نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الإمام القائد: التمهيد ومقارعة الاستكبار



بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين لا سيما بقية الله في الأرضين الكهف الحصين وغياث المضطر والمستكين وعصمة الله وملاذ اللاجئين مولانا الحجة بن الحسن المهدي المنتظر، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين، قال الله الحكيم في كتابه: ﴿بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ﴾.

بمناسبة الولادة المباركة الميمونة للأمل المنشود الإمام القائد حجة الله في الأرض المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف سلام الله عليه وعلى آبائه الأطيبين الأطهرين، أتقدم إليكم إخوتي أخواتي القميين الأعزاء بخالص التهاني والتبريكات.

هناك عدد من القضايا أرى من الضروري أن أطرحها في هذه الفرصة القصيرة، وهي من قضايانا الفكرية والسياسية الأساسية المرتبطة ببعضها البعض.

القضية الأولى تتعلّق بمعتقدنا في انتظار ولي العصر المهدي الموعود عجل الله فرجه الشريف منقذ البشرية، فالمسلمون قاطبة يؤمنون بحقيقة المهدي الموعود عجل الله فرجه الشريف التي تجلّت في روايات النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم، وأوليات الدين، لكن هذه الحقيقة لم تبرز ولم تجد معناها الحقيقي في العالم الإسلامي مثلما تجده لدى أبناء شعبنا العزيز والشيعة ككل، وهذه من بركاته أرواحنا فداه، فنحن عرفنا المهدي الموعود عجل الله فرجه الشريف وخصوصياته عن طريق الروايات، وشعبنا عرف ولي الله الأعظم وبقية الله في الأرض وبقية أهل بيت الرسول اسماً وخصوصية، وهو يرتبط به فكراً وعاطفة. أبناء هذا الشعب يدعونه ويشتكون إليه ويسألونه وهم ينتظرون ذلك العهد السامي، عهد حكومة القيم الإلهية السامية على حياة البشرية، هذا الانتظار له قيمته، فهي يعني أنّه ما دام هناك ظلم وجود يسودان العالم، لا يمكن خنق الأمل في قلوب المنتظرين، وإذا ما زال هذا الأمل من قلب مجموعة من البشر، تراهم في يأس دائم وتشاؤم بالنسبة لمستقبل البشرية، فكل هذا الظلم الذي يسود العالم وكلّ هذا التسلط الجائر وكلّ هذه العنجهيات والتحكم برقاب الناس وإراقة دماء الأبرياء وإهدار أشرف القيم الإنسانية وكلّ هذه التهديدات التي يطلقها الاستكبار العالمي يومياً، كلّ هذه المساوئ وكلّ هذا الاستغلال والظلم يدفع بالإنسان الذي يخلو قلبه من أي أمل إلى دوامة اليأس، ولهذا نرى كيف أنّ جيل الشباب في البلدان الغربية يساق نحو الضياع والدمار، هذا الجيل الذي لا يرتبط بمعتقد ولا يلتزم بأي معتقد عندما ينظر إلى تقلبات حياة الإنسان، يضعف أمام اليأس وينساق نحو الضياع.

إنّ غالبية الشبان والفتيات في البلدان الأوروبية والغربية يضيعون في أهوائهم ويغرقون في شهواتهم الآنيّة غير مبالين بمظاهر الحياة، وهذا ناجم عن اليأس الذي يسيطر أيضاً على نفوس الكثير من المفكرين وأصحاب القلم والخطباء في العالم، أمّا ذلك الشعب الذي يأمل بالمستقبل فهو يعلم أنّ الظلم والجور والتسلط والعدوان والطغيان والاستكبار بكل ما يمارسه من ثقل في يومنا هذا لا بدّ وأن يزول وينتهي، وإنّ قدرة الحق القاهرة لا بدّ وأن تتغلّب على قدرة الفساد والظلم الواهية، ولا بدّ لنور العدالة أن يظلل حياة البشرية، وهذا هو معنى انتظار ظهور صاحب الأمر والزمان عجل الله فرجه الشريف.

أنتم أيها الشبان الأعزاء الذين ما زلتم في بداية حياتكم وأوائل مساعيكم وجهودكم، عليكم أن تجهدوا لتمهدوا الأرضية لمثل ذلك العصر، العصر الذي سيخلو من أيّ شكل من أشكال الظلم والفساد، العصر الذي يصبح فيه عقل الإنسان وفكره أكثر وعياً وإدراكاً وإبداعاً، العصر الذي ستكفّ فيه الشعوب عن التناحر فيما بينها وستختفي الحروب التي تحصل اليوم إقليمية وحصلت من قبل عالمية، إنّه عصر الصلح والسلام، عصر الأمن والاستقرار في كلّ بقاع الأرض، علينا جميعاً أن نعمل لذاك العصر، فلا راحة ولا طمأنينة ولا استقرار قبل عصر الظهور، ظهور المهدي الموعود عجل الله فرجه الشريف، فقد جاء في الروايات "والله لَتُمَحّصُنّ والله لَتُغَرْبَلَن"، يعني أنكن ستواجهون أشد الصعاب، وسيكون اختبار وامتحان لكم، ولكن متى وكيف؟

في ميدان المجاهدة، فالإنسان الطيب الطاهر يخضع لامتحان صعب قبل ظهور المهدي الموعود عجل الله فرجه الشريف، يخرج منه مرفوع الرأس في انتظار ولي العصر والزمان وعصره الهادف، وهو الأمل الكبير، لذلك نعتبر الخامس عشر من شعبان عيداً كبيراً، وهنا أغتنم الفرصة لأبارك لكم ثانية هذا العيد، وخاصة هذا العيد لأنّه يبعث على الأمل ولأنّه يواجه اليأس الذي يريد الاستكبار زرعه في نفوس المستضعفين، فإذا ما نظرتم اليوم إلى مخطّطات ساسة الاستكبار ومنظريه لرأيتم أن من أهم ما يخطّطون له ويهدفون إليه هو زرع اليأس في نفوس الناس تجاه الإصلاحات التي يجب أن تتم، وهذه المخططات لن تنجح ما لم يدب اليأس في الشعوب، فالاستكبار لن يجني ثمار مخططاته إذا بقيت الشعوب تعيش على أمل وتنتظر ذلك الأمل، فلذلك يحاول الاستكبار أن يخدع الشعوب ويوهمها بأنّ قوتها الذاتية وثقافاتها ومعتقداتها وهواياتها الوطنية والقومية لن تنفعها بشيء وعليها أن تستعين بالقوى الكبرى في استمراريتها بالحياة، هذه هي خدعة الاستكبار وفكره الذي يريد فرضه على الشعوب، وفي الجهة المقابلة تستقر فكرة الانتظار التي تسود مجتمعنا وتسود مؤيدي وأنصار أهل البيت عليهم السلام، الانتظار الذي يعني انتظار الفرج والأمل بالاستقرار، روما خلال السنوات القادمة لا يدرك بعضنا ذلك العصر، وهذا تحصيل حاصل، ولكن ذلك العصر لا بدّ وأن يأتي دون أدنى شك، لذا فإنّ التبريك بهذا العيد، عيد الأمل، عيد الانتظار، انتظار الفرج، يأتي في مقابل ما يرمي الاستكبار إلى تحقيقه.

القضية الثانية والتي هي مكملة للأولى هي أنّنا لا يمكننا أن نعتبر أنفسنا من المنتظرين دون التمهيد للظهور، ظهور المهدي الموعود أرواحنا فداه، والتمهيد يتم بالالتزام بالأحكام الإسلامية والقرآنية، فكما ذكرت، جاء في الروايات "والله لتمحّصُن، والله لتغربلن"، هذا التمحيص وهذا الامتحان الكبير الذي يواجهه مريدو ولي العصر عجل الله فرجه الشريف وشيعته هو نفسه السعي لتطبيق الأحكام الإسلامية وعليهم أن يسعوا لذلك، كما فعل شعبنا العزيز وخطا خطوة عظيمة في هذا المجال، في هذه المدينة، مدينة قم التي كانت منطلق النهضة والثورة، وفي هذه الساحة المقدسة التي شهدت جهاداً عظيماً قبل انتصار الثورة الإسلامية وبعده، ينبغي عليّ أن أعترف بأنّ الشعب الإيراني خطا الخطوة الأولى على طريق تطبيق الحكم الإسلامي وتقريب الشعوب الإسلامية من عصر ظهور المهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهذا الأمر لم يشأ عالم الماديات تصديقه، هذا العالم لا يريد أن يرى الدين الإسلامي الذي حاول وبذلك كلّ ما لديه لمسخه والنيل منه، يخرج ثانية وبقوة ليتربع على عرش الحكومة ويستأثر باهتمام الشعوب ويستقطبها، لذا بدأ الاستكبار وأعداء الدين وجبهة الكفر والإلحاد والفساد الحرب مع الجمهورية الإسلامية، وما يجب هنا معرفته هو أنّ السنن الإلهية قد فعلت فعلها، فرغم كلّ الضغوط التي مارسها الاستكبار ضدّ الجمهورية الإسلامية في بلدنا العزيز إيران – نرى الجهود التي بذلت قد أثمرت والحمد لله، وهذه معجزة من معجزات الإسلام.

 اليوم نرى أولئك الذين يكلفون بتشكيل حكومة في بلدٍ ما من العالم كيف تساورهم المخاوف تحمّل أعباء هذه المسؤولية وهم يرون كلّ ما يحصل بين البلدان الغنية والفقيرة، أنّ الجمهورية الإسلامية في إيران، هذا النظام الإلهي الإسلامي المقدس استطاعت رغم ادعاءات ومضايقات الأعداء أن تحقّق إنجازات عظيمة لا يمكن لدولة تعيش ظروفاً عادية بعيداً عن المضايقات تحقيقها، ومجرد تصور هذه المسألة يؤلم أعداء الإسلام الذي أرادوا أن يروا الجمهورية الإسلامية تتعثر وتفشل في مسيرتها، لكن الجمهورية الإسلامية والحمد لله قد حقّقت نجاحات عظيمة في كلّ الميادين بما فيها إعادة البناء والثقافة وبسط الثقافة الإسلامية وفي مجال دفع البلاد نحو الاستقلال وتنمية الطاقات والحصول على دعم الجماهير على عكس ما كانت عليه العهود البائدة، حيث كانت الجماهير بعيدة عن حكومات الجور التي تفعل ما يحلو لها دون الاهتمام بالشعب، لكنّ الجمهورية الإسلامية قد وفّقت في إزالة هذا السد الذي بني منذ قرون طويلة، ليصبح الشعب هو صاحب القرار، وليعمل المسؤولون على تحقيق إرادة الشعب ومطالبه، وهذه هي الطريقة الفضلى لحماية الثورة، المهم هو أنّ شعبنا أصبح أكثر وعياً وحذراً، ولا يتأثر بكل تلك الدعايات التي يخصّص لها الاستكبار وأعداء الإسلام ميزانيات ضخمة، هذا الشعب يواجه دعايات الاستكبار باستهزاء وسخرية، فهو بات يعرف ما يهدفون إليه من هذه الدعايات وهذا الإعلام، وهذا توفيق من عند الله لشعبنا، إنّ الاستكبار العالمي يقوم عبر وسائل إعلامه باستبدال حكومات أخرى في العالم واستبدال وجوه بأخرى، هكذا يؤثر إعلامهم في الأنظمة الخاوية التي لا تتكل على شعوبها، لكن شعبنا بات كالبنيان المرصوص بفضل إيمانه والطريق الذي رسمه أمامه ومعلمه، ذلك القائد الذي لم يعرف تاريخنا نظيراً له خلال القرون الأخيرة، وبفضل الألطاف الإلهية وألطاف ولي العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف أصبح هذا الشعب أكثر وعياً والحمد لله، أمّا مسؤولونا فإنّهم في سعي متواصل وعمل دؤوب، كلّ في مجال مسؤوليته والله سبحانه وتعالى يساعدهم ويوفقهم في أعمالهم ويزيدهم خبرة في المجال السياسي والاقتصادي.

إنّ شعبنا عرف بصبره العظيم واستقامته في شتى مجالات الحياة، إنّ هذا الصبر وهذه الاستقامة سيجعلان الشعوب الإسلامية وحتّى غير الإسلامية منها تقتدي بهذا الشعب وبنظام حياته الذي هو رمز انتصاره، وسيظهر عندها الوجه الحقيقي للإسلام للعالم كله إن شاء الله.

ما أريد أن أضيفه هنا هو أنّ على شعبنا وسائر شعوب العالم لا سيما الإسلامية أن تعي ما تعانيه البشرية وأن تشخص حقائق الأمور حتى لا يستطيع الإعلام الأجنبي الخبيث تشويه الحقائق وتلفيق ما يحلو له. وما على شعوب العالم أن تعرفه اليوم هو أنّ البلاء الأعظم الذي تعاني منه البشرية اليوم هو هيمنة القوى الاستكبارية الجائرة، وهذا ما أدركه ويدركه شعبنا والحمد لله، هذه الهيمنة هي أساس مشاكل الشعوب، هناك اليوم أناس يعيشون على ارض مليئة بالثروات الطبيعة الإلهية ثروات هائلة، وهناك شعوب تعاني من فساد وظلم حكوماتها التي لا تفكر بسوى جمع المال ومضاعفة أرصدتها وإشباع غرائزها الحيوانية، وهذه مشكلة أخرى من المشاكل، اليوم لا تستطيع غالبية الشعوب أن تستفيد من طاقاتها التي تجذبها القوى الكبرى بأموالها، شاب يدرس في بلد ما، يصل إلى مرحلة متقدمة في علومه وتأخذه بعيداً عن شعبه، وهذا ما يسمى بفرار الأدمغة أو في الحقيقة اختطاف الأدمغة، وهذه مشكلة أخرى تعاني منها الشعوب.
 

مشاكل الشعوب متعددة من فقر وجهل ومعاناة من الجور والظلم والفساد الأخلاقي وانحطاط ثقافي، ولكن ما أريد قوله هو أنّ قوة متجبرة كأمريكا لو لم تهيمن اليوم على العالم ولم تدعم الحكومات الفاسدة في بلدان عديدة لما تسلطت هذه الحكومات على شعوبها وهذه الحقيقة يجب أن تدركها شعوب الأرض كما أدركها شعبنا.
إنّ القوة الاستكبارية تمتاز بسياسة توسعية خبيثة، إذ تنظر إلى العالم بأسره كما لو أنّها تنظر إلى منطقتها ومصالحها، تحاول تعزيز منطقة ما، لأنّ تعزيزها ودعمها يصبّان في مصلحتها، وتقدم على تعزيزها فعلاً دون مراعاة مصلحة الآخرين.

واليوم إنّ الوعد الإلهي يناديكم أيها الشعب المقاوم الغيور أنتم الذين أفشلتم كلّ تلك المخطّطات، أنتم الذين عاصرتم الأحداث، أنتم ضحيتم بأبنائكم، أنتم يا ذوي الشهداء والمعوقين، أنتم يا أصحاب القلوب المؤمنة أنتم الذين تشكلون هذه الجموع المليونية المؤمنة بالله وبالقرآن، كما صمدتم وكما تخطيتم الصعاب وكما أنقذتم بلدكم من براثن القوى السلطوية وقطعتم أيادي الذئاب والكلاب المسعورة عن هذا البلد، هذا البلد هو بلدكم، كما تجاوزتم كلّ الصعاب وتجاوزتم الحرب المفروضة وأفشلتم الحصار الاقتصادي، إنّكم إذا استمريتم بهذا الإيمان وهذا الاتحاد وهذا الصمود في سوح الثورة وهذا الوفاء لخط ونهج الإمام وعدم الخوف من الاستكبار السلطوي، فإنّكم ستبلغون جميع أهدافكم بإذن الله، وأحد هذه الأهداف تدمير وتشتيت كيان الاستكبار العالمي، إنّه وعد الله، ولا شكّ في أنّ وعد لاله لا بدّ أن يتحقّق، رغم وجود من يرفضه وينفر منه في عالمنا اليوم، هذا الوعد يمنحنا الأمل بالمستقبل، الأمل الذي نترقبه في انتظارنا للفرج.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يشملنا ويشملكم أنتم يا أبناء الشعب العزيز، برحمته وبركاته، وأن يديم علينا وعليكم ألطاف ولي العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف وأن يجعل إمامنا العزيز راضية علينا وعليكم برضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع