مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

الشهيد محمّد علي قاسم طحان (أبو طالب)

نسرين إدريس قازان


اسم الأمّ: ذكية عبود.
محلّ الولادة وتاريخها: عدلون 13/10/2000م.
الوضع الاجتماعيّ: عازب.
محلّ الاستشهاد وتاريخه: الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة 14/5/2021م.


أسرار كثيرة رافقته مذ أبصر النور، لم يُدرَك معناها إلّا مع ابتسامته الأخيرة رافعاً شارة النصر وحاملاً علم فلسطين على بُعد خفقة قلبٍ من ترابها المحتلّ.

* اسم ولقب مميّزَان
ولد محمّد علي في ليلة الثالث عشر من شهر رجب المبارك، وقد حمل اسماً مركبّاً من أعظم الأسماء. هذا وقد نالت فلسطين من اسمه نصيباً أيضاً، فهو المولود في اليوم الذي استشهد فيه الطفل محمّد الدّرّة برصاص الصهاينة وهو يلوذ بحضن والده في غزة أمام مرأى العالم كلّه، فلقّبه والداهُ باسم «محمّد الدرّة» حتّى بلغ الخامسة من عمره، ليختار له والده من بعدها لقب «أبو طالب» لما تحملُ تلك الشخصيّة من صفات طيّبة من صبرٍ واحتساب وتضحية وشجاعة.

* نشأة في ربوع حكايا المقاومة
هو الابن الرابع في العائلة وصغير إخوته. تزامنت مدّة حمل أمّه به مع تحرير الجنوب عام 2000م، فترعرع في بيتٍ متديّن ومقاوم، وتغذّى على الإيمان والتقوى، ونشأ بين حكايات الجهاد في سبيل الله وقصص الانتفاضة في فلسطين المحتلّة، حتّى قطف محمّد علي مختلف المواقف والبطولات ولحظات القهر والأسى التي مرّت على الأمّة، لتتشكّل في داخله فهماً لكيفيّة مواجهة العدوّ ومقارعته. وكثيراً ما كان يستأنس بحكايات العمليّات العسكريّة للمقاومة الإسلاميّة على مواقع الاحتلال، والتي تتناهى إلى سمعه كذكرياتٍ في بيتٍ كان أحد دساكر المقاومة.

ولكنّ استتباب الأمن في طفولته لم يستقرّ كثيراً، فقُبيل أن يحتفل بعيد ميلاده السادس، تعرّف محمد علي على الوحش الصهيونيّ وهمجيّته بشكلٍ مباشر هذه المرّة، لا عن طريق القصص والحكايات، بل عن طريق حرب تمّوز عام 2006م، وعلى الرغم من صغر سنّه، فقد أظهر طوال ثلاثة وثلاثين يوماً شجاعة وثباتاً لافتَين، ولم ترسم مشاهد المجازر لمحة خوفٍ في وجهه الباسم.

* الأهل محور اهتمامه
كان محمّد علي فتىً خفيف الظلّ، محبوباً، يبعثُ الحياة والحيويّة أينما حلّ، فهو لا ينسجمُ مع الركود، وكأنّه يشبهُ بحركته البحر الذي تربّى بين أمواجه في قريته عدلون، فتراهُ ما إن ينهي عملاً حتّى يشرع بالآخر. وقد برز وعيه والتفاته لصغائر الأمور، خصوصاً من الناحية الشرعيّة، واهتمّ كثيراً بعلاقته مع إخوته الذين كانوا يكبرونه سنّاً، ولكنه نسج معهم علاقة خاصّة سمحتْ له بتمرير النصح بأدبٍ إذا ما رأى أمراً يستلزم ذلك، خصوصاً إذا ما تعلّق بتفصيل شرعيّ. وكان يهتمّ بشؤون شقيقته الوحيدة التي تكبره قليلاً، وغالباً ما يحيط الأخ أخته بحبّ واهتمام كبيرين، فضلاً عن أنّه كان يثني كثيراً على الحجاب الشرعيّ المتكامل الذي يعكسُ ملائكيّة الفتاة. أمّا مع والديه فهو المدلل الذي لم يفسد الدلال فيه خُلقاً، بل زاد عمق الحبّ لهما في قلبه.

* في ركب جنود الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
لم يكن دخول محمّد علي إلى المدرسة يشبه دخول أيّ طفل آخر، فهو المعبّأ ثورةً وحماسةً من البيت، وما التحاقه بثانويّة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف إلّا خطوة أولى للالتحاق بجيش الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، فكان الهدف الكبير الذي وضعه نصب عينيه في حياته أن يكون جنديّاً من جنوده. وما إن كبر قليلاً والتحق بالكشّافة، حتّى بدأ تحضير نفسه عمليّاً ليكون ذلك الشابّ الذي يرتدي ثياب الجهاد ويلتحفُ بالكوفيّة الفلسطينيّة، لأنّه كان يدرك أنّ القضيّة الفلسطينيّة هي صُلب الصراع مع العدوّ الصهيونيّ، فعمل إلى جانب دراسته على تثقيف نفسه دينيّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً من جهة، ومن جهة أخرى أهّل نفسه على المستوى العسكريّ بما يتناسب مع عمره، فكلّما أنهى مستوى التحق بالأعلى. واللافتُ أنّه غالباً ما يكون في المرتبة الأولى، ليس بسبب ذكائه فحسب، بل لأنّ العاشق لحلمه يبذل قصارى جهده لتحقيقه.

* صفات لافتة
كلّما كبر محمّد علي زادت هالة حضوره، فتراه في عاشوراء بين اللاطمين باكياً واضعاً الكوفيّة على رأسه، وبين الجموع خادماً، فأيّام شهر محرّم والليالي الفاطميّة لها قدسيّة خاصّة في برنامجه الروحيّ والجهاديّ. وما إن اشتدّ عوده حتّى ترفّع إلى التعبئة، ليشارك في المرابطات العسكريّة إلى جنب الرجال في أماكن الخطر والمواجهات ضدّ التكفيريّين.

كان لافتاً في شخصيّته أنّه شخصٌ اجتماعيّ ودود، أنشأ مروحة واسعة من المعارف والأصدقاء من الكشّافة والتعبئة والمعهد الذي كان يتابع فيه اختصاصه في الكهرباء. وكان له أسلوبه الخاصّ في حلّ المشاكل، إذ يتعامل معها كما عمله في أسلاك الكهرباء، بدقّة متناهية، فلم يكن متسرّعاً للوصول إلى نتيجة، ولا متهوّراً في أخذ المواقف، بل يدرس الأمور جيّداً ليكون قراره حكيماً قدر المستطاع.

* أمنية ليلة القدر
استغلّ محمّد علي أوقات فراغه في خدمة الناس، أو في زيارة أضرحة الشهداء وغسل قبورهم، وقراءة القرآن والدعاء عندهم. وفي إحدى الزيارات، وكان ذلك في أواخر أيّام الحجر الصحيّ بسبب جائحة كورونا، أحيا ورفاقه ليلة القدر الثانية بضيافة ضريح الشهيد مصطفى شحادي، فطلب إلى رفاقه أن يدعوا له بالشهادة، فقابلوه بالمزاح قائلين: «الشهادة لها أهلها»، فلم يردّ على تعليقاتهم بل أشار إلى مكانٍ وقال لهم: «هنا سوف تدفنونني».

لقد ظهر اليقين جليّاً في حديثه، وكأنّ ليلة القدر رفعت صدق دعائه وأمنيته إلى الله، فأنزل الله سكينته على قلبه، وأدرك أنّ الرحيل قريب، وكان له ذلك.

* البوصلة: فلسطين
في السادس من شهر أيّار، أصدر الاحتلال الإسرائيليّ قراراً بتهجير سبع عائلات من حيّ الشيخ جرّاح في فلسطين المحتلّة، ما أشعل المواجهات بين أهل الحيّ وقوّات العدوّ الصهيونيّ، أفضت فيما بعد إلى اندلاع معركة «سيف القدس». تلك الشرارة امتدّت إلى قلوب الذين لم تحد بوصلتهم عن القدس طرفة عين، فانطلقت مسيرات داعمة إلى الحدود اللبنانيّة المتاخمة لفلسطين المحتلّة. وعلى الفور، وضع محمّد علي كوفيّته، وحمل علم فلسطين، وانطلق مع الرفاق ليوصلوا رسائلهم إلى القدس: “إنّنا قادمون”، أوليس هذا الشعار الذي تعلّمه طفلاً في الكشّافة، وصرخ به شابّاً في الدورات العسكريّة؟

كان المكان يضجّ بسيلٍ من الشباب الذين أخذتهم نخوة الدفاع عن القضيّة. أمّا هو فكان المسجد الأقصى يلوح في أفق عينيه، والأناشيد الثوريّة التي طالما تغنّى بها تطيرُ ألحاناً حوله، وقد لاحَ وجهه الأسمر من بين الوجوه، وكأنّ محمّد الدّرّة لم يُقتل، بل كبر ليأخذ ثأره بيده.

لم يتحمّل جنود العدوّ ذلك المشهد، فراحوا يطلقون النار حتّى أصابته رصاصة في خاصرته، فهرع إليه رفاقه ونقلوه إلى المستشفى، ولكنّه سرعان ما استشهد حبّاً بفلسطين.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع