مع إمام زماننا
السيّد عبّاس عليّ الموسويّ
لم تربط علاقة مباشرة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بأبيه الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام فحسب، وإنّما ربطت الإمام عليّاً الهادي عليه السلام علاقة مباشرة به عجل الله تعالى فرجه الشريف أيضاً، فهو الجدّ القريب، وهو الذي تولّى تزويج ابنه العسكريّ عليه السلام من السيدة نرجس أمّ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. والإمام الهادي عليه السلام هو الذي احتجب عن شيعته –إلّا قليلاً- بقصد التهيئة لغيبة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو الذي كان على علم بحفيده بالتفصيل باعتباره الإمام الثاني عشر من السلسلة الذهبيّة.
من هنا، نعرف مدى العلاقة الوطيدة بين الجدّ والحفيد، وكيف اهتمّ اهتماماً كبيراً به. يعرض هذا المقال الأحاديث التي وردت عن الإمامين الهادي والعسكريّ عليهما السلام في ما يخصّ التمهيد لمرحلة الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
* الإمام الهادي عليه السلام : يُخبر عن الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف
1. عن داوود بن القاسم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن العسكريّ (يعني الإمام الهادي)، يقول: “الخَلَف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولِمَ جعلني الله فداك؟ قال: لأنّكم ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه. فقلت: فكيف نذكره؟ قال: قولوا: الحجّة من آل محمّد”(1).
2. روى الصدوق بسنده عن الصقر بن أبي دلف قال: سمعت عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا -الإمام الهادي عليه السلام - يقول: “إنّ الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ جوراً وظلماً”(2).
3. روى الصدوق عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: “دخلت على سيّدي عليّ بن محمّد... [الهادي عليه السلام ] فلمّا بصر بي قال لي: مرحباً بك يا أبا القاسم، أنت وليّنا حقّاً، قال: فقلت له: يا بن رسول الله، إنّي أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيّاً ثبتُّ عليه حتّى ألقى الله عزّ وجلّ. فقال: هات يا أبا القاسم. فقلت: إنّي أقول...”، ويستعرض الحسني عقائد الإيمان إلى أن يقول...، “وأقول: إنّ الإمام والخليفة ووليّ الأمر بعده -بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم - أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثمّ الحسن عليه السلام، ثمّ الحسين عليه السلام، ثمّ علي بن الحسين عليه السلام، ثمّ محمّد بن علي عليه السلام، ثمّ جعفر بن محمّد عليه السلام، ثمّ موسى بن جعفر عليه السلام، ثمّ علي بن موسى عليه السلام، ثمّ محمّد بن علي عليه السلام، ثمّ أنت يا مولاي.
فقال عليه السلام : ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟ فقلت: وكيف ذاك يا مولاي؟ فقال عليه السلام : لأنّه لا يُرى شخصه ولا يحلّ ذكره باسمه حتّى يخرج، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ جوراً وظلماً”(3).
* الإمام العسكريّ عليه السلام : مهمّتان عظيمتان
أخذ الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام على عاتقه مهمّتين عظيمتين، والأهمّ منهما عمليّة الجمع والتوفيق بينهما، والمهمّتان هما:
1. حفظ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف عن أعين السلطة وعدم علمها بخبر ولادته. وهذا ما استدعى من الإمام العسكريّ عليه السلام السرّيّة والتكتّم على ولادة ولده حتّى عن خادمه.
2. ضرورة الكشف عن ولادة الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف من بعده للخاصّة؛ حتّى يعرف الشيعة بإمامهم الذي يجب أن يدينوا له بالولاء وأن يرجعوا إليه في أمورهم، فعرّف أخلص أصحابه بولادته ممّن عُرف بالإيمان والصدق وحفظ الأسرار وكتمان الخبر إلّا ما سمح به الإمام.
وقد عمل الإمام العسكريّ عليه السلام على ذلك وكشف لهؤلاء الأصحاب عن إمامهم بعده، بل أراهم وجهه المبارك وجعلهم يسعدون برؤيته، وطمأن قلوبهم وأنفسهم إلى الحبيب المرتجى، الذي بشّر به جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، معلناً أنّه المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً.
* الإمام العسكريّ عليه السلام يُخبر الخاصّة
1. روى الصدوق بسنده عن أحمد بن إسحاق الأشعري قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده فقال لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق، إنّ الله تبارك وتعالى لم يُخلِ الأرض منذ خلق آدم ولا تخلو إلى يوم القيامة من حجّة الله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض. فقلت: يا بن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض عليه السلام مسرعاً فدخل البيت ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين فقال: يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله عزّ وجلّ وعلى حُججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنّه سميّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنيّه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً.
يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأُمّة مثل الخضر، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من التهلكة إلّا من يثبّته الله على القول بإمامته، ووفّقه بها للدعاء بتعجيل فرجه(4).
2. روى الشيخ الطوسي عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري البزاز، عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال وأحمد بن هلال ومحمّد بن معاوية بن حكيم والحسن بن أيوب بن نوح، قالوا جميعاً: “اجتمعنا إلى أبي محمّد الحسن بن علي عليه السلام نسأله عن الحجّة من بعده وفي مجلسه عليه السلام أربعون رجلاً، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري، فقال له: يا بن رسول الله، أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به منّي. فقال عليه السلام له: اجلس يا عثمان. فقام مغضباً ليخرج، فقال عليه السلام : لا يخرجنَّ أحد. فلم يخرج منّا أحد إلى (أن) كان بعد ساعة، فصاح عليه السلام بعثمان فقام على قدميه. فقال عليه السلام : أخبركم بما جئتم؟ فقالوا: نعم يا بن رسول الله. قال: جئتم تسألونني عن الحجّة من بعدي. قالوا: نعم. فإذا بغلام كأنّه (قطعة) قمر، أشبه الناس بأبي محمّد عليه السلام فقال: هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا...”(5).
هذا قليلٌ ممّا ورد عن الإمامين الهادي والعسكريّ عليهما السلام، وفيه تثبت حقيقة أنّ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو ابن الحسن العسكريّ عليه السلام، وأنّه قد ولد فعلاً.
*مقتطف من كتاب “الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف عدالة السماء”، ص 48-49.
(1) أصول الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 228.
(2) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص 383.
(3) الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 419.
(4) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج52، ص24.
(5) المصدر نفسه، ج 51، ص 347.