نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أدب الأنبياء: حبيب الله محمد


سكنه حجازي


تحدثنا الآيات والأحاديث الشريفة عن النبي الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم. أنه، وقبل الوحي، كان يعرف بالصادق الأمين وبالخلق العظيم والحكمة البليغة والعقل الراجح بما لم ولن يدانيه غيره من الشبان والشيوخ. بما في ذلك من طهارة النفس، وكريم الخُلُق والعطف الرجولة، ما جعله محل ثقة واطمئنان لكل من عرفه، حتى أنَّ السيدة خديجة رضوان الله تعالى عليها، رغبت الزواج به عندما رأت تلك الصفات والميزات التي لم تعرفها في رجل غيره.

كل ذلك بما أحاطته العناية الإلهية من تنقية القلب، وتصفية الروح، للسمو إلى أعلى مراتب الأخلاق قبل الوحي وإلى على مراتب الأخلاق قبل الوحي ولى على مراتب الكمال بعده.
 ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالضُّحَى  * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى *  مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى  *  وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى*  أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى *  وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى  *  وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى  * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ  * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ  *  وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث﴾ْ.

* أول الخَلق- نورُ الحق-
إن روح النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أولِ شيء تعلقت به القدرة وإن سُمِّي بأسماء مختلفة باعتبارات متكثرة بقوله: "أول ما خلق الله نوري"، و"أول ما خلق الله روحي"، وفي رواية "العقل" وفي رواية "القلم" وفي رواية "الروح".
قال تعالى في محكم تنزيله ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِين﴾ُ  النور/25.
وقد جاء في تفسير هذه الآية ومعنى النور أنه الهداية إلى دفين الله الحق والهادي هو النبي محمد وذريته عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام بل هو محمد وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم بعينه لقوله تعالى في الآية 46 من سورة الأحزاب:  وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا
إذ أنهم (عليهم السلام) هداة البشرية وزيتها الذي أضاء سبيل الله وأنار دينه الذي ارتضاه لخلقه، وهم المنارات في الكون، ومصدر اللطف الإلهي الذين أظهروا الحقائق بل الحق بأجلى وأروع صفاته وتجلياته.
وقد صدق الشاعر إذ قال فيه:

فاتحةُ الوجودِ خاتمُ الوجودِ خاتمُ الرسلْ

جلَّ عن الثناءِ ما شئتَ فقلْ

غيبُ الغيوب سرُّ سرِّ ذاتِهْ

وعالِمٌ الأسماءِ من صفاتِهْ

ظهورُهُ ظهورُ ناموسِ الأولْ

فلا يزالُ ظاهراً ولمْ يزلْ

ونورُهُ المحيطُ بالأنوارْ

يحِلُّ أنْ يدركَ بالأبصارْ

كلُّ وجود هو منّ وجودِهْ

فكلٌّ موجودٍ رهينُ وجودِهْ

وعالمُ الإبداعِ من ظهورِهْ

ونشأة التكوينِ ظلُّ نورِهْ

(الفقيه الشيخ محمد حسين الأصفهاني)

* الإنسان يحمل الأمانة
لن نتوسع أكثر في ذكر وجوده وأهميته صلى الله عليه وآله وسلم، بل نُرجىء ذلك إلى محله، إن شاء الله تعالى.
وفي عددنا هذا سنتحدث عن الإعداد الإلهي له وعبادته وأدبه في نشأته الإنسانية منذ ولادته إلى ما قبل بعثته صلى الله عليه وآله وسلم لما في ذلك من أبعاد في تكوين الشخصية الإنسانية- الإسلامية الرسالية ولأن ذلك طريق استفادتنا بل اقتداؤنا به صلى الله عليه وآله وسلم كإنسان يملك شخصية كاملة في الحياة الفردية والرسالية وبالتالي الإلهية الحقة، فكل فرد مؤهل لحمل الخلافة وأداء الأمانة التي حملها آدم وذريته واعتذر بل خاف من حملها السموات والأرض والجبال ورفضوا ذلك.
{إنا عرضنا الأمانةَ على السموات والأرض والجبالِ فأبينَ أن يحملْنَها وأشفقنَ منها وحملَها الإنسانُ إنَّه كان ظلوماً جهولاً} الأحزاب/72.

* الإعداد الإلهي
لقد رافق الإعداد والامتحان الإلهيين هذا النبي العظيم منذ كان جنيناً في بطن أمه. وكأن إعداده للصبر وتَحمّل المشقة كان بدروس الآلام والحرمان والعذاب لتصنع من الرجل القائد الخبير الصلب الذي لا تهزه الرياح مهما عصفت ولا تزعزعه المحن وإن عظمت بل تزيده تصميماً وعزماً وقوة وثباتاً.
فهو ولد يتيماً تحيطه في كل ذلك العناية الربانية وتتهيأ نفسه الشريفة يوماً بعد يوم ليكون القائد الفذ في فعل الأدب قبل تعليمه، وسلوك الأخلاق قبل قولها فيكون أساس دينه خُلُقه وأدبه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
لقد حُرّمت المواضع على النبي موسى (عليه السلام) لحكمة ولوعد بإرجاعه إلى أمه فيما يبحث للنبي اليتيم كل المواضع وحُرم من مه ورفضته المرضعات إلا فقيرة البادية ذات الصدر الجاف حليمة السعدية والتي تدفق اللبن في صدرها بعدما أخذته وهي تنقل عنه فضيلتين:
1- عندما كان يرضع من صدرها لأيمن وعندما تمنحه الأيسر يأبى تاركاً إياه إلى أخيه من الرضاعة.
وكأنه يُربّي نفسه على الزهد والقناعة ليكون مربياً للرجال على التضحية والرجولة.
2- عندما كان يصيبه، ما يعرف اليوم. بالأرق في الليالي، وهو في سن الرضاعة، فلا ينام إلا بعد تأمل في السماء والنجوم وكأنه يتفكر في خلق السموات والأرض ويسبّح الخالق قبل أن يخلد إلى النوم.

* الملائكة الموكَّلون
ما يلفت في سيرة المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم أنه وهو الذي عاش أربعين سنة وسط الشرك والمشركين وعبدة الأصنام والأوثان، أنه لم يسجد لصنم قط والدليل أن قومه لم يُعبِّروه بذلك مع أنهم اتهموه بأنه شاعر وأنه مجنون ولكن لم يذكر أحد ممن حاربه ورماه بالاتهامات أنه قد شارك في أي نوع من أنواع عباداتهم ووثنيتهم ولم يشاركهم اللهو والمجون اللذين كانا سائدين في عصره ومجتمعه.
فقد شرح الله تعالى صدره للإسلام وللتوحيد وأوسعه بحيث أصبح قادراً ومستعداً لاستيعاب كل ما هو له والتصرف بالطريقة المثلى والأرقى منذ طفولته وإلى البعثة المباركة كما في قوله تعالى: {ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك} الشرح/201.
وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: "كنت أحسُّ كان قوة غيبية تعينني".
وجاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) وفي نهج البلاغة ما يؤيد هذا: "ولقد قرن الله به منذ كان يتيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومكارم أخلاق العالم".
ويقول النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: كنت أحياناً أسمع سلاماً كأنَّ أحدهم يقول لي: السلام عليك يا محمد. فكنت التفت فلا أرى أحداً وأحياناً كنت أقول لعل هذه الصخرة أو هذه الشجرة هي التي سلمت عليّ. ثم بعد ذلك علمت أنهم كانوا من الملائكة.

* الغربة طريق العبادة
عاش حبيب الله وحبيب العالمين صلى الله عليه وآله وسلم بين عدد كبير من الناس شباباً وكهولاً، في مثل سنه وسن والديه وأكبر. إلا أنه لم يكن يأنس بأحد منهم لأن أحداً لا يبلغ ما بلغه من الرشد ورجاحة العقل والإيمان والسجود، وليس أدل على ذلك من تفرده وعدم مشاركته أترابه اللعب والمجون بل تفرده للعبادة في غار حراء أو، ما يعرف بجبل النور اليوم، حيث كان يختلي فيه ليتكفّر ويتعبد قبل بعثته وهذا يدل على غربته الروحية في مجتمعه ولكنها كانت طريقاً لأنسِه بربه في غاره وفي ذلك يقول الشاعر:

ألِفَ النُّسِكَ والعبادةَ والخُلـ
وةَ طفلاً وهكذا النجباءُ

وإذا حلَّت الهدايةُ قلباً
نَشطتْ في العبادةِ الأعضاءُ


* يتيم الله
المفهوم السائد للنعمة والخير هو أن تتهيأ للإنسان أسباب السعادة الظاهرة بحسب المفهوم المادي، من الرزق الوفير والأمن الكبير وراحة البال وكثرة الأهل والخلان. ولكن أية سعادة؟ وأية نعم هي هذه مقابل ما أمتن الله تعالى على نبيه الكريم؟ قال تعالى في تعداد النعم التي نعم بها على صفيه وحبيبه صلى الله عليه وآله وسلم: {ألم يجدك يتيماً فآوى * ووجدك ضالاً فهدى * ووجدك عائلاً فأغنى...}.
أي إيواء هذا؟ وأية هداية هداه؟ بل أي غنى أغناه؟ وكلنا يعلم أنه بقي يتيماً بل زادهُ يُتماً على يتم بعدما توفيت والدته وهو في عمر الخمس سنين ثم جده عبد المطلب.. وغربة أكثر من غربة إذ كلما كبر ازداد نفوراً من مجتمع الشرك والضلال وبعداً عن الشبان والخلان فلم يكن له خليل ولا صاحب يبثه غربته ووحدته.
أما الفقر فقد اشتغل وهو صغير في رعي الغنم ثم سافر مع عمه في التجارة ولكنه لم يُعرف أنه أصبح من الأغنياء وربما لم يملك قوته ومؤونته.
وأما الإيواء فهو إيواء الله تعالى له ومن أكثر عطفاً وحناناً منه تعالى؟ بل من أكثر حباً ورعاية من الحبيب بحبيبه وصفيه وخاصّته؟!
وأما الهداية فقد هداه إليه عز اسمه لأن يناجيه ويعبده بل ويبثه ألمه وشكواه في غار منعزل وبعيد عن العالم وعن الشرك والكفر والرجس والأدناس حتى كان يبقى شهراً كاملاً دونما انقطاع. فأي أنس بغير الله؟ وأي وحدة معه جل ثناؤه؟!! ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟!!
وأما الغنى فهو غنى الطاعة والمعرفة والعبادة والحب والتفاني. كل ذلك يمثل السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة ويمثل النعم الحقيقية التي لها كل الثناء والحمد والعرفان {وللآخرة خيرٌ لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى} وهذا قمة الرضى. وكذلك كان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم الراضي بل المسلِّم والممتن وإلى حد الشاكر الساجد لله العابد له دوماً وأبداً.
أفلا يكون صفوة الله أسوة حسنة لكل من ألقى السمع وهو شهيد؟!!


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع