هداية طه(*)
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "إنّنا نعتقد أنّ النساء في كلّ مجتمع بشريّ سالمٍ قادرات، وعليهنّ أن يجدن الفرصة لبذل الجهد والتسابق في مجال التقدّم العلميّ والاجتماعيّ والبناء والإدارة في هذا العالم في حدود سهمهنّ".
لطالما كانت كلمات السّيد القائد دام ظله دافعاً لنا نحن النساء، للبحث دوماً عن فضاء واسع لطموحاتنا وسعينا الدؤوب لتحصيل العلم والعمل، وحافزاً نحو المضيّ قدماً لنيل مرادنا، على الرغم من العقبات التي قد تعترض طريقنا، خصوصاً لمن تمارس مهنة المتاعب "الصحافة"، والتي لم تكن يوماً بالنسبة إليّ مجرد مهنة، بل كانت شغفاً وطموحاً يكبر يوماً بعد يوم.
* شرارة البداية
على طريق الشغف هذا، لا يستطيع المرء أن ينسى أولى خطواته وبصماته، وكذلك من أخذ بيده وبقلمه نحو المزيد من المعرفة والتطوّر في هذه المهنة؛ فيرسخ هؤلاء عميقاً في الوجدان والذاكرة.
مجلّة "بقيّة الله" كانت -بفضل القيّمين عليها- بمنزلة البيت الدافئ الذي احتضننا، ومنه انطلقنا الى رحاب العمل الصحفي، وأتاح لنا كتابة أحرفنا الأولى في صفحاتها، فكانت البداية، من هذه المجلّة العريقة، التي قرأها جيل من الشباب منذ نشأتها حتّى يومنا هذا.
احتضنت المجلّة مواهبنا، فأفردت لأقلامنا صفحاتها. واستطعنا نشر تحقيقات ومقالات بإرشاد وتوجيه من مديرة التحرير الأستاذة نهى عبد الله، التي لم تتوانَ يوماً عن دعمنا وتزويدنا بأدوات المعرفة والإبداع.
* نصيب من إنجازاتي
لم تكن المجلّة محطة عابرة مررت بها، بل كانت كأسرة جميلة انتميت إليها. واليوم، وبعد مرور أكثر من سبع سنوات على انطلاقتي فيها، ارتأيتُ أن يكون للمجلّة حصّة من رسالتي التي تقدّمتُ بها إلى الجامعة اللبنانيّة استكمالاً للحصول على درجة الماجستير، وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى، حصدتُ جهد وتعب سنين بنيلي درجة جيّد جداً، بعد مناقشتها أمام اللجنة المؤلّفة من أساتذة كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة.
حملت الرسالة عنوان: الإعلام الدينيّ ومسؤوليّته في تعزيز قيم المواطنة في المجتمع اللبنانيّ ("مجلة الرعيّة" و"بقيّة الله" نموذجاً)، وقد سعيت من خلالها إلى الكشف عن مدى إبراز الإعلام الدينيّ لقيم المواطنة بموازاة القيم الدينيّة، ومدى مساهمته في تحقيق التقارب بين اللبنانيّين.
هو بحث حول نافذة أمل وسط كلّ هذه السودوايّة من حولنا؛ عن إعلام دينيّ لا يشبه ذاك الإعلام الذي يتبنّى خطاباً إقصائيّاً لا يمثّل صوت الناس ولا يهتمّ للوطن والمواطنة. هو بحث عن فضاء جديد لإعلام ينتهج خطاباً تثقيفيّاً وتوعويّاً، وينشر القيم التي تهدف في نهاية المطاف إلى بناء الإنسان الصالح في المجتمع الإنسانيّ والوطنيّ.
* محتوى الرسالة
ومن هنا، كان اختياري لمجلّة "بقيّة الله" التي أحبّ، هو سعي أسرتها إلى تقديم نموذج لإعلام دينيّ منفتح وراقٍ، في نشر القيم الدينيّة والوطنيّة على حدّ سواء.
ولأنّ طبيعة البحث تطلّبت منّي إجراء مقارنة بين مجلّتين في الإعلام الدينيّ وقع الاختيار، بمساعدة من المشرف على الرسالة د. فادي لبّس، على مجلّة "الرعية"، الأمر الذي أتاح لي أيضاً فرصة التعرّف على طبيعة الخطاب المسيحيّ ودوره في تعزيز قيم المواطنة.
اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفيّ وأداة تحليل المضمون من خلال تحليل كميّ وكيفيّ للعيّنات المختارة، وقد تمّ اختيار عيّنة عشوائيّة من كلتا المجلتين كعيّنة ممثّلة للإعلام الدينيّ المكتوب، المسيحيّ والإسلاميّ.
* في تحليل المضمون
اعتمدت مجلّة "بقيّة الله" في الشكل التحريريّ، بشكل كبير على التحقيق الصحفيّ، الذي يسلّط الضوء على مواضيع وقضايا تصبّ في اهتمامات الناس والمجتمع أولاً وأخيراً، تتنوّع ما بين بيئية، وقانونية، واجتماعية، ودينية، وهو ما يفسّر غلبة الطابع الدينيّ الثقافيّ على المجلّة. وقد ساعدتني هذه التحقيقات في استنباط العديد من القيم.
كما أنّ غِنى المجلّة وتنوّعها على صعيد المواضيع والصور المختارة، كان له الدور الكبير في تبيان حجم استخدامها للصور الموضوعيّة وليس الشخصيّة فحسب، ما يعني اهتمامها بالشقّ الموضوعيّ في المواضيع التي تمسّ حياة الناس جميعاً.
ومن خلال تحليل البيانات، ظهر جليّاً استخدام مجلّة "بقيّة الله" للحجج والبراهين كأحد الأساليب الإقناعيّة في خطابها الدينيّ، كما اعتمدت على الربط بين الأسباب والنتائج، فضلاً عن اعتمادها على الإحصاءات؛ ما يعكس مصداقيّة المجلّة في تناولها لمواضيع ذات طابع اجتماعيّ.
وعند دراستي للقِوى الفاعلة، أي الشخصيّات التي اعتمدت عليها المجلّة في بناء معلوماتها، تبيّن تنوّعها وتعدّدها، ولم تقتصر على أصحاب التخصّصات الدينيّة فقط، وإنّما شملت الاجتماعيّة فيها، وهذا يدلّل على شيوع المواضيع ذات الطابع الاجتماعيّ بشكلٍ شبه مواز للدينيّ؛ أي اهتمام المجلّة بالجانب الاجتماعيّ والدينيّ على حدّ سواء.
* نقطة قوة
هذه الشموليّة شكّلت نقطة إيجابيّة تُحسب للمجلّة، وقد عملتُ على تبيانها خلال المناقشة، خصوصاً وأنّ الدين الإسلاميّ يحثّ بشكلٍ كبير على الاهتمام بشؤون الناس وحلّ مشاكلهم، الأمر الذي لا يعرفه كثيرون، بسبب محاولات أعداء الإسلام تشويه صورته لفترة طويلة.
* قيم راسخة
في نهاية التحليل، كان لا بدّ من إحصاء دقيق للحقل المعجميّ للقيم الوطنيّة والدينيّة في كلتا المجلّتين.
وعلى الرغم من طغيان القيم الدينيّة على تلك الوطنيّة في الأعداد المختارة، لم تخلُ المجلّة من القيم الوطنيّة التي ترتبط بحبّ الوطن، واحترام القوانين، والتزام الأنظمة المرعيّة واعتبارها شقّاً من إيمان المرء، و احترام العيش المشترك، والدعوة إلى الحوار والانفتاح على الثقافات المتنوّعة.
كما أنّ مجلّة "بقيّة الله" تنضح بقيم الشهادة والدفاع عن الوطن والعِرض، وإحياء قيم الكرامة المجتمعيّة، التي ربّما إلى الآن، لا يقرأها الأكاديميّون إلّا كقيم خاصّة بالإسلام، والذين إن أمعنوا فيها، سيجدونها تدفع نحو بناء مجتمع قوّي متماسك، يعي حقوقه وواجباته ويحافظ عليها ويرتبط بوطنه حدّ التضحية من أجله.
* قيم مشتركة
فضلاً عن ذلك، ثمّة مسألة بالغة في الأهميّة، وهي وجود قيم مشتركة في كلتا المجلّتين، ما يعني أنّ الدين، سواء الإسلاميّ أم المسيحيّ، مناصر للقضايا الوطنيّة ولمفهوم المواطنة، ومن اللافت الإشارة هنا إلى عدم ظهور الانتماء العقائديّ والخلفيّة السياسيّة في المواضيع المختارة، على الرغم من إمكانيّة معاينته من الرسالة الوطنيّة والدينيّة للمجلّة.
* شكر خاص
لقد أتاحت مجلّة "بقيّة الله" لي فرصةً للبحث بشكلٍ معمّق في خطابها الدينيّ والتوعويّ والتثقيفيّ، الذي لطالما كان معتدلاً. والذي خلصتُ من خلاله إلى نتيجة الدراسة، وهي: تعمل المجلّة على غرس بعض القيم الوطنيّة إلى جانب القيم الدينيّة في المجتمع اللبنانيّ على وجه الخصوص.
فالشكر، كلّ الشكر، لأسرة المجلّة، التي كانت ولا تزال منبراً مهمّاً لكلّ الأجيال وخصوصاً لجيل الشباب، حيث عملت على مواكبة مشاكل هذه الفئة، وطرح القضايا الكبرى التي ترتبط بمستقبلها وهواجسها.
(*) كاتبة سابقة في المجلّة، باب تحقيق ومجتمع.