السيد علي عباس الموسوي
يقوم الاجتماع الإنساني على أساس العدل؛ فبالعدل قامت السموات والأرض. ولا يكتب لمجتمع الديمومة والبقاء إلا في ظل العدل. وأما المجتمع الظالم فلا يُكتب له الاستمرار، مهما علا شأنه أو اتّسع نفوذه أو قويت شوكته.
يظنّ الكثير من الناس أنّ طريق العدل ينحصر في السلطة بشكل عام أو في السلطة القضائية بشكل خاص، وينسى هؤلاء أنّ العدل فعلٌ للفرد وفعلٌ للجماعة، أي كما ينبغي للعدل أن يكون حاكماً على عمل السلطة، وعلى عمل كلِّ من يتولَّى أمراً من أمور الناس، فكذلك على الفرد أن يكون عادلاً في كلّ فعلٍ يقوم به، وإن لم يكن في السلطة وإن لم يتولَّ أمراً من أمور الناس.
كما أنّ دائرة العدل في حساب كثيرٍ من الناس تتّصل بالحقوق الماديّة، فكأنّ ظلم الإنسان لغيره ينحصر في سلبه مالاً أو أرضاً أو غيرهما، أو في الجناية عليه بالتعدّي على جسمه بالقتل أو الجرح، ويغفل كثير من الناس عن سعة دائرة العدل، فكلُّ ما فيه تعدٍ على حق الآخر، وجناية عليه هو ظلم ومخالف للعدل، حتّى تلك الكلمة الصغيرة التي تصدر عنك وتصف بها الآخر ولا تكون حقاً ولا بحقٍّ ولا عن حقٍّ، هي نوع من أنواع الظلم الذي يُحاسب عليه الإنسان والذي يجعله مستحقاً لأن تترتب عليه الآثار التكوينيّة للظلم من الحكم بالفناء والزوال.
إنّه ظلم مغفول عنه، قد يودي بالإنسان في الدنيا وفي الآخرة، وهو لا يشعر به، بل قد يَكسب الإنسان في ظلِّه عداوات وبغضاء دون أن يدرك أنّه السبب في ذلك، وأنّه صدر عنه عن إرادة واختيار أوقعه في ذلك.
وإذا انقلبت هذه الظاهرة إلى ظاهرة اجتماعية، أي أصبح تناول الناس بالأوصاف الظالمة أمراً مُستساغاً، أصبح المجتمع ظالماً وإن لم يكن بكلِّ أنواع الظلم، بل بنوعٍ من أنواعه فقط.
والمشكلة تعظمُ عندما يتجرّأ الإنسان فيمارس هذا النوع من الظلم في حقّ الله ورسوله وكتابه ودينه المنزَل هدىً للناس؛ فعندما تنسب إلى الله عزّ وجل ما لم يقله، وتتجرّأ في دعوى أنّك من أصحاب الرأي فتتجرّأ بذلك على الله عزَّ وجلّ أو على رسوله أو على دينه، فإنّك بذلك تقع في ظلم عظيم قد يكون أعظم من الظلم المادي الذي قد يُمارسه آخرون بحقِّ آخرين من سلب مال أو حق.
إنّ استسهال التنظير في شأن الدين، وتحكيم العقول القاصرة في نسبة أفكار ونظريّات للدين يُمثِّل نوعاً من أنواع الظلم الذي لن يُترك ولن يهمل، بل إنّ الله عزَّ وجلّ يكفل التصدي لأمثال هؤلاء الظالمين. ولو أنّ الله عزَّ وجلّ أمهل هؤلاء فلحكمةٍ قضت بذلك وليس لإهمال منه عز وجل.
وهذه الآية تنطق بوضوح بما لهؤلاء الممارسين لهذا النوع من الظلم من عذابٍ أليم، بل هو ويل، وأن مصيرهم لا بد وأن يكون الهلاك، قال تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ (الأنبياء: 18).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.