أخلاقنا | الغضب نار تأكل صاحبها* فقه الولي | من أحكام الخُمس في وجه كلّ شرّ... مقاومة تسابيح جراح | كأنّي أرى تاريخ الشيعة | نفوذ شيعة لبنان في ظلّ الدولة العثمانيّة* شبابيك اجتماعيّة | بيوت نظيفة... شوارع متّسخة! آخر الكلام | “ ما أدري!” الافتتاحية | لو كانت الزهراء عليها السلام بيننا! هل يدرك الذكاء الاصطناعيّ الله؟ برمجةُ «الروبوت» فرص حياة جديدة

مهارات | عندما يكون الخجل جداراً

داليا فنيش


تخيّل أن تدخل مكاناً تعرف كلّ من فيه، لكنّك فجأةً تشعر أنّك لست من هذا العالم. كلّ العيون عليك (أو هكذا تظنّ)، قلبك ينبض بسرعة، صوتك يختفي، وتبدأ بالتفكير: «ماذا لو قلت شيئاً سخيفاً؟ ماذا لو ضحكوا؟». تنسحب بصمت، وكأنّك تحاول الاختفاء.

هذا هو الخجل؛ سجن داخليّ بابه ليس مقفلاً، لكنّه يبدو كذلك في عيني صاحبه.

* الخجل ليس عيباً
قبل أن تحكم على نفسك أو على من تحبّ بأنّه ضعيف لأنّه خجول، توقّف لحظة. الخجل لا يعني الجُبن ولا يدلّ على نقص في الذكاء أو الكفاءة. إنّه ببساطة ردّ فعل نفسيّ يمرّ فيه الكثير من الناس، خصوصاً في مواقف جديدة أو حين يكونون محطّ أنظار الآخرين.

لكن الفرق بين من يبقى عالقاً في هذا الشعور ومن ينجو، هو: الفهم، والتمرين، والمواجهة.

* الفرق بين الحياء والخجل
يجدر التفريق بين الخجل الذي يُعدّ جداراً عازلاً في المجتمع، وبين الحياء الفضيلة الأخلاقيّة التي تدفع صاحبها إلى ترك كلّ ما هو قبيح، وفعل كلّ ما هو جميل، وهو كما روي عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا إيمان لمن لا حياء له»(1)، فهو شعبة من شعب الإيمان ودليل على عقل الشخص ودينه، ويحمله على محاسبة نفسه وتجنب ما يُغضب الله وما يُسخط الناس.

هذه الفضيلة مطلوبة، لكن ما نتحدّث عنه وننبّه منه هو الخجل النفسيّ الذي يصبح عائقاً لك.

* كيف يتشكّل الخجل؟
لا يولد الإنسان خجولاً. الطفل الصغير يدخل مجلس الكبار بثقة؛ يسأل، يضحك، يشارك. لكن مع مرور الوقت، وتكرار التجارب المحبطة، أو التوبيخ المستمرّ، أو السخرية أمام الآخرين، يبدأ في بناء «درع وهميّ» اسمه: الخجل.

وهذا الدرع قد يحميه في البداية من الألم، لكنّه يمنعه لاحقاً من النموّ والتفاعل.

* ما الذي يجعلنا نخجل؟
الخجل لا يأتي من فراغ، بل غالباً ما يُصنع من مزيج دقيق من التجارب والتأثيرات. دعنا نعرضها ببساطة:

1. ما نحمله في داخلنا: قد يحمل أحدنا بعض الأمور في داخله التي تسبّب له الخجل، مثل:
أ. شعور بالنقص بسبب مظهر خارجيّ أو عيب جسديّ.
ب. ذكريات مزعجة لتجارب فاشلة أمام الآخرين.
ج. تفكير مفرط في «كيف يراني الناس؟».
د. حساسيّة زائدة تجاه آراء الآخرين.

مثال: شاب خجول منذ الصغر بسبب تعليق جارح على شكل أنفه في المدرسة. كبر وهو يظنّ أنّ الجميع يحدّق في وجهه.

2. المواقف التي تضعنا تحت الضوء: ثمّة مواقف معيّنة توقظ فينا الخجل، مثل:
أ. أن يُطلب منّا التحدّث أمام جمهور.
ب. مقابلة أشخاص غرباء.
ج. الجلوس وسط مجموعة لا نعرفها جيّداً.
د. أن نكون تحت الرقابة أو التقييم.

هذه «عوامل موقفيّة» أي ظرفيّة، وهي لحظات حاسمة تشبه الوقوف على حافّة، فإمّا أن نتراجع عنها، وإمّا أن نقفز نحو التغيير.

3. البيئة التي نشأنا فيها: تُسهم البيئة في خلق الشعور بالخجل نتيجة عوامل عدّة، مثل:
أ. أسرة منعزلة أو قليلة الاختلاط.
ب. آباء وأمّهات يُسكتون الطفل دائماً: «أسكت، لا تفضحنا».
ج. جوّ من المقارنة القاسية بين الإخوة.
د. أو حتّى العكس: تدليل مفرط يجعل الطفل غير مهيّأ لمواجهة الحياة الواقعيّة.

* كيف يبدو الشخص الخجول؟
الخجل لا يُرى بسهولة، لكنّه يُشعَر به. بعض مظاهره:

1.صمت غير مبرّر في الحديث.

2.تجنّب الاجتماعات والمناسبات.

3.التردّد الزائد في اتّخاذ القرار أو إبداء الرأي.

4.تسارع ضربات القلب، واحمرار الوجه، وبرودة اليدين.

5.انسحاب مفاجئ من حوارات أو نقاشات.

في العمق، يشعر الخجول بأنّه «غير كافٍ»، يخشى أن يُرفَض أو يُسخر منه، فينطوي على ذاته ويخسر فرصاً ثمينة للتواصل والتعلّم.

* الوجه الآخر للخجل
الخجل لا يكون دائماً سلبيّاً؛ فثمّة من يخجل لأنّه محترم ومتواضع ولا يحبّ لفت الانتباه. هذا النوع من الخجل الإيجابيّ يعكس لباقةً وحذراً محموداً.

وثمّة من يخجل حياءً وعفّةً ويكون صاحب خلق نبيل، فيبتعد عن بعض المواقف المُحرجة أو المُهينة، أو يترفع عن مواقف الجدل بلا طائل أو الظهور المتكلّف بين الناس.

لكن حين يتحوّل الخجل إلى خوف دائم من التفاعل، وتجنّب مستمرّ لكلّ موقف فيه مواجهة، فإنّه يصبح عبئاً. وقد يُساء فهم صاحبه على أنّه متكبّر أو بارد، وهو في الحقيقة يحترق قلقاً من الداخل.

* أضرار الخجل
الخجل ليس مجرّد شعور، بل سلوك يؤثّر نفسيّاً في صاحبه، بحيث:
1.يمنع الشخص من التعبير عن نفسه.

2.يعوق قدرته على بناء علاقات صحّيّة.

3.يجعله أسيراً لأفكار مثل: «لست جيّداً كفاية»، أو «سأفشل حتماً».

4.يُفقده فرص التعارف والتعاون.

5.يقلّل من تقدير الناس له بسبب صمته أو انعزاله.

6.يُشعره بأنّه «دائماً متأخّر عن الركب».

تخيّل طالباً جامعيّاً ذكيّاً، يملك أفكاراً رائعة، لكنّه لا يشارك في الصفّ أبداً. لا لأنّ أفكاره ضعيفة، بل لأنّه يعتقد أنّ الآخرين سيضحكون عليه. النتيجة؟ يُنسى، وتضيع فرص تميّزه.

* كيف نتجاوز الخجل؟
ثمّة مجموعة خطوات تساعدك في تجاوز الخجل، مثل:

1. اعرف أنّ الخجل شائع: لست وحدك، حتّى كبار الشخصيّات في المجتمع، منهم بعض الأساتذة والإعلاميّين والسياسيّين، اعترفوا أنّهم كانوا خجولين في البداية.

2. ابدأ صغيراً: خذ موقفاً واحداً في اليوم تتحدّى فيه خجلك، كأن تسأل سؤالاً في اجتماع أو تبادر بالسلام على شخص جديد.

3. تدرّب على التعبير: أمام المرآة، أو مع شخص مقرّب، تدرّب على الحديث عن نفسك، وآرائك، ومشاعرك.

4. واجه المواقف بدل الهرب منها: في كلّ مرّة تهرب فيها، فإنّك تضخّم وحش الخجل في رأسك. واجه الموقف، وستكتشف أنّه أصغر ممّا ظننت.

5. لا تنتظر أن تكون مثاليّاً: لا بأس أن تتلعثم أو تخطئ. كلّنا نفعل ذلك.

6. شارك في نشاطات جماعيّة: كدورات تمثيل، أو نوادٍ أدبيّة، أو أعمال تطوّعيّة. كلّ تفاعل هو تمرين عمليّ.

7. كن داعماً للآخرين: عندما تساعد شخصاً خجولاً آخر على التحدّث أو التفاعل، فأنت تعالج خجلك من حيث لا تدري.

8. اطلب المساعدة عند الحاجة: الاختصاصيّ النفسيّ يمكن أن يساعدك كثيراً بأساليب مدروسة.

* الناس لا يرونك كما تظنّ
كثيرون منّا يعتقدون أنّ الجميع يراقبونهم، يحكمون عليهم، يقيّمونهم. أمّا الحقيقة، فإنّ الناس مشغولون بأنفسهم أكثر ممّا تظنّ.

كن طبيعيّاً فقط، واسمح لنفسك أن تُخطئ وتضحك وتشارك، لأنّ الحياة لن تكون سهلة أمام من يخاف.

(1) الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج2، ص106.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات: