محاضرة للدكتور الشهيد شمران
بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.
مما لا شك فيه أن يوم الثاني والعشرين من بهم سنة 1357 (1979) يُعد من الأيام العظيمة في تاريخ التمدن البشري، يوم انتصر فيه المستضعفون الثائرون بقوة الإيمان وحب الشهادة على طاغوت زمانهم وأسقطوه عن عرشه، يوم قطعت فيه يد الاستكبار عن التدخل في شؤون هذا البلد، فتكاتف الاستكبار العالمي وعملاؤه الداخليون وجمعوا كل قواهم لإسقاط هذه الثورة، يحيكون المؤامرات هنا ويشعلون الفتن هناك ليعيقوا عمل الدولة ويمنعوها من القيام بأي تغير أساسي ليسلبوا منها هذا التأييد الشعبي الكبير، ومن ثمَّ يقومون بانقلاب عسكري كما حصل أيام حكومة الدكتور مصدق ويأتون بدكتاتور أو طاغوت جديد ليقلدوه منصب الحكم.
في الأصل، الثورة لها ثلاثة أوجه، الأول يتمثل في تغير السلطة السياسية والعسكرية للبلاد والثاني في تغيير القانون والجهاز الحاكم والثالث في إيجاد التغيير والتحول الروحي والفكري في الناس الذين قامت لأجلهم تلك الثورة.
بالنسبة لثورتنا أنجزت المهمة الأولى للتغيير المتقدم باستبدال السلطة السياسية والعسكرية، حيث وكما تعلمون سقط الطاغوت ونظامه وقامت الجمهورية الإسلامية بنظامها الإسلامي الجديد. هذه المرحلة من الثورة يمكن أن نشاهد في كل الثورات، فهي تغيير مادي ملموس حيث تتواجه الدولة الحاكمة وحماتها مع الثوار فيحصل الصدام، وينتهي بسقوط الحكومة وقيام حكومة الثورة. وهذا ما حصل في ثورة الجزائر وروسيا و... وفي ثورتنا أيضاً. وقد انتهت بحمد الله.
أما المرحلة الثانية من الثورة، مرحلة تغيير النظام والقانون الحاكم وتغيير الجهاز الإداري للدولة، فهي ما نعمل على إنجازه في هذا الفترة؛ ولتوضيح هذه العملية نحتاج إلى بعض الأمثلة. عندما نتحدث عن تغير النظام والجهاز الإداري، فأول ما يتبادر إلى الذهن هو تغيير الدستور وقد رأيتم هذه العملية التغييرية التي قام بها مجلس الخبراء ودامت عدة أشهر.
ظهر إلى الوجود الدستور الجديد القائم على أساس الأيديولوجية الإسلامية، وتلك كانت الخطوة الأولى. التغييرات السياسية والاقتصادية والإدارية جميعها هي مصاديق ذاك التغيير في النظام، وكمثال على ذلك التغيير قانون ملكية الأرض الذي تناوله الدستور الجديد. فالعلاقة الاقتصادية الجديدة هذه، هي جزء من التحول في النظام الاقتصادي العام للدولة، وأمثال ذلك نراه في القطاع الصناعي أيضاً، حيث بعض القوانين المتعلقة بالمصانع وأصحاب رؤوس الأموال والعمال تلاءمت مع النظام الحكومي الجديد الذي أوجدته ثورتنا على أساس الإسلام المحمدي الأصيل.
وإنَّا ولا بد مطلعون على مسألة عدم رضى الإمام عن عمل بعض الإدارات، وأكثر شكايات الناس هي من هذه الإدارات.
وباعتقادي أن العلة الأساسية تنبع من العلاقات والمقررات التعيسة التي تسود هذه الإدارات، والتي لم تخضع بعد للتغيير.
وإن وجود وزير وأفراد مؤمنين وملتزمين في هكذا إدارات لا يحل من المسألة شيئاً لكون المسألة في النظام الإداري والمقررات الفاسدة.
لذا فالمطلوب استبدال هذا النظام (الإداري)، وبالقيام بالتغيير تتحقق المرحلة الثانية من الثورة. وكما خضع الدستور لهذه العملية فستخضع هذه الإدارات وقد سأل أحد الأخوة عن هذه المسألة، وخصوصاً داخل الجيش والسلطة العسكرية وهنا أقول أن النظام الحاكم على المؤسسة العسكرية هو نفس النظام السابق لم يخضع للتغيير وإن إخراج 12 ألف عسكري ممن ثبتت إدانتهم من هذه المؤسسة لا يكفي ولا يحل المشكلة فمشكلتنا مع الجيش هي في النظام الذي يخضع له هذا الأخير، ويجب أن يخضع هذا النظام للتغيير وهذا ما يؤكد ويصر عليه الإمام والأصدقاء في هذه الأيام، فنظام الجيش يجب أن يكون قائماً على أساس فكري وفلسفي إسلامي بحيث لا يتمكن فيه أعداء الثورة من إيجاد موطئ قدم أو أي تحرك معادٍ للنظام العام ونحن الآن بصدد إيجاد هذا النظام في الجيش واعلموا أنه عمل شاق وليس بالسهل. فالمشكلة هنا ليست مرئية والقوانين والمقررات الفاسدة لا ترى حتى نستطيع إطلاق النار عليها وإفنائها كما نفع بالعدو في ساحة المعركة ولكنها مثل خيوط العنكبوت منتشرة في كل أنحاء البلد تعطل وتؤخر الأعمال. معظمنا لا يدري أين تكمن المشكلة ولذلك تقتضي علينا المرحلة التالية من الثورة إيجاد هذا النوع من التغيير الكيفي.
أما الوجه الثالث للثورة والأكثر أهمية والأصعب من المرحلتين السابقتين فيتمثل في التغيير والتحول النفسي والروحي للشعب والناس الذين ستخدمهم هذه الثورة. فعندما نتحدث عن ثورة إسلامية فهذا يعني تغيير النظام إلى نظام آخر، وتثبيت حكومة العدل والقسط لذلك فالتغيير الناتج ليس مادياً كله ولكن القسم المهم منه هو التغيير الروحي والمعنوي. والثورة المنتصرة هي التي تستطيع أن توجد في شعبها هذا التحول المعنوي، ويخطئ من يعتقد أن التغيير الظاهري كزيادة الأموال والرواتب للموظفين وشق الطرقات وحفر الآبار هنا وهناك، والتغيير الظاهري للأبنية وزي النساء وما إلى ذلك هو انتصار للثورة، إنما النصر الحقيقي هو في إيجاد ذلك التحول والتغيير الداخلي في الناس والشعب وبدونه فلا قيمة لهذه الثورة. وأنتم تعلمون أنه يوجد في العالم بلدان كثيرة أكثر منا تقدماً ورقياً فشوارعهم أنظف من شوارعنا ورواتب موظفيهم أعلى من رواتب موظفينا والأمن عندهم أفضل. ولكن هل هذا النظام الحكومي يرضينا؟؟ كلا وألف كلا، فلو كانت الاعتبارات المادية فقط هي هدفنا لكنا جعلناهم قدوتنا، ولكن هدفنا أكبر من ذلك.
وأهم الانتصارات التي حققناها هي في إيجاد هذا التحول الداخلي المعنوي في أمتنا. وقد رأيتم بأم أعينكم كيف تحول هذا الشعب العظيم. ولو قارنتم ثورتنا بالثورات الأخرى لأدركتم أنه لم يحصل في أي مكان على هذه المعمورة مثل هذا التغيير الذي حصل لشعبنا. إن نزول ملايين الناس إلى الشوارع واستقبالهم للشهادة بكل ترحاب لأمر قل نظيره في هذا العصر. وقد رأيتم شبابنا الذين لبسوا الأكفان وكتبوا وصاياهم وذهبوا لاستقبال الشهادة، ولم يكن لهم هدف سوى رضى الله فلم يكونوا يرتبطون بأي حزب أو جماعة أو طبقة حتى يقاتلوا لأجلهم بل كل هدفهم القتال في سبيل الله. قاتلوا وثاروا لأجل إعلاء كلمة الله والقضاء على الظلم والجور ولأجل إقامة حكومة العدل الإسلامي مكان حكومة الفساد والظلم الاستعماري وبغير هذا الهدف لم تفكر الملايين الثائرة لا بالأموال ولا بالامتيازات ولا بالمسكن والصحة التي أعلن الشاه الملعون عن استعداده لتأمينها لهم، ولكنهم استمروا بالثورة لتحقيق هدفهم الإلهي.
إن ساحة الشهداء في طهران التي سقط فيها أكثر من 12 ألف شهيد في يوم 17 شهريور لخير شاهدٍ على ما نقول. فكلنا يعلم قصة الجندي الذي قتل قائده في ذلك اليوم حين أمره بقتل الأبرياء العزّل وإطلاق النار عليهم مما أدى إلى أن يقتل قائده الذي يأمره بذلك واستشهد الجندي برصاص ضابطٍ آخر موال للنظام وأدى ذلك إلى حدوث اضطراب في اللواء أدى إلى مصرع 30 عنصراً في أقل من دقيقة، ووصل الخبر إلى الطاغوت الذي أمر بتغيير اللواء والمجيء بلواء آخر يديره الإسرائيليون الخبثاء فأطلقوا النار من الأرض والجو على الناس وأدى ذلك إلى سقوط هذا العدد من الشهداء وأقول هذا هنا لأثبت أن الجيش لم يرد الدخول في صراع مع شعبه مما أقلق الطاغوت ودعاه إلى الفرار. فلو قاتل الجيش شعبه لسقط في هذه الثورة مئات الآلاف من الشهداء وأن سقوط حوالي 70 ألف شهيد في هذه الثورة بعظمتها وعلى يد ذلك الجيش المجهز لأمر يمكن دركه وتقبله.
أيها الأخوة إن قصة ذلك الرجل الذي خرج مسرعاً من بيته في جنوب طهران مغتسلاً غسل الشهادة وكاتباً وصيته، يريد الوصول بأقصى سرعة إلى ساحة الشهداء خوفاً من أن لا يدرك الشهادة، لا يمكنكم أن تجدوا مثيلاً لها في بقية الثورات، أو قصة ذلك الشاب الذي أصيب إصابة قاتلة فقام مع كل ما به من جراح ليصلي ركعتي صلاة الشهادة، إنها نماذج من الطهارة والإخلاص لا نظير لها في هذه الدنيا. وانتصار الثورة مدين لهذا التغيير والتحول الذي حصل لشعبنا، وأمثال هذه النماذج نراها في امتلاء مخازن المستشفيات من المساعدات الشعبية بعد عدة ساعات من إعلان الحاجة إليها أو في المنازل المفتوحة لاستقبال الجائعين والجرحى والمفقودين أو في مناجاة الشباب في وسط الليل والدعاء بالنصر للثورة... كل هذه نماذج من التحول والتغيير الذي حصل لشعبنا وأدى إلى هذا النصر المبين. وهذا التحول هو الضامن لهذه الثورة فما دامت روح الإيثار والإخلاص وحب الشهادة موجودة في شعبنا فلن تستطيع أن تهزمه كل طواغيت الأرض. وإن ما يميز ثورتنا عن بقية الثورات هو هذه القدرة والإيثار والإخلاص والشخادة. إنها قوة الإيمان التي جعلت الجنود لا يطلقون النار على شعبهم، فيلتحقوا بصفوفهم. وقد ذكرت لكم قصة ذلك العالم الروحاني الذي قاد مسيرة في مدينة تبريز لمواجهة جيش السلطة الحاكمة فاستطاع بأعماله وكلماته المخلصة أن يؤثر على الجنود ويضم لواءً كاملاً مع 12 دبابة إلى صفوف الشعب مع شهيدين سقطا فقط فأي معادلة عسكرية هذه. باستشهاد عنصرين فقط تتم السيطرة على لواء، إنها معادلة لا يفهمها العسكريون ولا أرباب السياسة الظالمون.
فشعب الجزائر الذي يبلغ عدده 9 ملايين شخص قدم مليون ونصف شهيد أثناء الثورة، ولكن من 35 مليون شخص استشهد 70 ألف شهيد. وشعبنا أعزل بلا سلاح، إلاَّ من تلك القوة المعنوية والروحية العالية، وهذا هو أكبر امتياز لثورتنا. إن التغيير والتحول الروحي الذي جرى لشعبنا هو من أكبر الضربات التي تلقتها القوى المستكبرة من الثورة. وحتى الآن لم يفهموا هذا العامل الجديد الذي دخل المعركة والذي استطاع تسخير قلب الجندي قبل تسخير أسلحته وهذه هي المعجزة التي رافقت ثورتنا المباركة، لذلك فإن القيمة الكبرى لثورتنا هي في وجهتها الثالثة التي أوجدت في شعبها ذلك التحول الروحي والنفسي. ونحن جئنا لنوصل هذا التغيير إلى حد الكمال، ونسير بخطى سريعة نحو المدينة الفاضلة التي تهدف إليها ثورتنا. والإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف ينتظر تلك اللحظة التي يصل فيها هذا التحول إلى حد الكمال ليظهر من غيبته. فهو لا يلتذ بهذه الغيبة، وهو بالتأكيد حزين وقلق لتلك الجنايات والظلم والجور والعذاب الذي يعانيه شيعته، إنه يريد الظهور ليقتلع هذا الظلم والفساد من على هذه الأرض ويقيم العدل مكانه، ولكن الناس لم يصلوا بعد إلى تلك الدرجة من التكامل بحيث يستطيعون تحمل وجوده المقدس وعدله ونظامه الإسلامي. ووظيفتنا نحن تسريع هذا التحول النفسي والروحي في مجتمعنا وبقية المجتمعات حتى نهيىء الفرصة للظهور المبارك وحتى يتمكن الإمام من إجراء مشروعه على هذه الأرض وإقامة المدينة الفاضلة التي هي هدف الإنسانية من أول التاريخ وحتى هذا العصر، والتي طمحت إلى إقامتها الكثير من الأمم والشعوب ولكن في عقيدتنا وأحاديثنا المؤكدة أن الإمام هو الوحيد الذي سيقيم هذه المدينة المنشودة.
ونحن ندرك أننا لا نرى الإمام عليه السلام نتيجة قلوبنا السوداء من كثرة الذنوب ولذلك لا نستطيع أن نستفيد من وجوده المبارك، فهو لم يغب عنا إنما نحن الذين غبنا عنه، أن كدوراتنا وأعمالنا السيئة هي التي حجبت نور الإمام عن أن يصل إلينا بسبب غشائها السميك الذي غلف قلوبنا وأنفسنا، ولن نستطيع رؤية ذلك النور المضيء في عالم الملكوت إلا إذا أزلنا ذلك الغشاء المتكدّر على قلوبنا العمياء، فعندها سنرى نور الإمام الذي لو انقطع لحظة واحدة لفني الكون والوجود وضل العالم وتبعثرت السماوات والأرض. وهذا هو قانون الخلق، فوجود الإمام واجب كالشمس يشع على هذا الوجود، ولكن البعض كما يقول القرآن:
﴿ختم الله على قلوبهم وعلى أسماعهم وعلى أبصارهم غشاوة﴾ لهذا لم يدركوه مع وجوده بينهم. فهذا الختم وهذه الغشاوة منعتهم من رؤيته ولكنه موجود ويعيش بيننا ويتألم لآلامنا ويحزن لحزننا، وينتظر الفرصة حتى يبيد الطواغيت وينصر المحرومين والمستضعفين. ونحن الذين يجب أن نعدّ العدة ونصل إلى درجة من الرشد والتكامل بحيث نستطيع عندها تَقَبُّل وجوده وظهوره الشريف.
الإمام لا يريد أن يظهر في وقت يكون فيه الناس جميعاً تحت سيفه المبارك، ولكنه يريد الظهور عندما يصل الناس (بعضهم) إلى درجة من الرشد والتكامل يدركون عندها فساد مجتمعاتهم وحكامهم، ويستعدون لتقبل النظام الملكوتي القائم على العدل والقسط. وإذا فرضنا الآن أن أحداً يريد إجراء هذا النظام في هذا البلد فهل أن أكثرية الناس ستكون راضية عنه؟؟ كلا ودليلنا على ذلك الإمام علي عليه السلام الذي حسب اعتقادنا لا يوجد إنسان أفضل منه على مر البشرية سوى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو مظهر الإنسان الكامل وثمرة هذا الوجود فقد استطاع إقامة نظامه الإسلامي لمدة خمس سنوات، وقد رأيتم كيف خالفته أمته ولم تستطع فهمه فحاربته، وحتى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستطيعوا فهمه فطلحة والزبير قاما لمحاربته ولم يستطيعوا تحمل عدله وهم الذين كانوا قد أجبروه على تقبل الخلافة وبايعوه على ذلك ولكنهم سرعان ما تفرقوا عنه بعدما رأوا أن مصالحهم تتعرض للخطر نتيجة عدله. وقصة الاستفادة من الشمعة التي أطفأها الإمام عند شروعهم بالبحث بالمسائل الخاصة وهي متعلقة ببيت المال قد أرادها الإمام أن تكون درساً لهم ولكن أنى لهذه القلوب العمياء أن تبصر ذلك النور فقاموا مع عائشة لمحاربته والكل يعلم حجم المصائب التي حدثت جراء ذلك. ولأوضح أكثر، الإمام علي عليه السلام هو القرآن الناطق ورمز الإنسانية، وأعظم قائدٍ إسلامي قد جلس في بيته لمدة 25 سنة، لماذا!؟ هل لأنه لا يشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه أو تهرباً منها؟ كلا وحاشاه. علي عليه السلام لم يخف من أحد ولم يهرب من المسؤولية ولكن مشكلته كانت أنه خلال 25 سنة لم يجد الأنصار، فهو يعرف أن هذه الناس لا يمكنها تحمل عدله، إلا عمار وأبا ذر وسلمان الفارسي وعدد قليل. ولم يكن له أنصار آخرون. ومن حين توفى الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانتخب القوم المجتمعون أبا بكر للخلافة، جاءه قوم طلبوا منه الخروج والمطالبة بحقه، فأخبرهم عليه السلام أنه لو وجد 25 صاحباً مخلصاً موالياً لقام وأخذ حقه في الخلافة وتحمل المسؤولية. ولكنه يعلم أن أصحابه لا يبلغون ذلك. لذلك جلس مدة 25 سنة في بيته مع تحمل الألم والعذاب. وحتى عندما أصبح خليفة للمسلمين حاربه أقرب الناس إليه، هؤلاء الخوارج الذين كانت حباهم تشهد عليهم من كثرة السجود، قاموا في وجه علي عليه السلام وحاربوه. فهذه أمة علي عليه السلام التي لم تستطع أن تتحمل الحكومة الإسلامية مشكلتها أنها لم تصل إلى درجة من الرشد والوعي والتكامل لذلك رفضت الإمام وسببت قعوده في المنزل 25 سنة.
وفي عصرنا هذا، هذه الحقيقة ثابتة أيضاً، فالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حاضر يراقب أعمالنا ولكن مع الأسف أمتنا لم تصل بعد إلى درجة من الرشد والتكامل بحيث يمكنها تحمل عدله ونظامه الإسلامي. وقد سمعتم في الأحاديث أن الإمام لا يظهر حتى يوجد على هذه الأرض 313 شخصاً أتقياء، جنوداً مخلصين للإمام وهؤلاء لن يوجدوا إلا من خلال الجهاد الأكبر والأصغر ومن خلال التغير والتحول الروحي الذي يقومون به. فالقعود والنوم والراحة في البيوت لا تولد هكذا أناساً يحتاجهم الإمام، إنما يولدون في خضم الثورات والمقاومة والجهاد، ويكون باستطاعتهم إدارة أي بلد أو أية منطقة على أساس العدل والقسط، والإمام ينتظرهم وكما تعلمون، يجب أن يكونوا فقهاء ومجتهدين واليوم في عالمنا الكثير من الفقهاء والمجتهدين ولكن هل باستطاعتهم إدارة هذا البلد وذاك؟؟ وكذلك في عالمنا اليوم الكثير من أهل الإدارة والحكم ولكنهم يفتقدون إلى الاجتهاد والتقوى لذلك سيبقى الإمام ينتظر حتى يأتي المجتهدون المجاهدون القادرون على إدارة وحكم البلاد وعندها سيفيض علينا بظهوره المبارك وبمساعدة هؤلاء سيقيم دولة العدل والقسط وطبعاً هذا لا يعني أن أنصار الإمام هم 313 فقط، إنما هؤلاء هم كوادره وأعوانه الذين بمساعدتهم سيحكم العالم إن شاء الله. وفي ذلك اليوم يكون الناس قد وصلوا إلى مرحلة من الرشد والتكامل بحيث يستطيعون درك ولمس وجوده المبارك وكالفراش المجتمع حول الشمع المضيء سيلتفون حوله بعدما كانوا قد أدركوا إفلاس الشرق والغرب وكل الطواغيت والمستكبرين وفقط القليل يعارضوه وبقية العالم يلبي النداء عندما يصدر من الكعبة المكرمة ويأتونه من كل حدب. فهو رحمة لهم وليس بعذاب. فلو أراد الله أن يعذبهم بسيفه المبارك لفعل بهم كما فعل بأصحاب موسى ونوح ولوط، ولكنها الإرادة الإلهية التي اقتضت أن تكون الحجة على الناس هكذا وتكون غيبة هذا الإمام لإرشادهم وإيجاد التغير والتحول الروحي فيهم، وكل هذه المقاومة وهذه الثورات وهذا القتال في سبيل الله لأجل هذا الهدف ومعلوم أن هذه المقاومة والقتال في سبيل الرسالة هو الذي يعطيها القيمة فلا معنى للثورة إذا لم يكن طاغوت أو ظالم وثورتنا اكتسبت كل هذه القيم المعنوية من خلال وقوفها في وجه الاستكبار والدفاع عن رسالتها الإسلامية. ولذلك نقول للذين يزعمون أن عليهم القعود في زاوية المنزل منتظرين الفرج والظهور إنكم مخطئون ومشتبهون. فعلى الإنسان أن يسعى ويجاهد لإيجاد التغيير في قلبه وروحه لتصبح قادرة على تحمل ظهوره المبارك. وعملنا اليوم هو تسريع الخطى نحو هذا التحول النفساني الروحي ولنعلم أن الإمام حاضر ويراقب أعمالنا.
أيها الأخوة المستمعون من الحرس، دعوني أضرب لكم مثلاً بسيطاً. افترضوا أن قائدكم ينظر إلى أعمالكم أثناء قتالكم في المعركة فكيف سيكون قتالكم، حتماً ستقاتلون بكل قواكم لتثبتوا قدرتكم للقائد. فماذا أنتم فاعلون إن كان الذي يراقب أعمالكم هو الإمام! إذا استشهدتم سيأتي ويضمكم إلى صدره ويقرأ الفاتحة عن روحكم بالتأكيد سيكون قتالكم أشد وأعنف وكل من كان على الجبهات يدرك هذه الحقيقة. والآن إذا قالوا لكم إن الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف هو الذي يراقب قتالكم وهو الذي سيستقبلكم أثناء شهادتكم ويقبّلكم على جباهكم ويشفع لكم عند بارئكم، واعتقدتم بكل هذا، فماذا سيحصل؟؟ انقلاب وتحول داخلي عميق، معجزة وشجاعة قل نظيرها: وهذا هي حقيقة وفلسفة الغيبة. لندرك وجوده ونطمئن إلى أنه مراقبنا ليس فقط أثناء المعركة، بل وفي كل الساحات، ينظر إلى أعمالنا الحسنة والقبيحة، لا يترك أنصاره ومواليه أبداً، فهو هاديهم ومرشدهم على الدوام. وقد سمعتم في الأحاديث أنه إذا قدر لأمة أن يحكمها مجتهد جامع للشرائط وأخطأ هذا المجتهد في حكم ما فإن الإمام يأتيه ويرشده إلى الطريق الصحيح. فهو لا يتخلى عن أنصاره طرفة عين يتألم لآلامهم، يراقب أعمالهم ويسعى بكل جهده لإيجاد وتسريع هذا التحول الروحي فيهم ليصلوا إلى درجة الرشد والتكامل الممهد للظهور المبارك.
أعزائي، ضربت لكم هذا المثل لأبين لكم أنكم إذا وصلتم إلى المرحلة التي تعتقدون فيها أن الإمام عليه السلام مراقب جميع أعمالكم وشاهد عليكم لحصل التغيير والتحول في كل حياتكم وأعمالكم وسرتم بسرعة نحو التكامل اللاّزم لإيجاد المدينة الفاضلة، ولكن مع الأسف ينظر شعبنا إلى الإمام الحجة عليه السلام على أنه أسطورة تاريخية انتهت كما انتهى عهد الإمام علي عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام وهذا طبعاً من الأخطاء القاتلة إذ لو أدركنا واعتقدنا أن الإمام مراقب جميع أعمالنا وحاضر بيننا لحصلت قفزة نوعية في حياتنا نحو التكامل نحتاجها لتسريع ظهور الإمام ولهذا أكد المذهب الشيعي على الانتظار والأمل بالظهور وإقامة دولة الحق والعدل.
ولتبيين المسألة أكثر نضرب مثلاً بسيطاً: فلكل إنسان في هذه الحياة أمنيات وآمال كثيرة فالتلميذ مثلاً، يتمنى أن ينال العلامة 20 أو أن يصل إلى الجامعة ويصبح مهندساً والجندي أمله الانتصار السريع على العدو. وأمنية شعبنا انتصار الثورة والإنسان لا يستطيع العيش بدون أمل. أما الذين وصلوا إلى المرحلة الأخيرة من الكمال فلا أمنية لهم سوى الله، فهؤلاء لا يشملهم البحث وتختلف درجات الأماني من بسيطة حقيرة إلى رفيعة متعالية. والمذهب الشيعي قد علَّم أتباعه أن عليهم امتلاك أمل وأمنية واحدة ألا وهي رجاء التعجيل بظهور الحجة، فهذه الأمنية الوحيدة شاملة لكل الأماني البسيطة، فمن كانت أمنيته المال ففي المدينة الفاضلة بعد الظهور سيحصل عليه، ومن أراد إقامة العدل والانتصار على الكافرين المستكبرين فهناك، ومن أراد حياة مع رفاهية أفضل فهذا بعد الظهور متوفِّر له فكل الأماني ستتحقق بظهوره المبارك. إذاً لا حاجة إلا إلى أمنية واحدة وهي تمني ظهوره الشريف.
وهنا نصل إلى نتيجة أنه إذا أدركت أمتنا هاتين المسألتين، فإن أمنيتها يجب أن تكون واحدة وهي أمنية الظهور فقط، وثانياً: أن الإمام حاضر ومراقب لجميع أعمالنا، وهو ينتظر الفرصة للظهور.
ووظيفتنا اليوم هي تسريع هذا التحول والتغيير الروحي والفكري حتى يصل الناس إلى درجة من الرشد والتكامل يستطيعون عندها تحمل وجوده المبارك. وعلينا الاطمئنان أنه إذا وصلنا إلى هذه الدرجة، فإن الإمام سيظهر بالتأكيد إن شاء الله. وثورتنا المباركة أحدثت تقدماً كبيراً في هذا المجال فعلينا اليوم المحافظة عليها والدفاع عنها. فإنه نوع من تسريع الظهور المبين.
وفي النهاية نسأل الله التوفيق لدرك وجوده.
وتسريع ظهوره، ونسأل الله النصر لهذه الثورة وإبادة كل الكفر والاستكبار العالمي ونسأل الله أن يطيل عمر قائدنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته