نهى عبد الله
ذاع صيت أحد نُسّاك الجبل بأنّه قادرٌ على معالجة أكثر المشاكل المستعصيّة، فقصده الناس لحلّ مشاكلهم. وقد سمع به تاجرٌ كثرت همومه وديونه، فقصده، وشكا له فقال: "قسا قلبي من كثرة همومي، وزاد غضبي"، فقدّم له الناسك صندوقاً مليئاً بالأوراق المغلّفة، ليختار ورقة، تناول واحدة وقرأ: "ابدأ بالصوم"، تعجّب التاجر وبسخرية قال: "فقط؟"، وبحسم ردّ الناسك: "صم ثلاثين يوماً ولا تتوقف مهما تعبت، وعد إليّ".
انتهى يوم الصيام الأوّل بمشقّة بالغة، تفجّر غضب التاجر مع الناس أكثر، فقرّر التوقّف، وبعد تفكير مليٍّ في المساء قرّر المتابعة.
مرّ يومه الثاني بمشقّة أقلّ، وبشرارات غضب متقطّعة، حتى جاء الثالث هيّناً، ولاحظ أنّه ابتسم لجاره كما لم يفعل منذ زمن. قبل غروب سابع يوم، هبّ مسرعاً ليحمل جرّة ماء ثقيلة عن زوجته، وهو يعتذر منها، قالت متعجبةً: "أحملها يومياً إليك"، فاكتشف أنّه شعر بتعبها للمرّة الأولى.
انقضى أسبوعان، بدا التاجر أكثر هدوءاً وصمتاً، وأصبحت أفكاره أكثر وضوحاً حتّى أنّه وجد حلولاً لبعض مشاكله، وبينما كان في دكانه مرّ فتى صغير يطلب صدقةً، لكن ما إن لمح التاجر حتى فرّ مذعوراً، تبيّن للتاجر أنّ الفتى يخاف غضبه، لكنّه لم يلحظ ذلك حتّى اليوم، وبحركة عفويّة مسح دمعةً شحيحة ذرفتها عينه، قالها بفرح: "فعلها الناسك".
مضى الثلاثون، فذهب لمقابلة الناسك شاكراً له. وسأله: أخي قليل الصبر، ما علاجه؟ فأشار له بورقة مغلّفة، قرأ فيها: "ابدأ بالصوم"، تعجّب، وفتح بفضول ثالثة ورابعة وو.. ابتسم الناسك: "الصوم يغيّر الطباع يا بنيّ، والأوراق حيلةٌ صغيرةٌ على طباعنا".