مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

معارف إسلامية: مظاهر الإسراف وموارده


فضيلة السيد سامي خضرا


قد يُفاجأ الكثير من الناس إذا قيل لهم إن الإسراف محرمٌ في الإسلام، بل هو من الكبائر.
لكن، سوف تخفُّ صدمتهم عندما يسلَّطُ الضوء على ما ورد من النصوص الشريفة في شأن هذا الموضوع، الذي له آثارٌ روحيَّة ومسلكية وبيئيَّة مختلفة.
يقول الله سبحانه في القرآن الكريم:
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ (الأعراف/31).
ويقول عزَّ وجل:  ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين﴾َ  (الأنعام/141).
وتجنُّب الإسراف والتبذير، من المفاهيم الأصيلة في الإسلام، ويُقابله، التدبير والاقتصاد وحسن التصرف بطريقة عادلة متَّزنة.

وعندما سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن قوله تعالى:  ﴿
وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾  (الفرقان/67) أخذ، سلام الله عليه، قبضة من حصى، وقبضها بيده، وقال: "هذا الإقتار الذي ذكره الله عزَّ وجل في كتابه، ثم قبض قبضة أخرى فأرخى كفَّه كلَّها، ثم قال: هذا الإسراف، ثم أخذ قبضة أخرى فأرخى بعضها وأمسك بعضها وقال: هذا القوام"(1).

* مظاهر الإسراف:
وللإسراف في أيامنا هذه أشكالٌ مختلفة، ومظاهرٌ متعدّدة، فإضافة لما كان معروفاً من حصول الإسراف في المال واللباس والأثاث المنزلي.. أصبح الإسراف ممعناً في الإيغال على صعيد الكهرباء والماء والهاتف والفخامة المنزلية.

* الإسراف في الماء:
فالإسراف في الماء شائع جداً، خاصة بعد أن أصبح متوافراً في المنازل بالعنابر والخزانات، ولم يعد الحصول عليه مُجهداً، مع أننا مأمورون بعدم الإسراف في الماء ولو كنَّا على نهرٍ جار.
ولعلَّ السرَّ في ذلك تربوي مسلكي، لذا، لا علاقة بين وجوب تجنُّب الإسراف وتوافر الماء أو عدمه مثلاً.
وللإسراف في الماء صورٌ كثيرة، منها:
أ - هدر الماء في تنظيف وغسل الثياب، مع أنَّ الهدف حاصلٌ من دون ذلك.
ب - كذلك في الوضوء والغُسل، مع أنَّ أئمتنا (عليهم السلام) كانوا يُحصَّلون طهارتهم بالماء القليل الذي لا يساوي سُدس ما يُنفقُهُ الكثير في هذه الأيام على وضوئهم وغسلهم.
والغريب اعتقاد البعض أنَّ الإسراف في الماء في الطهارة الحدثيَّة من علامة الإيمان والتقوى!!!
والغالب أنَّ هذه العادة القبيحة لا تحصل إلاَّ نتيجة مر الوسوسة أو الجهل بالأحكام الشرعية.
ج - ويمكن أن يحصل الإسراف مع إهمال إصلاح الحنفيَّة التي يتقاطر منها الماء طوال الليل والنهار، ويُهمل إصلاحها، مع أنَّ ما يضيع منها رُبَّما يكفي حاجة عائلة.
د - وفي بعض القرى تُفتح الحنفيَّات على البرك الزراعية، حتى بعد امتلائها، مما يُسبب هدراً كبيراً، وتخريباً للطرقات المعبَّدة.
ه- وقد يحصل الإسراف بتضييع الماء الذي تُخرجه من العنابر عند الرغبة في الاستحمام، انتظاراً لوصول الماء الساخن، مع أنَّ هذا الماء لو جُمع في إناء لأمكن الاستفادة منه في أكثر من مجال.
وما يُواجهه العالم من أزمة في المياه، خاصة منطقتنا، وما قد تُخفي الأيام، لا يخفى على أحد.
والإسلام الحنيف حلَّ هذه المشكلة بكثير من البساطة، بتحريم الإسراف في المياه، حتى ما تبقَّى منه في الإناء بعد الشرب.
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إنَّ القصد أمرٌ يُحبُّه الله عزَّ وجلَّ، وإنَّ السَّرف يُبغضه الله حتى طرْحَكَ النَّواة فإنَّها تصلُح لشيء، وحتى صبَّك شرابك"(2).
وفي النصّ الشريف عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "في الوضوء إسراف، وفي كل شيء إسراف".

* الإسراف في استعمال الهاتف:
أمَّا الإسراف في استعمال الهاتف، فهذا شائع جداً، خاصة بين المراهقين الذين، وبعد رجوعهم من المدرسة، يتكلَّمون من الهواتف لوقت طويل قد يبلغ الساعة مثلاً وذلك مع رفاقهم الذين تركوهم منذ دقائق!
وربَّما تنتشر هذه العادة بين فئات أخرى أيضاً، كَمَن لا عمل لهم أو المترفين أو ما يُطلق عليه اسم "المجتمع المخملي".
مع أنَّ التجربة والواقع يشيران إلى أنَّ الجديَّة والحزم كافيان في إنجاز الكثير من الأعمال عبر الهاتف بدقائق قليلة، ومع فرض عدم الانتهاء فهذا يعني أنَّ جلسة عمل لا بدَّ منها، وأنَّ حلَّ القضية لا يكون عبر حديث هاتفي.
هذا، وتنفع الإشارة إلى أنَّ الاتصال بالشبكة الثابتة من شبكة ثابتة، والاتصال بالشبكة الخلوية من شبكة خلوية، إلاَّ مع الضرورة، يوفّران الكثير من المال.

* الإسراف في الاستفادة الكهربائية:
أما الإسراف في الكهرباء، وفيه هدرٌ للطاقة والمال، وهذا حرام كما هو واضح فيتمثَّل بترك الإنارة مضاءة دون الاستفادة منها، وإبقاء السخَّان الكهربائي للماء (القازان) شغالاً على مدى 24 ساعة، مع أنَّ تسخينه حاصل بساعة أو ساعتين في فصل الصيف، وبساعتين أو أربع في فصل الشتاء، أو تقسيم ساعات الاستفادة بين أول النهار وآخره.

* أنواع أخرى من الإسراف:
وللإسراف في المال عند العائلات الميسورة، أشكالٌ مختلفة، كذلك الطعام، وخاصة عند المناسبات الاجتماعية بكثرته من حيث الكم ومن حيث التنوع وفي المواد المستعملة.
وهذه أمور واضحة للمنصف، والتفصيل فيها يطول.
أما الإسراف في الأثاث المنزلي فهو الشائع اليوم، من غرف النوم إلى الجلوس (الصالونات) والتي قد لا تستعمل إلاَّ نادراً، وأفضل مصداق لذلك ما يُسمى غرف الطعام، والتي يُنفق عليها المال الكثير ولا يُستفاد منها.

* وفي الختام:
إنَّ الإسراف أمرٌ قبيح لا يجدر أن يكون في المجتمع الإسلامي العابد والذي يحرص على الاكتفاء الاقتصادي الذاتي.
قال الله عزَّ وجل: {إنَّ المبذّرين كانوا إخوان الشياطين} (الإسراء/27).
وما رُوي عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: "التبذير عنوان الفاقة".
 

(1) فروع الكافي الشريف، ج4، ص54.
(2) بحار الأنوار، ج71، ص246.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع