اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

الحسين النور الخامس سر الملتقى بين محمد وآله



الشيخ أكرم بركات


الأول من محرم توقيت يندمج فيه إحياءان لحادثتين عظيمتين من تاريخ الإسلام:
الأولى: هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثانية هجرة الإمام الحسين عليه السلام.
واللافت في هاتين الحادثتين شبه عظيم بينهما..
فالمكان واحد، وهو أقدس بقاع الأرض "مكة" فالنبي هاجر منها ومنها هاجر الحسين عليه السلام..
والسبب واحد، وهو محاولة اغتيال بطل الهجرة، فقد ائتمر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليُغتال في مكة فهاجر منها، وقد ائتمر على "الحسين" عليه السلام ليغتال في "مكة" ولو كان متسدلاً بأستار الكعبة فهاجر منها..
ـ والغاية واحدة وهي البحث عن الأنصار لنصرة الإسلام.
الملتقى بين محمد صلى الله عليه وآله وسلم والحسين عليه السلام
وبين شخصيتي الهجرة جامع مُقدس ألا وهو الكساء، فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أول أصحاب الكساء والحسين عليه السلام آخر أصحاب الكساء، فكان الكساء هو المنطلق بني محمد صلى الله عليه وآله وسلم والحسين عليه السلام...
بل كان المنطلق قبل الكساء، قبل الكون، وقبل الخلق..

* الملتقى الأول: عالم الأنوار
فحين خلق اللّه أول نور كان نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم اشتق من ذلك النور أربعة أنوار تبدأ بعلي عليه السلام وتستمر بالسيدة فاطمة عليه السلام والحسن عليه السلام لتنتهي بالحسين عليه السلام ليكون النور الخامس. فنور الحسين عليه السلام هو من نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن هذا نفهم بعداً لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "حسين مني وأنا من حسين"، فإن الحسين عليه السلام خُلق من نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد حدثنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عالم الأنوار حين قال: "لما أراد اللّه أن يخلقنا تكلَّم بكلمة خلق منها نوراً فخلق منها روحاً ثم مزج النور بالروح فخلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين فكنا نسبحه حين لا تسبيح ونقدسه حين لا تقديس".

الملتقى الثاني: آدم عليه السلام
واستمر الملتقى بين محمد صلى الله عليه وآله وسلم والحسين عليه السلام ومعهما علي وفاطمة والحسن عليهم السلام حينما أراد اللّه أن يخلق آدم فقال لملائكته إني جاعل في الأرض خليفة لكن الملائكة قالوا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}.. وكان منطلق كلام الملائكة هو نظرتهم إلى الصفحة السوداء من تاريخ البشرية حيث الفساد وسفك الدماء...
لكن اللّه كان ينظر إلى أنوار تتلألأ بين هذا الظلام هي سر الخلق ومنطلق قوله تعالى مجيباً ملائكته ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُون﴾ وفضل اللّه آدم على ملائكته حين علمه أسماء تلك الأنوار  ثم اختبر ملائكته  ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ حينها التفتت الملائكة إلى السر وأعلنت عن خضوعها للحق
وكانت الأسماء هي السر.. "أسماء خمسة": محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وفي الرواية أن آدم سأل اللّه بحق محمد ببركة الدعاء بحقهم

* ... مع نوح عليه السلام
واستمر الملتقى بين محمد عليه السلام والحسين عليهم السلام حينما أراد نبي اللّه نوح عليه السلام مواجهة طوفان العالم بسفينته، سفينة تواجه أمواج العالم العاتية فلا بد لها من رعاية إلهية لينجو نوح ومن معه فعلم نوح سر الرعاية فسمَّر سفينته بخمسة مسامير فكان أولها باسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وثانيها باسم علي عليه السلام وثالثها باسم فاطمة عليه السلام ورابعها باسم الحسن عليه السلام وخامسها باسم الحسين عليه السلام فأنجى اللّه نوحاً عليه السلام ومن معه ببركة التوسل بمحمد وآل محمد عليه السلام..

* .. مع إبراهيم عليه السلام
واستمر الملتقى بين محمد وآل محمد عليه السلام في الموقع العظيم عندما رُمي خليل اللّه إبراهيم عليه السلام في تلك النار العظيمة، هناك دعا إبراهيم عليه السلام ربه بحق محمد وآل محمد عليه السلام فحوَّل اللّه النار إلى برد وسلام ببركة الدعاء بمحمد وآل محمد عليه السلام.

* .. مع موسى عليه السلام
واستمر الملتقى بين محمد وآل محمد عليه السلام حين وقف كليم اللّه موسى عليه السلام على ساحل البحر حيث العدو وراءه والبحر أمامه فضرب بعصاه البحر لينفلق إلى قسمين كل منهما كالطود العظيم، كيف جرى ذلك..؟ تؤكد الرواية ان تلك القدرة العظيمة لم تكن بالعصا وحدها بل أن موسى عليه السلام وقف على ساحل البحر وقال "اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما فلقته" فانفلق البحر لموسى عليه السلام ببركة الدعاء بمحمد وآل محمد.

