مع الخامنئي | التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام* تسابيح جراح | من الانفجار... وُلد عزّ لا يُقهر عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1) مناسبة | التعبئة روح الشعب الثوريّة مجتمع | متفوّقون... رغم الحرب آخر الكلام  | إلى أحمد الصغير القويّ قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام سيرة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم نموذجُ الحياة الطيّبة الإمام عليّ عليه السلام مظهرُ العدالة والإصلاح برّ الوالدين في سيرة أهل البيت عليهم السلام

قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام

سكينة أبو حمدان


رفع الإسلام من شأن الزوجيّة، فجعلها صلة أبديّة، قوامها المحبّة وأساسها المودّة والرحمة، يقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 21).
فلا يستقيم زواج إلا برغبة الطرفين معاً في إنجاح هذه العلاقة المقدّسة. في سياق هذه السطور، سنعرض بعضاً من نماذج العلاقة بين أئمّة أهل البيت عليهم السلام وزوجاتهم، ليكونوا نموذجاً في حياتنا يُقتدى بهم في الحياة الزوجيّة.

 
• الوفاء والتقدير

هذا يعني البقاء على الودّ من الزوج تجاه زوجته، والعكس صحيح. يبرز المثال الأعلى في حياة أهل بيت النبوّة عليهم السلامنموذج الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وزوجته السيّدة خديجة عليها السلام، وما كان منها من بذل مالها ونفسها في سبيل الإسلام، ووقوفها إلى جانب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في بداية الدعوة والحصار الذي فُرض على المسلمين آنذاك. ولم يكن الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم يخفي حبّه للسيّدة خديجة عليها السلام، وكان دائم الذكر لها حتّى بعد مماتها، وفي كثير من المواضع شكر الله تعالى على منّه بها عليه، وممّا ذكره: «إنّي رُزقت حبّها»(1)، فليس معيباً على المرء أن يذكر فضائل زوجته، فيمدح خيرها، وعملها، وما قدّمت لبيتها ولأمّة نبيّها من مال وثروة وجهد.
في الحياة العمليّة التي نعيشها، وما تحمله من ظروف حياتيّة واجتماعيّة واقتصاديّة قاسية في أيّامنا هذه، فإنّ هذا الواقع يتيح فرصةً للزوجة لتساند زوجها وتدعمه معنويّاً وأحياناً ماديّاً. وإنّه من مصاديق المودّة تُجاه هذه الزوجة المضحّية، أن يذكر زوجها فضائلها وعطاياها، لا من منطلق المنّ، بل لحفظ جميلها وتقدير عطاءاتها، وهذا ما يُشعر العائلة ككلّ بنوع من الرضى لجهة تقدير كلّ فرد منهما لما يقدّمه الآخر، لأنّ الزوجة حين تطمئن تسكن، وتعطي من دون مقابل.

• المعونة في الأمور الحياتيّة
أفضل نموذج في هذا المجال هو الإمام عليّ والسيّدة فاطمة عليهما السلام، إذ تذكر كتب السيرة أنّ الإمام عليه السلام كان يعينها عليها السلام في الأعمال المنزليّة. وقد ورد عنه عليه السلام في ثواب ذلك أنّه قال: «دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة عليها السلام جالسة عند القدر، وأنا أنقّي العدس، قال: يا أبا الحسن، قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: اسمع، وما أقول إلّا ما أمر ربّي، ما من رجل يعين امرأته في بيتها، إلّا كان له بكلّ شعرة على بدنه، عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، وأعطاه الله من الثواب ما أعطاه الله الصابرين، وداوود النبيّ ويعقوب وعيسى عليهم السلام. يا عليّ، من كان في خدمة عياله في البيت، ولم يأنف، كتب الله اسمه في ديوان الشهداء، وكتب الله [له] بكلّ يوم وليلة ثواب ألف شهيد، وكتب له بكلّ قدم ثواب حجّة وعمرة، وأعطاه الله تعالى بكلّ عرق في جسده مدينة في الجنّة»(2).
فلا تنحصر مساعدة الزوج للزوجة في الأجر المادّيّ فقط، بل بما تشكّله من توادٍّ وتراحم بينهما، وإضفاء جوٍّ من الألفة والتعاون ينعكس على الأسرة بأكملها، وهو ما يسهم لاحقاً في بناء مجتمع متعاون ومتآلف كما أراده الله سبحانه وتعالى.

• الحلم والرحمة
تبرز أهميّة هذا العنوان في الظروف القاسية التي تمرّ فيها الأسر عامّةً، من ظروف صحيّة، وماديّة، واجتماعيّة، وغيرها. فضلاً عن غياب الانسجام التامّ بين الزوجين، في بعض الأحيان، لاختلاف طباعهما وعاداتهما وتربيتهما، وما يسبّبه ذلك من خلافات بينهما. من هنا، كان من الضروريّ أن يختار الرجل زوجة تخاف الله فيه، وتختار المرأة زوجاً يخاف الله فيها، تحفظه ويحفظها من غير أن يسيئا إلى بعضهما بعضاً حتّى لو كره أحدهما الآخر. فعن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام حين استشاره رجل في تزويج ابنته، قال: «زوّجها من رجل تقيّ، فإنّه إن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها»(3).
ليس بالضرورة حين انعقاد الزواج أن يكون الزوجان في حال من الانسجام التامّ، وقد يحصل خلاف يؤدّي إلى افتراقهما، لكنّ الأهمّ أن يحفظ كلّ منهما أخلاقه ودينه والعِشرة التي جمعتهما؛ فلا يفضح أحدهما الآخر، لأنّ الظروف قد تفرض عليهما أن يستمرّا في العيش معاً في بيت واحد، حتّى من دون انسجام. هنا، يعلّمنا أئمّة أهل البيت عليهم السلامأن يبقى المرء على عهده بالله بالمعاشرة الطيّبة الحسنة: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ (البقرة: 229).
وقد ورد في سيرة أهل البيت عليهم السلام أنّ بعض زوجات الأنبياء والأئمّة لم يكنّ مؤمنات بالرسالة، ومع ذلك، لم يذكر التاريخ أنّ أحداً منهم بادر زوجته بالسوء؛ فامرأة النبيّ لوط عليه السلام، مثلاً، وكذلك امرأة النبيّ نوح عليه السلام، لم تكونا من أهل الإيمان، وامرأة الإمام الحسن عليه السلام ، جعدة بنت الأشعث، دسّت له السمّ بأمر من معاوية(4).
وقد عُرف الإمام الحسن عليه السلام بالحلم والرحمة والإحسان. فعن أنس: حيّت جارية للحسن بن عليّ عليه السلام بطاقة ريحان، أي استقبلته بالريحان، فقال لها: «أنت حرّة لوجه الله، فقلت له في ذلك، فقال عليه السلام: أدّبنا الله تعالی، فقال: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحسَنَ مِنهَا﴾ (النساء: 86)، وكان أحسن منها إعتاقها”(5).

• التهيئة بالمظهر الحسن
هذه المسألة غاية في الأهميّة، فكما هو مطلوب من الزوجة التزيّن لزوجها والتطيّب له، والظهور بمظهر حسن أمامه، فقد دعا أئمّتنا عليهم السلام الزوج إلى أن يستميل قلب زوجته بهيئته الحسنة، ونظافة بدنه، وخلوّه من المنفّرات، وقد روى الحسن بن جهم: “رأيت أبا الحسن الثاني عليه السلام اختضب، فقلت: جعلت فداك، اختضبت؟ فقال: نعم، إنّ التهيئة ممّا يزيد في عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيئة. ثمّ قال: أَيَسرّك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قلت: لا. قال: فهو ذاك، ثمّ قال: من أخلاق الأنبياء التنظّف والتطيّب”(6).
إنّه من غير المنطقيّ أن يطلب المرء من غيره شيئاً لا يطبّقه على نفسه؛ فإنّ المظهر الحسن من أسباب التودّد والقرب بين الزوجين. فضلاً عن أنّ المرأة تشعر في تودّد زوجها إليها بطمأنينة وسكون، من خلال إظهار حبّه لها ورغبته فيها، وهذا الأمر يضفي على العائلة بشكل عامّ جوّاً من الأنس والسكن الروحيّ.
إنّ أئمّتنا عليهم السلام هم القرآن الناطق، يصدر عنهم كمال الفعل وأحسنه، فنقتدي بهم، ونتطلّع لأن تتشبّه أخلاقنا بأخلاقهم في مجالات حياتنا كلّها.

 

1. الأنوار الساطعة، السيلاوي، الصفحة 277.
2. مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 13، ص 48.
3. مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص 204.
4. يراجع: بحار الأنوار، العلّامة المجلسي،
ج 44، ص 135.
5. المصدر نفسه، ج 43، ص 343.
6. الكافي، الشيخ الكليني، ج 5، ص 567.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع