آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآملي
إقامة العدل الإلهي هي البرنامج الأساس الذي يحمله الوجود المقدس لولي العصر أرواحنا فداه. وإذا كان العالم متعطّشاً لظهور الإمام وحضوره، فذلك لأنه يتعطش لعدله. وإذا كان هناك بركة في الثورة الإسلامية، فهي لأنها تطلب عدالة ذلك الوجود المقدّس.
*الإمامة عهد الله
المسألة الأولى، إن القرآن الكريم عندما تحدث حول الإمامة، ذكّر بالعنصر المحوري لها وهو ما جاء في القرآن الكريم : ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة:124)
وهذا يعني أنّ الإمامة عهد الله الذي يجب أن يصل إلى من يليق به حيث لا تصل الإمامة إلى الظالم، ولا إلى الجاهل، ولا تصل إلى الفاسق لأن العنصر المحوري في الإمامة والقيادة هو العدل ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾. والظلم الحقوقي في هذا العنوان هو المصداق الأبرز.
*لا ينال فيضَه الظالمين
وبما أن الوجود المبارك لإمام العصر (أرواحنا فداه) هو لإمام وخليفة الله لذلك يجب عليه مراعاة أصل
﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ إذا ما أراد إعطاء منصب لشخص أو إبلاغه بأمر أو إيكال شأن من الشؤون إليه، فمن غير الممكن أن يصل عهد الله إلى العادل، وعهد العادل إلى الظالم، لذلك ستكون النيابة العامة أو الخاصة عن الإمام لشخص وصل إليه عهد الإمام.
وهكذا يكون من فيوضات الإمام الخاصّة: حكم نصرة الإمام والكون في عداد جنوده، أضف أن الذي يرغب أن يكون تلميذاً للإمام ومحققاً وباحثاً حوله، والذي يرغب الحديث عنه وتقديم مقال حوله كل ذلك أيضاً من فيوضات الإمام الخاصة. وهنا أيضاً، تأتي عبارة لا ينال فيضُه الظالمين لتوضح أحوالنا.
فنحن، الذين نعمل ونبذل الجهود في هذا المضمار. ونحمل أمل وصول عهده إلينا، وأن تكون له التفاتة نحونا، ندرك أن الإمام لا يولي عنايته للظالمين، لأنه ينقل الفيض إلى المجتمع بتلك اليد التي تلقى فيها عهد الله. وبهذا النحو ينقل فيضه إلى الطلاب والعلماء، سواء أكانت النيابة عامّة أم خاصّة. في النهاية، فإن الذي يرغب بالاتصال بالوجود المبارك لولي العصر، عليه أن يدرك أن عهده لا يصل إلى الظالمين.
*الإمامة في أهل الإحسان والعدل
إن الوجود المبارك للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ينتمي في نسبه إلى إبراهيم الخليل وقد بشّر الله تعالى بإمامة أبنائه العدول فقال:
﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾، وهو المثل الأعلى للعدل والإحسان في المجتمع الإنساني. لذلك سيكون بالتأكيد مشمولاً بفيض الله الخاص وبالتالي يثبت أن الآية الشريفة
﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ في حقه، لأن الآية تشير إلى وجود إبراهيم عليه السلام الذي طلب الإمامة لذرّيته وقد خاطبه الله تعالى مبيّنًا له أنّ من ذرّيته، من هو عادل، ومنهم من هو فاسق، وأنّ الظالم لا ينال عهد الإمامة، بل الإمامة تصل إلى أهل الإحسان والعدل.
إنّ الوجود المبارك لولي العصر (أرواحنا فداه) هو من ذريّة إبراهيم الخليل أيضاً وهو بالإضافة إلى ذلك من أهل العدل والإحسان، فهو مشمول بالآية وإطلاقها وهو يحمل الإمامة الإلهية بناءً على الآية.
*مثلث العدالة المبارك
المسألة الأخرى، إنّ العمل الهام الذي يقوم به الإمام هو إقامة العدل وهو ما يحتاج إلى مثلث مبارك، يقع طرفان منه على عاتق الإمام وواحد أساسي على عاتقنا.
يصبح المجتمع عادلاً والحكومة عادلة إذا كان القانون عادلاً والقائد عادلاً والأمة طالبة للعدل. إذا كان هناك إشكال في القانون أو منفذ القانون أو المجتمع، عند ذلك لن تكون الحكومة عادلة. وقد تحقق الأصلان الأوّلان في الحكومة الإسلامية لآل بيت العصمة والطهارة، أي أن القانون الإلهي هو على أساس العدل ولا طريق للظلم إلى حرم هذا القانون الآمن، والظالم باطل ولا طريق له إلى حريم القرآن:
﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ (فصّلت:42)، و﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾ (الكهف:49).
وآل البيت عليهم السلام هم العدل المجسم. إذاً، القانون قانون عدل والقائد قائد عادل والإشكال في المجتمع فقط. من هذه النقطة تبدأ وظيفتنا فيما يتعلق بالإمام، أي إذا كان المجتمع غير عادل وغير طالب للعدل وإذا لم يقم العدل العلوي والمهدوي.
*أمير المؤمنين عليه السلام في أمّة لم تطلب العدل
كان الإمام أمير المؤمنين يمتلك قانوناً، والقانون هو الذي يمثل العدل الإلهي. والإمام عليه السلام بنفسه كان التجسيد الحقيقي للعدل إلا أن أمته لم تكن طالبة للعدل. جاء في نهج البلاغة أن الإمام تحدّث في إحدى خطبه قائلاً: "ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها وأصبحتُ أخاف ظلم رعيتي"1.
إذا كان الحاكم بمستوى علي بن أبي طالب، ولكن الناس لم ترافقه بنفس المستوى عند ذلك لن تتحقق حكومة العدل، لأن المثلث الذي يمتلك ضلعين ويفتقد الثالث فهو ليس بمثلّث. العدل الإسلامي يتطلب مجتمعاً عادلاً وحكومة عادلة وقانوناً عدلاً.
إذا كان الوجود المبارك لأمير المؤمنين عليه السلام بحيث إنه كان يملك قانوناً عدلاً وحاكماً عادلاً لكن المجتمع مجتمع ظالم عند ذلك ستحصل حروب الجمل والنهروان وصفّين وسيكون أمامنا الشهادة والاغتيال والدماء.
إذا تحدّثنا عن أمير المؤمنين عليه السلام فلن نجد أعلى منه سوى الوجود المبارك للرسول صلى الله عليه وآله وسلم. والله تعالى لم يخلق مثيلاً له في غير أهل البيت ولن يخلق وقد اعترف الأصدقاء والأعداء بهذا الأمر. استمرت حكومة الإمام خمس سنوات، فرضت عليه فيها ثلاث حروب واختتمت بالاغتيال حتى أن الإمام وضح في كلامه أن مشكلته ليست في القانون وليس في شخصه، بل في أمته.
وأوضح أن الفرق بينه وبين أهل الدنيا في الماضي والحال والمستقبل وأن الناس تخاف الحاكم، وهو يخاف الناس!
الخوف هنا لا يقابل الشجاعة، بل الخوف في مقابل ظلمهم. أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها وأصبحت أخاف ظلم رعيتي! من هنا قيل لنا إنكم إذا أردتم انتظار الإمام وإذا أردتم له الظهور وأردتم منه إقامة العدل والاستفادة من عدله عليكم أن تطلبوا العدل.
1- نهج البلاغة، خطبة رقم 49.