تحقيق: نقاء شيت
-الأم: «إذاً ما مشكلة ابني أيّها الطبيب؟»
- الطبيب: «حقيبة المدرسة».
لم تعد الحقيبة المدرسيّة في لبنان تحمل الكتب والدفاتر والقرطاسيّة فقط، بل باتت تحمل معها أيضاً ثقلاً وعبئاً كبيرَين على الأطفال الصغار يوميّاً. فمع زيادة عدد لوازم المدرسة، وعدم تنظيم البرنامج بدقّة بين المدرّسات، أصبحت هذه الحقيبة مشكلةً حقيقيّةً على المستوى الصحيّ يوميّاً.
يعرض هذا التحقيق المشكلة ويتتبّع أسبابها، لكن لنصل إلى الحلّ، سنحتاج إلى طرق أبواب أخرى.
* الكتب المدرسيّة مقسّمة
في جولة قمنا بها على بعض دور النشر، لاحظنا أنّ معظمها يقسّم الكتب إلى أجزاء متعدّدة بهدف تقليل الحِمل على التلميذ. فمثلاً: وجدنا لمادة اللغة العربيّة خمسة أجزاء: كتاب واحد للقراءة، وآخر للقواعد والإملاء، وثالث لتقنية الكتابة التعبيريّة، ورابع للخطابة والبلاغة، وخامس للتمارين التطبيقيّة. كذلك، تحظى مادة العلوم في المرحلة المتوسّطة بثلاثة كتب، ومادة الرياضيّات بكتابَين: أحدهما يختصّ بالجبر وآخر بالهندسة. أمّا بالنسبة إلى الدفاتر، فعادةً ما تخصّص المدارس دفتراً لكلّ مادة، وكلّ ذلك بهدف تنظيم عمليّة حَمل الكتب والدفاتر بشكلٍ يوميّ. فلماذا ثقل الحقيبة إذاً؟!
* الحقيبة والمشاكل الصحيّة
ما هو واقع وزن الحقيبة المدرسيّة؟ وإلى أي مدى يتناسب مع قوّة التلميذ وقدرته على الحمل؟ ما هي تداعيات حمل الحقيبة الثقيلة على صحّة الأطفال الجسديّة؟ للوقوف عند الأضرار التي يتسبّب بها وزن الحقيبة الزائد، نطلع قرّاءنا الأعزّاء على هذين النموذَجين في هذا الخصوص.
1. ورم مفصل اليد: تعاني نور (12 سنة) تلميذة الصفّ السابع، من ورم في معصم يدها ترافق مع ألم شديد، وبعد إجراء الصور الشعاعيّة المطلوبة، عرضها والداها على طبيب مختصّ، ليبلغهما أنّ الورم نتيجة عمل شاقّ أو بسبب حمل شيء ثقيل لمدّة من الزمن وبشكلٍ مستمرّ. وقد تبيّن أنّ السبب هو وزن الحقيبة الزائد، إذ إنّها تضطرّ إلى حملها بيدها لتريح ظهرها.
أكّد الطبيب أنّ هذه المشكلة يعاني منها أكثر التلاميذ، وأنّ هذا النوع من الورم أصبح شائعاً بين التلاميذ الذين يراجعون عيادته بسبب هذه الآلام. فضلاً عن أنّ الكثير من التلاميذ باتوا يعانون من تورّم وآلام في المفاصل والعمود الفقريّ، وكلّ ذلك ناتج عن حمل حقيبة مدرسيّة ثقيلة الوزن!
2. انحناء الظهر: تعاني فاطمة (14 سنة)، وهي تلميذة في الصفّ الثامن في مدرسة أخرى، من انحناء في عمودها الفقريّ، أجبرها على وضع مشدّ طبيّ وممارسة بعض أنواع التمارين الخاصّة بهدف تقويم هذا الانحناء. وبعد التدقيق تبيّن أنّ الانحناء نتيجة حمل وزن ثقيل على ظهرها بشكل يوميّ وصعودها به السلالم محنية ظهرها لتتمكن من حمل حقيبتها.
* وزن الحقيبة رُبع وزن التلميذ!
ما هي الفئة العمريّة الأكثر تضرّراً؟ يجيب الطبيب المختصّ، الدكتور حيّان رمّال (اختصاصيّ جراحة عظم ومفاصل وجراحة أطفال)، والذي عاين التلميذة نور، أنّ الأعمار التي تعاني من هذه المشكلة تتراوح بين 9 و15سنة، وهم تلاميذ صفّ ما بعد الخامس الأساسيّ. وعند سؤاله عن الوزن المفترض للحقيبة المدرسيّة، قال إنّ وزنها يجب أن لا يتجاوز نسبة 10٪ من وزن التلميذ، وهذا ما لا تلتزم به المدارس أو لا تلاحظه. مع الإشارة إلى مسألة أخرى تفاقم من هذه المشكلة، وهي أنّ الصفوف المتقدّمة تكون عادةً في الطوابق العليا، ما يجبر التلاميذ على صعود هذه السلالم لطوابق مرتفعة يوميّاً وهم يحملون الحقائب الثقيلة على ظهورهم.
هل خطر لأحد أن يزن الحقيبة المدرسيّة؟ أخذنا عيّنة من حقائب تلاميذ الصفّ الخامس حتّى التاسع الأساسيّ، لنكتشف أنّ الوزن يتراوح بين 9 و17 كيلو غراماً، باختلاف الصفّ، بينما وزن التلاميذ يتراوح بين 40 و60 كيلو غراماً. فنلاحظ أنّ وزن الحقيبة تتراوح نسبته بين 22.5 % و28.3 % من وزن التلميذ. أي أنّ التلميذ الذي لم تتكوّن عضلاته بعد يحمل نحو ربع وزنه وأحياناً أكثر! ويسير به أحياناً مشياً إلى منزله، أو صعوداً إلى طبقات عالية في مدرسته.
صحيح أنّ بعض الحقائب المدرسيّة مزودة بعجلات صغيرة، تتيح للتلميذ جرّها على الأرض، لكن مع مراقبة أفضل أنواع هذه الحقائب نلاحظ أن عجلاتها ومقابضها البلاستيكيّة لا تصمد أمام الوزن الثقيل إلّا أسابيع قليلة، فيجبر التلميذ على حمل حقيبته بعجلاتها المكسورة على ظهره بقية العام الدراسيّ.
* جولة داخل الحقيبة
إذا كانت الكُتب مقسّمة، والبرنامج اليوميّ واضحاً، لمَ تبقى الحقيبة المدرسيّة ثقيلة؟
للوقوف أكثر عند أسباب هذه المشكلة، وخصوصاً في الحالتين السابقتين، ألقينا نظرة إلى محتويات الحقيبتين، لنجد أنّ تقسيم الكتب إلى أجزاء لم ينفع أحياناً. فمعلّمتا اللغتين العربيّة والأجنبيّة مثلاً في إحدى المدراس، لا تحدّدان الكتب المطلوبة لكلّ يوم، فيجبر التلاميذ على إحضار الأجزاء كلّها معهم يوميّاً إلى المدرسة. كذلك الأمر بالنسبة إلى كتاب الرياضيّات ودفتره، وكتب العلوم الثلاثة، لأنّ المعلّمات قد يحتجن فجأةً إلى أحد هذه الكتب خلال الحصّة لإتمام النقص في المنهاج الدراسيّ! أو لملء فراغٍ ما، وهنا نتحدّث عن ثغرة في تحضير المعلمة لموادها بشكل طبيعيّ.
* دور المدرسة
عند الاعتراض على وزن الحقيبة الزائد، دائماً ما يأتي التبرير من المعلّمات: «إنّكم كبار وعليكم تحمّل المسؤوليّة»! ولكن، من يتحمّل عنهم الآلام الناتجة عن وزن الحقيبة المدرسيّة؟
وإذا ما طالب التلاميذ بترك بعض الكتب في الصفّ، يواجَه طلبهم بالرفض بحجّة أنّ عليهم مراجعة دروسهم يوميّاً، فضلاً عن أنّ المدرسة ترفع بذلك المسؤوليّة عنها في حال فقدان أيّ كتاب أو دفتر، على الرغم من وجود كاميرات مراقبة في معظم المدارس.
* ما الحلّ؟
عند البحث عن التجارب المدرسيّة الناجحة والتي تهتم بالمستوى التحصيلي للطالب مع راحته وصحته أيضاً، نجد أنّ تلك المدارس راعت الأمور التالية:
1. ضبط جدول الدراسة اليوميّ بشكل دقيق، بحيث تحدّد المادّة المطلوبة ضمن حقلها الواسع.
2. التنسيق بين معلّمات المواد ذات المقرّر الكبير في برنامج تضبطه مشرفة، لكي لا تقرّر المعلمات اصطحاب الكتب الثقيلة في اليوم نفسه.
3. طبع الكتب الكبيرة على أقسام، وبورق ذي وزن خفيف.
4. تخصيص خزانات صغيرة للتلاميذ، شبيهة بخزانات النوادي الرياضيّة، تتيح لهم ترك الكتاب الثقيل في المدرسة، ويصطحب التلميذ معه دفتره أو بعض الأوراق المصورة لمراجعة الدرس وأداء الفرض المنزليّ.
* مسؤوليّة كبيرة
بعد عرض هذه الوقائع، يظهر أنّ لا دور جدّيّاً لبعض الأساتذة وإدارة المدارس في إيجاد حلّ لمشكلة الوزن الثقيل للحقيبة المدرسيّة. وعليه، إلى متى على التلميذ أن يتحمّل ثقل هذه المناهج والكميّة الكبيرة للكتب والدفاتر؟ ومتى ستتحمّل كلّ من وزارتَي الصحّة والتربية مسؤوليّة تنظيم الوزن المسموح حمله للتلميذ ووضع حدّ لعدد الكتب الكبير، بما يحول دون إلحاق الأذى بأجساد أطفالنا الطريّة؟! ومتى سيتاح للطالب التفكير بحجم المعرفة بدلاً من حمل هم وزن الحقيبة؟