* الملتقى الأخير بين محمد وآله
ويستمر الملتقى بين محمد وآله عليه السلام في الموقع العظيم إلى يوم القيامة حيث ينادي بين الخلائق باسم محمد عليه السلام ليأخذ موقعه إلى يمين عرش اللّه الأعظم وينادي بأسماء علي وفاطمة والحسن وباسم الحسين عليه السلام ليأخذوا مواقعهم إلى جنب سيد بني البشر محمد صلى الله عليه وآله وسلم..

* الملتقى في عالم التشريع
ولم يقتصر الملتقى بين محمد وآله عليهم السلام في عالم التكوين فقط بل تأكد في عالم التشريع حين أبى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلّى عليه بمفرده فقال "لا تصلوا علي صلاة بتراء" فقيل: وما هي الصلاة البتراء؟ وكان الجواب "أن تصلوا علي دون آلي" وفرضت هذه الصلاة في الصلاة، فأنشد الشافعي:
يا آل بيت رسول اللّه حبكم فرض من اللّه في القرآن أنزله كفاكم من عظيم الفخر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له.

* السر في موقع خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم

يفهم سر المقام السامي للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من خلال ملاحظة غاية الخلق التي عبَّر اللّه تعالى عنها بقوله عز وجل {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فغاية الخلق هي العبادة التي تشمل كل شؤون الإنسان في هذه الحياة، وهنا يطرح تساؤل هل الإنسان حر في أن يعبد اللّه كما يريد أم أنه ملزم بعبادته كم يريد هو تعالى؟ والجواب أن اللّه تعالى يريد للإنسان القاصر عن معرفة الطريق الصحيح والصراط السوي أن يعبده كما أراد تعالى حيث رسم له صراط العبور وهذا ما توحيه قصة إبليس حينما رفض السجود لآدم وقال لله "اعفني من السجود لآدم وأعبدك عبادة لم يعبدها ملك مقرب" فأجابه تعالى: لا حاجة لي بعبادتك، إني أريد أن أعبد كما أريد لا كما تريد" وعليه كان لا بد من إرسال رسالة من اللّه تعالى توضح معالم هذه العبادة وليتحقق هدف العبادة لا بد من رسل يحملون هذه الرسالة ويكون كل منهم رسالة ناطقة تعيش بين الناس.. واللّه الواحد لا بد أن تكون رسالته واحدة، من هنا ينطلق سؤال آخر عن السبب في تعدد الرسالات..

فلماذا لم ينزل اللّه تعالى رسالته الواحدة الخالدة بل أرسل رسالات عديدة؟.. والجواب أن المجتمع لم يكن مهيئاً لتحمل رسالة واحدة خالدة من بداية الأمر لذا كان لا بد من رسالات كل منها تلائم مجتمعها لتكون هذه الرسالات تمهد للرسالة الخالدة التي ترسم أرقى معالم لصراط اللّه السوي وكانت رسالة الإسلام المحمدية هي تلك الرسالة الخالدة وكانت الرسالة السابقة عليها ممهدة لها..

وعليه فحامل الرسالة الخاتمة هو من يحقق الغاية الإلهية لخلق الإنس والجن، والأنبياء الذين سبقوه كانوا يمهدون لرسالته، من هنا كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو أفضل النبيين وسيد المرسلين إذ هو حامل الرسالة الخالدة غاية الخلق فكل من سبقه من الأنبياء يمهد له ولرسالته.
ومن هذا نفهم موقع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في عالم الأنوار حيث كان النور الأول ونفهم توسل الأنبياء به حيث كانوا يمهدون لقدومه ونفهم سر المقام السامي يوم القيامة على يمين عرش اللّه؛ إذ هو محقق غاية الخلق.

* سر الملتقى بين محمد وآله
هذا هو سر العظمة والموقع السامي لنبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن ما هو السر في موقع أهل بيته الذي اقترن مع موقعه من عالم الأنوار إلى عالم الآخرة فما هو سر الملتقى الدائم بين محمد وآله صلى الله عليه وآله وسلم؟ إن معرفة هذا السر ترتبط بمعرفة الرسالة التي كانت هي الأساس في مقام النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
ولأجل توضيح ذلك نطرح هذا السؤال، هل الإسلام دين كامل؟.
والجواب بدون شك ولا ريب: نعم أنه دين كامل وقد أخبرنا اللّه تعالى عن كماله في قوله: "اليوم أكملت لكم دينكم" لكن بماذا كمل الدين؟!! هل القرآن وحده هو الذي أكمل الدين؟ وهنا يقال: إن القرآن تحدث عن عمومات الشريعة وعن جملة من التفاصيل، لكنه لم يذكر الكثير من تفاصيل الدين حتى الأساسية منها كعدد ركعات الصلوات اليومية.. إذاً لا بد من عنصر آخر غير القرآن الكريم ينضم إليه في عملية إكمال الدين وهنا يأتي دور السنة النبوية الشريفة التي قامت بدور بيان تفاصيل الشريعة الإسلامية.

إلا أن إلقاء نظرة فاحصة على مرحلة تبليغ هذه السنَّة الشريفة يوقفنا أمام أمر هام جداً لأن مرحلة تبليغ السنَّة دامت 23 سنة قضى منها النبي صلى الله عليه وآله وسلم 13 سنة في مكة المكرمة و10 سنوات في المدينة المنورة أما في السنوات المكية فلم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا عدد قليل لعله لا يتجاوز 400 شخص وكان أغلبهم من المستضعفين المضطهدين مما أدى إلى هجرة الكثير منهم مرتين إلى الحبشة وبالتالي انفصالهم المباشر عن تلقي الدعوة الإسلامية من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفي هذه السنوات المكية كان المشركون يضيقون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضيقاً شديداً ويمنعونه من تبليغ دعوته للآخرين حتى وصل الأمر فيهم إلى أن حاصروه مع جملة من الهاشميين 3 سنوات في شعب أبي طالب حيث المجاعة الشديدة..

وانتهت هذه السنوات المكية دون إكمال للشريعة!! حين دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة المنورة ليقضي فيها 10 سنوات كانت مليئة بالحروب والغزوات إضافة إلى بعض الخلافات التي حصلت بين المسلمين، وقد سجل التاريخ في تلك الفترة ما يقارب ثمانين غزوة ومعركة وإرسال سرايا وما شابه وكان القائد العسكري المباشر لها هو النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وقد شكلت كثرة هذه الغزوات والحروب بعد المعوقات أمام تبليغ كل الشريعة.

* علي وإكمال الدين
إن الدارس للمرحلة المدنية يلاحظ أن الفرصة لم تسع للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغ كل الشريعة بشكل كامل للكل الناس، ما جعله أمام خيار وحيد هو في الواقع خيار إلهي يتمثل بتربية شخص يكون مخزناً للدين والشريعة ليكون له دور أساسي بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في إيصال هذه السنة إلى الناس.. ووقع الاختيار الإلهي على الإمام علي عليه السلام ليكون هو صاحب الدور الهام في تبليغ السنة النبوية البشرية للناس فكان عليه السلام محلُّ الفيض الإلهي وموطن تعليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والنصوص التي تشير إلى علم الإمام علي عليه السلام وردت لتؤكد كونه معدن علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخازن الشريعة المقدسة لافتة بذلك إلى مرجعيته العامة للمسلمين بعد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من هنا أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على علم علي عليه السلام وأنه المدخل الأساسي لعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال: "أنا مدينة العلم وعلي بابها". وحدثنا علي عليه السلام عن العلوم التي تلقاها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخزن فيه سنَّته قائلاً: "علمني رسول الله ألف باب يفتح لي من كل باب ألف باب". لماذا هذه السعة لعلم الإمام علي عليه السلام؟.. أكانت لأجل الترف العلمي؟!!.. حاشا وكلا، بل كانت لأجل دور علي عليه السلام في إكمال تبليغ الدين.
لذا فإن اللّه تعالى لم يقل {اليوم أكملت لكم دينكم} إلا بعد أن جمع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين في غدير "خم" وقال لهم: ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا: بلى.. قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
ونم هذا نعرف السر في عظمة علي عليه السلام وفي كونه النور الثاني بعد نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرسالة الإسلام الخالدة التي جعلت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مقامه السامي هي نفسها أعطت لعلي عليه السلام مقامه السامي ليحتل الموقع الثاني بعد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا ما يحيطنا فهماً بمعنى الإمامة الأساسي عدن الشيعة الذي يرتبط بالدين أولاً وبالمنصب السياسي ثانياً.

ولم تسنح الظروف المعروفة للإمام علي عليه السلام أن يبلغ كل السنة للناس فخزن علومه في الحسن والحسين عليه السلام ليكونا كما أخبر عنهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا" فمرجعيتهما الدينية باقية سواء حكما أو لم يحكما إذ لهما دور أساسي في تبليغ الشريعة ورسالة الإسلام، من هنا كانا من الأنوار الأولى اللاحقة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لهما المقام السامي، وهكذا حدث مع الحسن عليه السلام ثم الحسين عليه السلام الذي خزن علومه في الإمام زين العابدين عليه السلام وهو في الباقر عليه السلام وهو في الصادق عليه السلام وهو في الكاظم عليه السلام وهو في الرضا عليه السلام وهو في الجواد عليه السلام وهو في الهادي عليه السلام وهو في العسكري عليه السلام وهو في الإمام القائم الحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي على يديه تم النصاب.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع