مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح اللّه: من آداب التسمية(*)


روي في كتاب التوحيد عن الإمام الرضا عليه السلام حين سُئِل عن تفسير البسملة: "معنى قول القائل: بسم الله؛ أي أَسِمُ على نفسي سمةً من سمات الله عزّ وجلّ، وهي العبادة. [قال الراوي] فقلت: ما السمة؟ قال: العلامة"(1).


•الاستعاذة مقدّمة البسملة
اعلم أنّ الدخول في منزل التسمية لا يتيسّر للسالك إلّا بعد الدخول في منزل الاستعاذة، واستيفاء حظوظ ذاك المنزل؛ فما دام الإنسان في تصرّف الشيطان ومقهوراً تحت سلطنته، فهو متّسمٌ بالسمات الشيطانيّة. وإذا غلب على باطنه وظاهره غلبة تامّة، يصير هو بجميع مراتبه آية وعلامة له، فإذا أتى بالتسمية في هذا المقام، فيقولها بالإرادة الشيطانيّة والقوّة الشيطانيّة واللّسان الشيطانيّ، ولا يحصل من استعاذته وتسميته سوى تأكيد السلطنة الشيطانيّة. فإن أفاق بتوفيق الله من نوم الغفلة، وتحقّقت له حالة اليقظة، وأحسّ بلزوم السير والسلوك إلى الله، بنور الفطرة الإلهيّة، وأنوار التعليمات القرآنيّة، وسنن الهداة إلى طريق التوحيد في منزل اليقظة، وأدرك القلب موانع السير، فتحصل له عندئذٍ حالة الاستعاذة بالتدريج، وبعد ذلك يدخل منزل الاستعاذة بالتوفيق الربّانيّ. فإذا تطهّر من القذارات الشيطانيّة فيتجلّى في مرآة السالك شيءٌ من تلك الأنوار الإلهيّة، على حسب ما يناسبه بمقدار تطهيره الباطن والظاهر. وفي أوّل الأمر، تكون الأنوار مشوبة بالظلمات، بل تكون الظلمة غالبة: ﴿خَلَطُواْ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ (التوبة: 102). وبالتدريج، فكلّما قوي السلوك، يغلب النور على الظلمة، وتظهر سمات الربوبيّة في السالك، فتصير تسميته حقيقيّة إلى حدّ ما.

•تسمية الأولياء
تكون العلامات الشيطانيّة، في الظاهر، المُخالَفَة لنظام المدينة الفاضلة، وفي الباطن العُجب والاستكبار وأمثالها، وفي باطن الباطن رؤية النفس وحبّها وأمثالهما، ثمّ ترتحل بالتدريج عن مملكة باطن السالك وظاهره، وتسكن مكانها سمات الله، وهي في الظاهر حفظ نظام المدينة الفاضلة، وفي الباطن العبوديّة وذلّة النفس، وفي باطن الباطن حبّ الله ورؤيته. فإذا صارت المملكة إلهيّة، وخلت من شياطين الجنّ والإنس، وظهرت فيها السمات الإلهيّة، يتحقّق السالك بنفسه في مقام الاسميّة؛ فأوّل تسمية السالك عبارة عن الاتّصاف بالسمات الإلهيّة وعلاماتها، ثمّ يترقّى عن هذه المرتبة ويصل بنفسه إلى مقام الاسميّة. وهذا أوّل قرب النافلة؛ فإذا تحقّق بقرب النافلة، نال تمام الاسميّة، فلا يبقى بعده شيء من العبد والعبوديّة. وإذا وصل أحد إلى هذا المقام، تقع صلاته كلّها بلسان الله، وهذا يتحقّق في القليل من الأولياء.

•تسمية المؤمنين
أمّا المتوسّطون أمثالنا الناقصون، فالأدب أن نسمَ القلب بسمة العبوديّة وكيّها عند التسمية، ونعلن القلب من سمات الله والعلامات الإلهيّة، وألّا نكتفي بلقلقة اللّسان؛ فلعلّ من العنايات الأزليّة نبذة تشمل حالنا وتجبر ما سبق منّا، فينفتح لقلوبنا طريقٌ إلى تعلّم الأسماء، ويحصل سبيلٌ إلى المقصود.

•الرحمة الرحمانيّة والرحيميّة
يمكن أن يكون المقصود من السمة من سمات الله في هذا الحديث الشريف المذكور أول الكلام، سمة الرحمة الرحمانيّة والرحمة الرحيميّة وعلامتهما؛ لأنّ هذين الاسمين الشريفين من الأسماء المحيطة التي وصلت دار التحقّق كلّه في ظلّهما الشريفين إلى أصل الوجود وكماله، ويستمرّ هذا الوصول. والرحمة الرحمانيّة والرحيميّة شاملة لدار الوجود كلّه. حتّى أنّ الرحمة الرحيميّة، التي تتجلّى منها حصراً هدايات الهادين كافّة إلى طريق التوحيد، تشمل الجميع، إلّا أنّ الخارجين عن فطرة الاستقامة بسوء اختيارهم، حرموا أنفسهم منها؛ لأنّ الرحمة غير شاملة لحالهم. حتّى أنّه في عالم الآخرة، وهو يوم حصاد ما زُرع من الحسنة والسيّئة، فالذين زرعوا السيّئة، فهم بأنفسهم قاصرون عن الاستفادة من الرحمة الرحيميّة.

•غاية الأنبياء والأولياء عليهم السلام
بالجملة، إذا أراد السالك أن تكون تسميته حقيقيّة، فلا بدّ له أن يوصل مراحم الحقّ تعالى إلى قلبه، ويتحقّق ذلك بالرحمة الرحمانيّة والرحيميّة. وعلامة حصول نموذج منها في القلب، أن ينظر السالك إلى عباد الله بنظر العناية والتلطّف، ويطلب الخير والصلاح للجميع، وهذا هو نظر الأنبياء العظام والأولياء الكمّل عليهم السلام. غاية الأمر أنّ لهم نظَرَين: أحدهما النظر إلى سعادة المجتمع ونظام العائلة والمدينة الفاضلة، والآخر النظر الشخصيّ. وهم عليهم السلام على علاقة كاملة بهاتَين السعادتَين والقوانين الإلهيّة، التي تؤسّس وتنفّذ وتكشف وتجري بأيديهم. وهم عليهم السلام يراعون فيه هاتَين السعادتَين حتّى إجراء القصاص والحدود والتعزيرات وأمثالها. حتّى الذين ليس لهم نور الإيمان والسعادة، كيهود بني قريظة، فإنّ قتلهم كان من مظاهر الرحمة الكاملة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنهم مع وجودهم في هذا العالم، يهيّئون لأنفسهم في كلّ يوم أنواع العذاب الذي لا يقابل يوماً من عذاب الآخرة وعسرها.
 

(*) مستفاد من كتاب: الآداب المعنويّة للصلاة، الإمام الخمينيّ قدس سره، المصباح الثاني، الفصل الرابع.
1.التوحيد، الصدوق، ص 230.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع