مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

تاريخ المسرح العاشورائيّ في لبنان

د. حياة الرّهاوي


يشكّل مسرح عاشوراء أوّل عمل مسرحيّ في العالم العربيّ، الذي لم يعرف المسرح الملحميّ والدراميّ كما هو معروف في المسرح الكلاسيكيّ في اليونان، وبحسب النموذج الذي وضع أسسه أرسطو، ليكون بذلك عملاً شعبيّاً شعائريّاً يختصّ بتمثيل مأساة كربلاء ويعرضها في مشاهد ذات طابع إخباريّ وتربويّ – وعظيّ، من خلال حبكة مبسّطة ولغة سهلة الفهم والاستيعاب، الهدف منها تعريف المشاهد بما جرى في كربلاء من ظلم ومآسٍ مروّعة.

* بدايات المسرح العاشورائيّ
يشير بعض المؤرّخين إلى أنّ بداية مسرح عاشوراء كانت في إيران، وذلك في النصف الثاني من القرن السادس عشر أو بداية القرن السابع عشر الميلاديّ، في فترة الحكم الصفويّ، حيث انتشر التشيّع في جميع أنحاء إيران. وقد أخذت المراسم التي تقام في ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام خلال شهري المحرّم وصفر منذ ذلك الحين صفة رسميّة، لتستمرّ خلال حكم الصفويّين والقاجاريّين.

* مسرح التعزية في لبنان
لا توجد وثائق مكتوبة قديمة عن التعزية في لبنان، وأحد الأسباب أنّ السلطات العثمانيّة غالباً ما كانت تضطهد الشيعة في لبنان، فكانوا يتناقلون تقاليدهم ونصوصهم شفهيّاً، خوفاً من أن تُستخدم نصوصهم المكتوبة ضدّهم، ثمّ حَفظها منهم لاحقاً شيوخ المدينة. وتؤكّد جميع الروايات أنّ بداية إحياء ذكرى عاشوراء تعود إلى تلك الفترة التي جاء فيها الإيرانيّون إلى مدينة النبطيّة، وتحديداً بفضل الشابّ الإيرانيّ إبراهيم ميرزا الذي استحصل على مرسوم يسمح للإيرانيّين المقيمين فيها بإحياء المناسبة، ليطال بعد ذلك الأمر اللبنانيّين أيضاً.

وقد نُظِّم احتفال عاشورائيّ فيها خلال الأيّام التسعة الأولى للمحرّم، ‏حيث كانت مسيرة تطوف في شوارع المدينة، ويلطم الناس صدورهم المكشوفة بأيديهم، مردّدين بعض الجمل بالإيرانيّة تندب الإمام الحسين عليه السلام.

وفي اليوم العاشر من المحرّم، كان يمثَّل المصرع الحسينيّ بشكلٍ مبسّط، في البداية بالفارسيّة، وتحوّل تدريجيّاً إلى العربيّة. أمّا المشاركون في التمثيل فقد اقتصرت أدوارهم على تمثيل شخصيّة كلّ من الإمام الحسين عليه السلام، وشمر بن ذي الجوشن، ونساء يرتدين الأسود ويمثّلن أفراداً من عائلة الإمام عليه السلام.

وكانت التمثيليّة عبارة عن مشهد واحد، يحاكي مبارزة بين الإمام الحسين عليه السلام وشمر وهما يمتطيان حصانين، ينتهي المشهد بأن يُجرح الإمام الحسين عليه السلام ثمّ يقع عن صهوة جواده، ثمّ محاكاة مشهديّة استشهاد الإمام عليه السلام على يد شمر. وكان الحوار الذي يدور أثناء المبارزة بتنسيق من إبراهيم ميرزا، هو الذي أعطى التمثيليّة العاشورائيّة الشكل المسرحيّ الذي عُرفت به فيما بعد.

* عناصر مسرحيّة جديدة
1. قصّة القاسم بن الحسن عليه السلام: في عام 1926م، أُدخل عنصر جديد في قراءة التعزية، فقامت مجموعة من الشباب بإلباس أحدهم رداءً ملطّخاً بالدماء، ووضعته داخل تابوت خشب، وعندما وصل قارئ التعزية إلى سرد قصّة موت القاسم بن الحسن عليه السلام، دخل إلى الحسينيّة، وقام الجميع بشكل عفويّ وبدأوا بالصراخ مردّدين: “الله أكبر”. وهكذا، أُدخل أوّل عنصر دراميّ في قراءة التعزية لم يكن مستوحىً هذه المرّة من العرض الإيرانيّ.

2. قصّة الرضيع: سنة 1927م، استعاد قارئ التعزية نفسه تمثيل هذا المشهد، لكن، بقصّة موت الرضيع عليّ الأصغر بن الحسين عليه السلام، فدخل إلى الحسينيّة ووجهه مغطّىً بوشاح، حاملاً بين يديه طفلاً ملفوفاً بالقماش الملطّخ بالدم. وكان ردّ فعل الحاضرين أكثر قوّة من العام الذي سبق، فصرخوا وبكوا.

3. استحداث دور شمر: بقيت الأمور على حالها حتّى عام 1934م، عندما قرّر الإيرانيّ يوسف العجمي الإقامة في النبطيّة، وبما أنّه كان يجيد ركوب الخيل، فقد اختار أن يلعب دور شمر، وأدخل بعض المستحدثات، كتوحيد زيّ فرقة شمر، وهو عبارة عن عباءة بنيّة فاتحة وكوفيّة حمراء. وكذلك ارتدى أعضاء فرقة الإمام الحسين العباءة السوداء، وأُدخلت الخيم إلى عناصر التمثيل، ووضع القشّ الذي سيحرقه الأعداء بعد قتل الإمام الحسين عليه السلام وأسر النساء والفتيان.

في سنة 1936م، اشترى بعض سكّان النبطيّة المقيمين في بيروت درعاً حديديّاً وخوذة وسيفاً لاستكمال بذلة شمر.

* من العفويّة إلى التنظيم
في هذه السنة، عمد الشيخ عبد الحسين صادق، إمام مدينة النبطيّة، إلى كتابة نصّ للتمثيليّة يضبط دور شخصيّات المسرحيّة الرئيسة، وأضاف إليها عدداً من الشخصيّات التاريخيّة الأخرى. وهكذا، بدأت التمثيليّة تعتمد على نصّ مكتوب.

وقد طوّر النصّ الأساسيّ الممثّل الذي أدّى دور الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام. ومنذ عام 1937م، نُقل العرض إلى خشبة بُنيت شرق البيدر، قبالة الحسينيّة، طولها 35 متراً وعرضها 10 أمتار، ووضعت مكيروفونات على المسرح.

وفي عام 1971م، عرض مصمّم مكياج شابّ من النبطيّة خدماته على المنظّمين. قبل ذلك، كان المكياج بسيطاً، وكان المنظّمون يستخدمون فلّينات محروقة لرسم اللحى والشوارب. بعدها، استُخدمت لحى صناعيّة، وأصبح المكياج يُستخدم بصورة أكبر وأفضل.

وكان جمع من الشباب يعرضون التمثيليّة، فيمثّل فريق منهم أنصار الإمام الحسين عليه السلام، وفريق آخر يمثّلون جماعة شمر وعمر بن سعد. وكانت أشبه ما تكون بالتمثيليّات الصامتة المقتصرة على المبارزة من على ظهور الخيول والجمال، مع بعض الأقوال بلغةٍ تشبه العاميّة.

ثمّ بدأت التغييرات في التمثيل بتوجيه من الشيخ عبد الحسين صادق، ووُضع نصّ مع تنقيح الأدوار، وصار المُشاهد يعرف هويّة الإمام الحسين عليه السلام وأعدائه، وسبب استشهاده، والغاية من ذلك. وكانت المسرحيّة تُقام في الهواء الطلق، في حلقة أمام المشاهدين.

وكان التمثيل يستمرّ في عائلة من الممثّلين، إذ يورث الممثّل دوره إلى أحد أولاده؛ فبعد وفاة عبد الله كحيل في سنة 1951م، انتقل دوره إلى ابنه فؤاد، ثمّ إلى أخيه حسن.

* على نطاقٍ واسع
في سنة 1970م، ومع إعلان يوم العاشر من المحرّم عطلة رسميّة، تزايد عدد المشاهدين والزوّار في النبطيّة وتعاظم، ممّا جعل المهتمّين بالأمر يقومون بإنشاء مسرح في الطرف الشرقيّ من موقع التمثيل، الذي أصبح وقفاً معروفاً بـ”وقف الإمام الحسين عليه السلام“.

بعد ذلك، تأسّست جمعيّة سُمّيت بـ”جمعيّة لجنة عاشوراء” أخذت على عاتقها تنظيم الذكرى في لياليها العشرة. ومن مسرح النبطيّة انتقلت مسرحيّة عاشوراء إلى مجموعة من القرى والبلدات اللبنانيّة، منها: مجدل سلم، والقصيبة، وكفرمان، وشمسطار وغيرها. وبهذا، صارت تُقام بشكلٍ منظّم وعلى نطاقٍ واسع.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع