مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

مع الإمام الخامنئي | سيّدة نساء الدّنيا والجنّة عليها السلام


إنّ فاطمة الزهراء عليها السلام بكلّ ما تتحلّى به من جلالة قدر، وشأن رفيع، ومنزلة عظيمة، كانت ربّة منزل، وهذا لا يعدّ إهانة لها لأنّ عظمتها محفوظة في محلّها، إلّا أنّ أحد شؤونها ومهامّها هو كونها زوجة، وأمّاً، وربّة منزل، فلننظر إلى هذه المفاهيم بهذا المنظار(1).

* حُسن التبعُّل
كانت عليها السلام دوماً أمام حالات عدّة، فإمّا أن يكون زوجها في الحرب، أو يعود إليها منها جريحاً، أو يكون إلى جانب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الأعمال المهمّة داخل المدينة، أو في سفر عمل. فكانت عليها السلام مع هذه الأوضاع والظروف الصعبة، ومع هذا الزوج الكثير العمل والمشاغل، تتعامل بغاية المحبّة والتضحية، وربّت أربعة أطفال في مدرسة تربيتها وتعاليمها سماويّة، أحدهم الإمام الحسين عليه السلام، الذي لا تجد اليوم في تاريخ البشر كافّة عَلَمَاً للحريّة والفخار أبرز وأعلى منه.

* «أمُّ أبيها»
عندما كانت عليها السلام فتاة، كانت تعامل أباها الذي كان بهذه العظمة بطريقة خاصّة، بحيث راحت تُكنّى بـ«أمّ أبيها»، في الوقت الذي كان نبيّ الرّحمة والنّور، ومؤسّس الحضارة الحديثة، والقائد العظيم للثّورة الخالدة يرفع راية الإسلام. ولم تُكنَّ بـ «أمّ أبيها» اعتباطاً، فقد كانت إلى جانب أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تزيل بيديها الصّغيرتين غبار الحزن والغمّ عن وجهه، سواء في مكّة أم في شُعب أبي طالب مع كلّ شدائدهما، أم عندما بقي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وحيداً مكسور القلب بوقوع حادثتين في مدّة قصيرة، هما وفاة السيّدة خديجة عليها السلام ووفاة أبي طالب عليه السلام(2).

* المجاهدة
توجد نقطة مهمّة في حياة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام اليوميّة، وهي الجمع بين حياة امرأة مسلمة في سلوكها مع زوجها وأبنائها وقيامها بمسؤوليّاتها في البيت من جهة، وبين مسؤوليّات الإنسان المجاهد الغيور الّذي لا يعرف التّعب في التّعامل مع الأحداث السّياسيّة المهمّة بعد رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، حيث جاءت إلى المسجد وخطبت واتّخذت الموقف ودافعت وتحدّثت. وكانت من جهاتٍ أخرى مجاهدة بكلّ ما للكلمة من معنىً، لا تعرف التّعب وتتقبّل المحنة والصّعاب. ومن جهةٍ ثالثة، فقد كانت عابدة ومقيمة للصّلاة في الليالي الحالكة، وتقوم لله خاضعةً خاشعة له، وفي محراب العبادة كانت هذه المرأة الصبيّة كالأولياء الإلهيّين تناجي ربّها وتعبده(3).

* الصابرة الممتحنة
انظروا إلى هذه السّيّدة الجليلة في أيّ سنٍّ حازت على هذه الفضائل كلّها، وفي أيّ عمرٍ برزت فيها هذه التألّقات كلّها، في عمرٍ قصير لم يتجاوز 18 سنة، أو 20 سنة، أو 25 سنة، بحسب اختلاف الرّوايات. وهذه الفضائل كلّها لا تحصل عبثاً.

«امتحنك الله الّذي خلقك قبل أن يخلقك، فوجدك لما امتحنك صابرة»(4). فإنّ الله تعالى قد امتحن زهراء الطّهر، وهي المصطفاة من عباده. إنّه يعدّ كلّ هذا الإيثار والمعرفة والتّضحية الخاصّة (وهي من عبيده الخواص)، في سبيل الأهداف الإلهيّة، لذلك جعلها مركز فيوضاته(5).

* العالمة العابدة
كانت فاطمة الزّهراء عليها السلام عالمةً عظيمة، فتلك الخطبة الّتي ألقتها في مسجد المدينة بعد رحيل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، هي خطبة، بحسب كلام العلّامة المجلسيّ (رضوان الله عليه)، يحتاج فطاحل الفصحاء والبلغاء والعلماء أن يجلسوا ليفسّروا معاني كلماتها وعباراتها. لقد كانت في هذا العمق، وبلحاظ جماليّة الفنّ، مثل أجمل كلمات نهج البلاغة وأرقاها. تذهب فاطمة الزّهراء عليها السلام إلى مسجد المدينة وتقف أمام النّاس وترتجل، ولعلّها تتحدّث لمدّة ساعة بأعذب العبارات وأجملها وأكثرها بلاغةً.

ومع كلّ تلك المصائب والصّعاب، أتت إلى المسجد وخاطبت الجمع الغفير من وراء حجاب، بحيث بقيت كلمات هذه الخطبة، كلمة كلمة في التاريخ(6).

* المُحسنة
كانت السيّدة الزهراء عليها السلام تُحسن إلى الفقراء، بحيث عندما أرسل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً عجوزاً فقيراً إلى بيت أمير المؤمنين عليه السلام، وقال له أن يطلب حاجته منهم، أعطته فاطمة الزّهراء عليها السلام جلداً كان ينام عليه الحسن والحسين عليهما السلام، حيث لم يكن عندها شيءٌ غيره، وقالت له أن يأخذه ويبيعه ويستفيد من ثمنه(7).

* سيّدة نساء أهل الجنّة
قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن فاطمة الزهراء عليها السلام: «سيّدة نساء أهل الجنة»(8). وبالطبع، ثمّة روايات أخرى تصفها بـ«سيّدة نساء العالمين»(9)، و«سيّدة نساء الدنيا»(10). ولكنّي أعتقد أنّ الأهمّ هو سيّدة نساء أهل الجنّة.

يقول الله تعالى: ﴿وضَرَبَ‏ اللَّهُ‏ مَثَلاً لِلَّذينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْن﴾ (التحريم: 11). امرأة فرعون نموذج لكلّ المؤمنين وليس للنساء فحسب، بل ﴿لِلَّذينَ آمَنُوا﴾؛ أي أنَّ الله تعالى جعل امرأتين نموذجين لكلّ المؤمنين: إحداهما زوجة فرعون السيّدة آسية والثانية هي السيّدة مريم عليها السلام. هاتان المرأتان نموذجان للبشريّة كلّها ولكلّ مؤمني العالم. وإنّهما، والنساء البارزات كلّهنّ، من الوليّات الإلهيّات ومكانهنّ الجنّة، ثمّ إنّ السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام هي سيّدة نساء أهل الجنّة، إنّها سيّدتهنّ جميعاً.

1- من كلام له دام ظله بتاريخ 19/03/2017م.
2- من كلام له دام ظله بتاريخ 27/04/1998م.
3- من كلام له  دام ظله بتاريخ 13/12/1989م.
4- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 97، ص 194.
5- من كلام له دام ظله بتاريخ 20/6/1412م.
6- من كلام له دام ظله بتاريخ 16/12/1992م.
7- من كلام له دام ظله بتاريخ 16/02/1992م.
8- صحيح البخاري، ج 4، ص 183.
9- المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج3، ص153.
10- في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: «فَاطِمَةُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بَيْنَ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا». (الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 195).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع