آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ
الماء، والطعام، والملبس، والمسكن من أكثر الاحتياجات الإنسانيّة بداهةً لديمومة الحياة. وكلمة المسكن المشتقّة من "سكن" تعني السكون والهدوء والنجاة. والمسكن المجهّز بوسائل الراحة هو عنصر استقرار حياة الإنسان(1).
* للراحة والاستقرار
ورد في آيات القرآن الكريم وروايات أهل البيت عليهم السلام منافع المسكن وخصوصيّاته ودوره في الحياة، كما نهت عن النفقات غير الضروريّة في المسكن، حيث سنعرض في هذا المقال جانباً من الروايات ذات الصلة بالموضوع.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مِنْ سَعَادَةِ المَرْءِ المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالمَسْكَنُ الوَاسِعُ، وَالمَرْكَبُ البَهِيُّ، والوَلَدُ الصَّالِحُ"(2)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "مَنْ بَنَى مَنْزِلاً؛ فَلْيَذْبَحْ كَبْشاً وَلْيُطْعِمَ لَحْمَهُ المَسَاكِينَ"(3).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً أنّه قال: "خَيْرُ بُيُوتِكُمْ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بُيُوتِكُمْ بَيْتٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ"(4)، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إِذَا أَرَادَ الله بِعَبْدٍ هَوَاناً، أَنْفَقَ مَالَهُ فِي البُنْيَانِ..."(5).
يشير مضمون هذا القبيل من الروايات إلى أنّ حاجة بني آدم للسكن، هي تأمين الراحة والاستقرار في حياته؛ لتوظيفهما في طريق السعادة والكمال. ويتيسّر تحقيق هذا الهدف، من خلال توفّر الإمكانات اللازمة والسائدة في كلّ عصر وبيئة. وإذا لم يجد الإنسان القناعة حتّى بعد بلوغه هذه الظروف الميسّرة، وسعى بشكلٍ دائم إلى إحداث تغييرات وتحوّلات على تصميم البناء وشكله، وصار ينفق ماله على تغييره وتحديثه بما لا طائل من ورائه، بدلاً من إنفاقه في أمور أكثر ضرورة وإلزاماً، فقد أتلف ماله، وعاقبة ذلك بلا شكّ هي الخيبة والذلّة.
* خصوصيّات المسكن والمركب
1. الحيّ السكنيّ والجيران الطيّبون: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "إِنَّ للدَّارِ شَرَفاً وَشَرَفُها السَّاحَةُ الوَاسِعَةُ وَالخُلَطاءُ الصَّالحُونَ، وَإِنَّ لَهَا بَرَكَةً وَبَركَتُهَا جَوْدَةُ مَوْضِعِهَا وَسَعةُ سَاحَتِها وَحُسْنُ جِوَارِ جِيرَانِها"(6).
2. البناء المستحكم: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ"(7). وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "ثلاثةٌ لا يُحِبُّهُمْ رَبُّكَ عزَّ وجلَّ: رَجُلٌ نَزَلَ بَيْتاً خَرِباً..."(8).
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد دفنه سعد بن معاذ: "إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَبْلَى... ولَكِنَّ اللهَ يُحِبُّ عَبْداً إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أَحْكَمَهُ"(9).
3. السقف المناسب: قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "ابْنِ بَيْتَكَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ، فَمَا كانَ فَوْقَ ذَلِكَ سَكَنَهُ الشَّيَاطِينُ..."(10).
4. السِّعة والنظافة: قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "مِنْ سَعَادةِ المَرْءِ حُسْنُ مَجْلِسِهِ، وَسَعَةُ فِنَائِهِ، وَنَظَافَةُ مُتَوَضَّاهُ"(11). وقال عليه السلام أيضاً: "النَّجَاةُ فِي ثَلاثٍ: ... يَسَعُكَ بَيْتُكَ..."(12)، وكذلك قال عليه السلام: "الشُّؤْمُ فِي ثَلاثَةٍ: ... وأَمَّا الدَّارُ فَضِيقُ سَاَحَتِهَا وَشَرُّ جِيرانِهَا وَكَثْرَةُ عُيُوبِهَا"(13).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثَلاثٌ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيا وَإِنْ كانَ لا نَعِيمَ لَهَا: مَرْكَبٌ وَطِيءٌ، وَالمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالمَنْزِلُ الوَاسِعُ"(14).
وأخيراً، فلنجعل من أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام قاعدة لنا نختار على أساسها بيوتنا، حتّى تكون مستودعاً للراحة والاستقرار.
(*) مقتطف من كتاب مفاتيح الحياة، الفصل التاسع، ص 165-168.
(1) آية الله جوادي آملي، تسنيم، ج 3، ص 333.
(2) الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص 125.
(3) المصدر نفسه، ص 127.
(4) الشيخ الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج 2، ص 474.
(5) السيوطي، الجامع الصغير، ج 1، ص 64.
(6) الشيخ الطبرسي، مصدر سابق، ص 125-126.
(7) المصدر نفسه، ج 1، ص 284.
(8) المصدر نفسه، ج 1، ص 545.
(9) الشيخ الصدوق، الأمالي، ص 385.
(10) الشيخ الكليني، الكافي، ج 6، ص 529.
(11) الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص 126.
(12) الحراني، تحف العقول، ص 317.
(13) الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 152.
(14) السيوطي، مصدر سابق، ج 1، ص 528.