مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

معارف إسلامية: أخلاق التاجر المسلم (2/1)


فضيلة السيد سامي خضرا


لن يجد المرء كثير عناء ليكتشف أن للتجار في الإسلام أخلاقاً وآداباً محدَّدة، يتميَّزون بها عن غيرهم من تجَّار الدنيا، والفرق الأساس أنَّ أولئك تضبطهم الأنظمة والقوانين والسلطات، وتجار الإسلام ينضبطون بالتقوى والورع، والله تعالى رقيبٌ عليهم ويرجون تجارةَ لن تبور.

* الإسلام والتجارة:
ولم يكتف بذلك، بل عُرف التجار المسلمون بأخلاقهم وصدقهم وأمانتهم ووفائهم، بناءاً على توجيهات خاصة ومَسْلك مُعيَّن، سوف نرى بعضاً منه إن شاء الله ضمن الأسطر القليلة التي بين أيدينا.
لكن، هنا ملاحظتان:
1 ـ ليس مستغرباً تميُّز التاجر المسلم عن غيره، ما دام نبيُّ الإسلام، خاتم أنبياء الله صلى الله عليه وآله وسلم، هو التاجر الأول، الذي عُرف نتيجة تعامله التجاري بالصادق الأمين.

2 ـ أنَّ دين الله تعالى انتصر في كثير من بقاع الأرض بفضل التجار المسلمين المخلصين الصادقين، بحيث أنَّ هذه المناطق تُشكّل اليوم الثقل البشري للأمة الإسلامية، في جنوب غرب آسيا وغيرها: في أندونيسيا وباكستان وبنغلادش والهند وماليزيا وسنغافورة..

وذلك، عندما كان التجار المسلمون يعتبرون أنفسهم دعاةً ومُبلّغين، قبل أن يكونوا بائعين وشارين.. وتجاراً للآخرة قبل أن يكونوا تجاراً للدنيا.
فما هي آداب التجارة في الإسلام، وهل يحرص أربابُ الصناعات والتجارات اليوم على الصدق ومجانبة الغش، بدءاً من بائع الخضار والحليب والزيت، ومروراً بصاحب الدكان، وانتهاءُ بتجار الجملة، وتجار البناء، وأصحاب الشركات الكبيرة والثروات الضخمة؟
وهل يكون التجار اليوم دعاةً بأعمالهم قبل ألسنتهم، حاملين الهمَّ الرسالي كأسلافهم، داعين العالمين إلى الإسلام، والمنحرفين إلى التوبة والإنابة؟

* أخلاق التاجر المسلم:
أ ـ الأمانة: وهي الثروة الأولى التي يُعوّل عليها التجار، بل هي أهم من الثروة الماليَّة التي يختلف رصيدها ارتفاعاً وهبوطاً، بينما الأمانة لا بُدَّ لها من المحافظة على وتيرة عالية واحدة، وثقة تامة.
فالتاجر الأمين يقترض المال، أو يُسلَّف البضاعة، أو يشتري ما شاء من الأنواع والأصناف والكميَّات، دون حذر أو وجل، لأنَّ ثروة "الأمانة" أكسبته حصانة معنوية، ورصيداً لا يُزعزع، أين منه أرصدة البنوك؟
فكم من تاجر يشتري البضاعة الكثيرة بمجرد كلمة أو إشارة. وكم من تاجر لا يمون على القليل ولو استعان بالأيمان المغلَّظة، والوعود الخاوية؟
وصدق مَنْ قال: مَنْ أدَّى الأمانة، شارك النَّاس في أموالهم(1).
وما تقع التاجر الذي يفتقد صفة الأمانة، ولو توافرت له الأموال الكثيرة، ما دام مَنْ يتعامل معه لا يأمن من القَدْر أو الخيانة؟

وماذا عن عقيدته ودينه:
وهو يصلّي في مكانٍ ليس له. أو يتوضأ بماء لا يملكه، أو ينام والمظلومون يشكونه إلى الله تعالى؟
وصدق الله تعالى القائل: {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون}(2).
رُوي في النص المبارك عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "الأمانة تجرُّ الرزق، والخيانة تجِرُّ الفقر"(3).

ب ـ الصّدق: وذلك في نوعية بضاعته وعددها وجودتها وما اتَّفق عليه مع الزبون.
والتاجر الصادق حريصٌ على مال إخوانه، ومجتمع المسلمين، وهو بذلك يكون على ثغر من ثغور الجهاد يُدافع عن الأمة وكيانها.. ولا مبالغة في هذا الكلام، فكما للمجاهد والشهيد أجرٌ وثواب، كذلك للتاجر المسلم الذي يُفتن، فيثبت ويُضحي وينجح في الامتحان!
ورد عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "التاجر الأمين الصّدوق المسلم، مع الشهداء يوم القيامة"(4).
فيجب على التاجر أن يكون صادقاً إذا قال عن بضاعته أنها طازجة أو جيدة أو أصليَّة أو نقيَّة.. وذلك في اللحم والسمك والخضار والزيت والعسل وقطع الغيار الميكانيكية والكهربائية.
أما إذا كان من تجار البناء فالصدق أيضاً في نوعية المواد والبضاعة والأدوات الصحّية وغيرها..
وفي النصّ الشريف عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "حرمة مال المسلم كحرمة دمه"(5):

ج ـ لا يغشّ: لأنَّ الغشُّ خيانة وماله سُحْت، ولو اعتقد البعض غروراً أنَّ الغشاش "ذكيٌ" لكنَّهم نسوا أنه خائن وكاذب.
في النصّ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: "الغشّ من أخلاق اللثُام"(6).
وموارد الغش كثيرة، في السوائل والزيوت... وحتى وردت الكراهية في بيع الظّلال، حيث لا يكفي النور لإظهار عيوب البضاعة أو نواقصها.
يقول الإمام الكاظم (عليه السلام) لهشام بين الحكم وقد رآه يبيع في الظّلال: "يا هشام، إنَّ البيع في الظل غشّ، وإنَّ الغشّ لا يحل"(7).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "شرُّ النَّاس مَن يغشُّ النَّاس"(8).
أما قصص نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الذي يخفي البضاعة الردينة أو يموّهها... فكثيرة.
أما مَن اتَّبع طريق الغش لتحصيل المال بظنه أنه ريح، اعتماداً على تحليله المادي للأمور على الطريقة الغربية، ناسياً الآخرة والحساب... فلا بركة في ماله ولا مهنأ.
وفي النصّ الشريف عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ غشُّ أخاه المسلم، نزع الله عنه بركة رزقه، وأفسد عليه معيشته، ووكله إلى نفسه".
وأيضاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من غشَّ مسلماً في شراء أو بيع، فليس منَّا، ويُحشر يوم القيامة مع اليهود، لأنَّهم أغشّ الخلق للمسلمين"(9).

6 ـ حرصه على الحلال: والحقيقة أنَّ هذه الصفة ليست مطلوبة للتاجر فقط، بل من كل مسلم يحرص على أمر آخرته، فيبتعد عن أموال السُحْت والغصب.. وعمَّا يُمكن كسبه من شبهة أو حياء.
ومن أصناف المال الحرام، وهو كثير في هذه الأيام، مال الغناء والرقص والموسيقى اللَّهويَّة ومال اليتيم والغش بأنواعه..
وفي النصّ الشريف عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يدخل الجنَّة مَنْ نَبت لحمُه من السُّحْت، النَّار أولى به"(10).
وعن صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يقدر رجلٌ على حرام، ثم بَدَعُه، ليس به إلاَّ مخافة الله، إلاَّ أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خيرٌ له من ذلك"(11).

هـ - أنَّ الرزق مقسوم: فلا يتحرَّى الطرق الملتوية والأساليب المنحرفة لزيادة ربحه والله تعالى يرزق الحوت في البحر، والطير في الجو، والنملة تحت الصخرة.
رُوي عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "... لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها، فاتَّقوا الله واجملوا في الطلب، ولا يحمل أحدكم استباطء شيءٍ من الرزق أن يطلبه بغير حلّه، فإنَّه لا يُدرك ما عند الله إلاَّ بطاعته"(12).
(يتبع بقسم ثانٍ إذا شاء الله جلَّ جلاله).
 

(1) راجع تمام الحديث في وسائل الشيعة ج13، ص219.
(2) سورة المؤمنون المباركة، الآية 8.
(2) بحار الأنوار، ج78، ص60.
(4) ميزان الحكمة، ج1، ص528.
(5) ميزان الحكمة، ج2، ص510.
(6) غُرر الحكم.
(7) فروع الكافي الشريف، ج5، ص160.
(8) ميزان الحكمة، ج7، ص221.
(9) ميزان الحكمة، ج7، ص273.
(10) المصدر نفسه، ج2، ص273.
(11) المصدر نفسه، ج2، ص275.
(12) بحار الأنوار، ج70، ص96.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع