أمل عبد الله
"سأريكم شيئاً، ولكن لا يطلبنّ أحدٌ منكم لمسه!".
كان الأستاذ يحتضن براحتَيه علبة خمريّة أنيقة، يمسّدها بأصابعه برفق شديد، كأنّما يهدّئ من روعها.
ماذا في العلبة يا تُرى؟ ولماذا هذا الطلب الغريب؟ لماذا سنرغب في لمس هذا الشيء؟
فكّرت الطفلة الصغيرة المتشوّقة إلى معرفة ماذا في جعبة الأستاذ: أهي منحوتة نادرة؟ أم قطعة خشبيّة مباركة؟ أم ورقة خضراء من شجرة بنت جبيل الخاصّة بالشهداء؟!
"في العام 1992م..."، بدأ الأستاذ حديثه، "قابلت سماحته...".
"سماحته..."! آه، لعلّ من بركات الكتابة المرتجاة أن يأتي يوم أقول فيه: قابلت سماحته!
"لأعرض عليه... نموذجاً من مجلّة (بقيّة الله)، فاقترح سماحته تصغير حجمها كي يتّسع لها جيب المجاهد...".
آه، عرفت ما هي! فكّرت بسرعة، لا بدّ أنّها النسخة الأولى من مجلّة "بقيّة الله" وبالحجم الذي اقترحه سماحته، غلافٌ أملسٌ، خال من أيّ ثنية، وأحرف لامعة...
ثمّ فتح العلبة، غابت عيناه وهو يحدّق في محتواها، كأنّما عرج إلى مكانٍ خارج حدود المكان. تردّد في إظهاره، كأنّما هو سرّه الذي يخشى أن يتوه في زحمة مشاهداتنا أو أن تجرحه لا مبالاة أسميناها تعوّداً، لكنّه لم يستطع التراجع فأدار العلبة صوبنا.
بدايةً، لم أدرك ما وقع عليه بصري الذي تواطأ مع صورة شكّلها عقلي.. وبدأت أحاول إعادة القراءة.
الغلاف ليس أملسَ، بل فيه ثقوب وآثار دماء، كما أنّه جُرِحَ من أعلاه.
آه، يا إلهي! "ليسع في جيب مجاهد"، رنّت الكلمات في أذني... إنّها..
"لقد وجِدت هذه المجلّة مع المجاهد... في جيبه بعد استشهاده" قال الأستاذ.
اتّسعت عيناي أم أغمضتا؟! لم أعد أذكر. لم أعد أعرف ماذا أفعل. أأخشع في هذه الحضرة أم أستسلم لفضولي وأتطفّل على قدسيّتها بنظرات ينقصها الحياء؟!
"ما اسم الشهيد؟" سأل أحدهم!
أردت أن أجيب، دع الكلام الآن...
فروح الشهيد قد حضرت...
(*) الشهيد أشرف خير الدين، الذي استشهد بتاريخ 9-9-1999م.
النبطية-رومين-الساحة العامة-ملك احمد شكرون
علي شكرون
2022-07-19 16:40:54
مجلة هادفة رائعة والأهم قصص الشهداء التي لا يجب ان نمر عليها كمرورنا على اي شيء في حياتنا.. سر الحياة