعب بن الزبي(11).

كان البراء بن عازب من قوم أحبهم الله ورسوله، وأحبوا الله ورسوله، فعزّروه، ونصروه، واتبعوا النور الذي جاء معه. فعن البراء بن عازب: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأنصار: لا يحبّهم إلّا مؤمن ولا يبغضهم إلّا كافر، من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله..(12).

وقد علّمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلمات، فعن البراء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: "ألا أعلمك كلمات تقولها إذا أويت إلى فراشك فإن مُتَّ من ليلتك متّ على الفطرة وإن أصبحت أصبحت وأنت بخير؟ تقول: اللهم إني أسلمت نَفْسي إليك ووجّهت وجهي إليك وفوّضت أمري إليك رغبةً ورهبةً إليك، وألجأت ظهري إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلْت وبنبيك الذي أرسلت"(13).

 


1.السيرة النبوية، ابن هشام، ج3، ص337.
2.تفسير الأمثل، الشيخ ناصر الشيرازي، ج16، ص443.
3.الاستيعاب، ابن عبد البر القرطبي، ج1، ص239.
4.السيرة النبوية، ابن زيني دحلان، ج1، ص273.
5.أسد الغابة، ابن الأثير، ج1، ص172.
6.الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج4، ص368.
7.السيرة النبوية، م.س، ج3، ص239.
8.السيرة النبوية، م.س، ص503.
9.صحيح الترمذي، الترمذي، ج3، ص117.
10.أسد الغابة، م. س، ج2، ص12.
11.الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج4، ص341.
12.فضائل الصحابة، النسائي، ص68.
13.السنن الكبرى، النسائي، ج6، ص194.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع