نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الحرية في فكر القائد



الإمام الخامنئي( دام ظله)


أضحى بحث الحرية في نظر الإسلام ضرورة حتمية لا غنى عنها خاصة في الآونة الأخيرة بعد الدعايات المكثفة والتحريفات المركزة حول هذا المفهوم الهام جداً.
ولا شك أن على العلماء والمفكرين أن يهبوا هبة واحد لكشف هذه الأراجيف ودحضها وتوضيح القواعد والأسس الفكرية الإسلامية حول هذه القضية بالذات إحقاقاً للحق وإزهاقاً للباطل.
وفي هذا المجال كان قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام الخامنئي (دام ظله الشريف) قد التقى أواخر العام الماضي جمعاً من الطلاب المتخرجين من جامعة إعداد الأساتذة الجامعيين حيث تناول مسألة الحرية وبيِّن بعض جوانبها، ونظراً لأهمية الخطاب اقتطفنا منه موضع الحاجة لنقدمه إلى القراء الكرام.


عندما نريد التعرض للحرية، علينا أن نستخدم شعارنا الآخر وهو: الاستقلال، لا أن نفكر بتقليد وتبعية. فلو قلدنا الآخرين في هذه المسألة التي هي الأساس لكثير من مسائلنا وتطورنا. وفتحنا أعيننا بوجه النافذة التي تقدم لنا الأفكار الغربية فقط، نكون حينها قد ارتكبنا خطأ كبيراً، واخترنا نتيجة مرة.

إني أشير في البداية إلى أن مسألة الحرية هي من الأمور التي أكد عليها القرآن الكريم وكلام الأئمة عليهم السلام، وتكرر التأكيد عليها.
من البديهي أن تعبير الحرية الذي أتحدث عنه هنا ليس المقصود منه الحرية المطلقة التي لا تؤيدها أي أحد في هذه الدنيا. لا أظن أن أحداً في هذه الدنيا يدعو إلى الحرية المطلقة، وليس مقصودنا أيضاً الحرية المعنوية الموجودة في الإسلام، وخاصة في المستويات الراقية من المعارف الإسلامية، فليس هذا محل بحثنا أيضاً، حيث أن كل المعتقدين بالمعنويات يعتقدون بالحرية المعنوية، وليست محل رفض وقبول.
بل إن قصدنا من "الحرية" التي نتحدث عنها هنا هو "الحرية الاجتماعية" الحرية التي هي بمثابة حق إنساني في التفكير والقول والاختيار وما إلى ذلك، وهذا ما يجله القرآن والسنَّة.

جاء في الآية الشريفة 157 من سورة الأعراف، قوله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم...".
إن الله سبحانه وتعالى ذكر أن من خصوصيات النبي أنه يرفع الغل والقيود عن أعناق البشر، فالإصر يعني الالتزامات المفروضة على البشر، إنه مفهوم عجيب جداً وواسع، فلو نظرتم إلى المجتمعات الدينية وغير الدينية آنذاك لعرفتم أن هذا الإصر هو هذه التعهدات والالتزامات المفروضة على البشر من عقائد باطلة وخرافية، وكثير من القيود الاجتماعية الخاطئة التي فرضتها على الناس الجماعات المستبدة أو المحرفة أو المستخفة بالناس. وهكذا بالنسبة للأغلال والقيود.
وفي كلمة مشهورة وردت في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حراً".
في هذه الجملة الوجيزة تكمن خصوصيات الحرية، وأهم هذه الخصوصيات هي أنها فطرة إنسانية "وقد خلقك الله حراً".

طبعاً هناك كلام كثير يمكن طرحه في هذا المجال، لكن المسألة الأهم التي لا يمكن إغفالها هي التفكير بشكل مستقل في باب الحرية.
لاحظوا إذاً أن "الحرية الاجتماعية" بمعناها الذي اصطلح عليه في الثقافة السياسية العالمية الحاضرة، أن لها جذوراً عميقة في القرآن. ولا داعي لأن نراجع الليبرالية في أوروبا إبان القرن الثامن عشر، وننظر ماذا قال "كانت" و"جان استوارت ميل" وغيرهما، فنحن لدينا كلام ومنطق في هذا وسأشرح لكم كيف أن كلام أولئك لا يمكن أن يكون دليلاً لنا في الطريق بل إن الحرية هي مفهوم إسلامي.

هناك جماعتان تعملان وتتعاونان معاً لمواجهة أسلمة مفهوم الحرية وإعطائها هوية محلية.
الجماعة الأولى هم أولئك الذين يأتون في كلماتهم دوماً بشواهد مما قاله فلاسفة القرون الثلاثة الماضية في الغرب حول مسألة الحرية، فيكررون أن فلاناً قال كذا، وفلاناً قال كذا. بالطبع فإن هؤلاء من نجبائهم حيث يذكرون أسماء أولئك الفلاسفة، أما البعض الآخر من هذه الجماعة فإنهم يدّعون الفلسفة في الصحف، فيأتون بكلام "جان استيوارت ميل" وكلام الفيلسوف الفرنسي أو الألماني أو الأميركي دون أن يذكروا اسمه، بل يذكرون الكلام باسمهم هم، فأولئك يزوّرون كما يساهمون في إيجاد تصوّر يقول إن فكر الحرية، ومفهوم الحرية الاجتماعية هو فكر عربي، وقد أهدانا إياه الغرب.
الجماعة الثانية تقدم العون لأولئك دون أن تدري، ذلك لأنهم ما أن يطرح مفهوم الحرية حتى يدبّ الرعب فيهم، ويملأهم الخوف ويصرخون: ذهب الدين! كلا... إن الدين هو أكبر داعية للحرية، فلماذا يذهب الدين؟! إن الحرية الحقيقية والحرية المعقولة هي أهم هدية يقدمها الدين للشعب والمجتمع.
فببركة الحرية تنمو الثقافات، وتتفتح الطاقات وتتفجر. الاستبداد هو الذي يعادي الاستعداد، فحيثما يحل الاستبداد، ينكمش الاستعداد. أما الإسلام فإنه يريد نمو الإنسان وتطوره، إن الطاقات الإنسانية العظيمة يجب أن تستخرج مثلما تستخرج الطاقات الطبيعية، لتتمكن تلك الطاقات من إعمار الدنيا. وهل يمكن ذلك دون الحرية؟ وهل يمكن ذلك بالأمر والنهي؟
لهذا فمن الخطأ أن يفكر أولئك بهذه الطريقة، فأتباع هاتين الجماعتين الذين يمكن أن نسميهم بالمتغربين والمحتاطين، إنهم في الواقع يقفون في خندق واحد دون أن يدركوا ذلك، ويعملون معاً على إخراج مفهوم الحرية من الإطار الإسلامي بشكل كامل، في حين أن الواقع ليس كذلك، فمفهوم الحرية هو مفهوم إسلامي.
إني استعرض هنا حقيقة وهي أن الإسلام يولي هذه الحرية الاجتماعية اهتماماً أكثر من المذاهب الغربية.

بالطبع فإن تفاسير الليبرالية للحرية متعددة، أي أنه منذ نشأت الليبرالية في فرنسا بعد "رنسانس" ثم في أوروبا، ثم انتشرت في أنحاء العالم وحتى انتهت بالثورة الفرنسية، ثم استعملت محرّفة في حروب الاستقلال الأميركي، وظهر البيان الأميركي للحرية.. وكل ذلك يحتاج إلى فرصة أكبر للحديث عنه.. وحتى يومنا هذا ظهرت عشرات التفاسير والتحاليل عن الليبرالية، وخاصة في البرهة الأخيرة، فما يزال أصحاب النظريات والمنظّرين الأميركيين أو المتأمركين يكتبون في هذا المجال.
وألفت انتباهكم هنا إلى أن كثيراً من المفكرين حتى غير الأميركيين يكتبون في هذا المجال وخاصة في "الامبراليزم" بطلب من الأجهزة الأمريكية.

فقد تكتب كتبهم في النمسا أو ألمانيا أو فرنسا، لكنها تطبع في نيويورك فالطالب والزبون أمريكي، والهدف أمريكي، ولهذا الأمر أيضاً قصة طويلة. لكن خلاصة كل ذلك هو أنه رغم وجود كل تلك التفاسير المختلفة فإن النظرة الإسلامية تعدّ نظرة راقية متطورة. فأولئك يعانون من مشكلة في تقديم فلسفة الحرية، وما هي فلسفة الحرية، ولماذا يجب أن يكون البشر أحراراً. فكل هذه الأسئلة تحتاج إلى استدلال وأسس فلسفية. وقد قيل الكثير في هذا المجال: الفائدة الخير العام، اللذة العامة، اللذة الفردية، والحد الأقصى لكل حق من الحقوق المدنية. كل هذه الأمور قابلة للطعن، وقد طعن فيها أولئك بأنفسهم.

لو طالعتم المقالات التي كتبت ونشرت حول الليبرالية والحرية في السنوات الأخيرة لرأيتم كم هي كلمات تستهلك الوقت ولا طائل منها ولا فائدة، وتشبه جدل القرون الوسطى، فذاك قال جملة، وذاك ردَّ عليها ثم رد الأول على الثاني! إنها في الحقيقة تمثل تسلية سيئة لمثقفي العالم الثالث. فواحد يؤيد هذه النظرية، وآخر يؤيد تلك النظرية. وواحد يقبل استدلال هذا، وآخر يعلق على ذلك الاستدلال، وواحد يدعي لنفسه نظرية أخرى وهكذا.
الحد الأقصى الذي بلغته تلك البحوث هي أن منشأ وفلسفة الحرية أنها حق إنساني. في حين أن الإسلام قال أكثر من ذلك، فإنه كما جاء في الحديث الذي لاحظتموه يعتبر الحرية أمراً فطرياً لدى الإنسان، نعم إنه حق، لكنه أسمى من سائر الحقوق، كحق الحياة وحق العيش فيها، وكما أن حق الحياة لا يمكن أن يعد في مستوى حق السكن وحق الاختيار وغير ذلك. بل إنه أسمى من كل ذلك، وهو الأساس لكل تلك الحقوق. وكذلك هي الحرية في رأي الإسلام.

طبعاً فإن هناك استثناءات، فيمكن سلب هذا الحق في بعض الأحيان، فمثلاً حق الحياة، إذا قتل شخص شخصاً آخر، فيقاصّ القاتل، وإذا ارتكب شخص ما فساداً فيقاصّ بذلك. وهكذا الأمر بالنسبة لحق الحرية، لكن ذلك استثناء. هذه هي نظرية الإسلام.
بناءً على هذا إن من الخطأ أن تتصوروا أن فكرة الحرية الاجتماعية هي فكرة مهداة لنا من قِبَل الغرب، وكلما أردنا أن نتحدث في هذا المجال بكلام جميل ولطيف علينا أن نذكر كتاب فلان، أو أن نذكر فلاناً الذي جلس في الغرب ليضع لنفسه أفكاراً ويكتب. كلا لا بد من التفكير باستقلال، لا بد من مراجعة مصادرنا والمصادر الإسلامية. فالإنسان عندما يطالع أفكار الآخرين، فإنه يفعل ذلك ليشرّح أذهانهم، ويجد النقاط النيّرة فيستفيد منها، لا ليقلّدهم، وإذا ما طرح تقليد الغير في هذا المجال فسيكون الأمر مضراً جداً.
إني كما قلت آنفاً اعتبر أن هذا الصراع الفكري والصحفي ظاهرة مباركة، لكني أرى أن الكثيرين لا يلتفتون لهذا الأصل الذي ذكرناه.

وإني أشير هنا إلى فرقين أساسيين أو ثلاثة بين الحرية في منطق الإسلام والحرية في منطق الغرب، وقد ذكرت أن الليبرالية تشكل مجموع النظريات والاتجاهات المختلفة الموجودة في هذا المذهب، وقد تختلف بعض نظرياتها واتجاهاتها في بعض المجالات مع بعضها الآخر، لكننا نناقشها كمجموعة.

في رسالة الغرب الليبرالي تعدّ حرية الإنسان مجردة عن حقائق اسمها: الدين والله. لهذا فإنها لا تعتبر مطلقاً أن الحرية عطاء رباني، ولا تعتقد أن الله أعطى الإنسان حريته. لذلك فإنها تبحث عن منشأ وعن أسس فلسفية للحرية، وقد ذكرت ذلك، وقد ذكروا أسساً لها وقدموا تحاليل مختلفة في هذا المجال. في حين أن الإسلام يعتبر أن للحرية أساساً إلهياً، نفس هذا الأمر يعدّ تفاوتاً أساسياً، ويشكل منشأ لكثير من الفوارق الأخرى.
استناداً إلى منطق الإسلام فإن التحرك ضد الحرية يُعد تحركاً ضد ظاهرة إلهية، وهو يستدعي في المقابل وجود تكليف ديني. أما في الغرب فإن مثل هذا الأمر لا وجود له. أي أن الصراعات الاجتماعية التي تقع في الدنيا من أجل الحرية تنشأ من التفكير الليبرالي الغربي. وهذا ليس منطقياً.
مثلاً من الشعارات المطروحة "الخير العام" أو "خير الأكثرية" ويُعد هذين من أسس الحرية الاجتماعية. فلماذا يجب أن أُقتل وأفنى من أجل خير الأكثرية؟ ليس هذا منطقياً.

بالطبع فإن الهيجان الموسمي والآني يحرك الكثيرين نحو ساحة الحرب. لكن ما إن يرجع أي من أولئك الذين تقدموا للقتال تحت لواء مثل هذه الأفكار - هذا إن كان قد قاتل حقاً تحت لواء هذه الأفكار - فبمجرد أن يخرج من ساحة المواجهة حتى يتملكه الشك ويتساءل: لماذا أذهب لأُقتل؟
في الفكر الإسلامي ليس الأمر هكذا، فالمواجهة من أجل الحرية تكليف، لأنه نضال من أجل أمر إلهي. كذلك الأمر إذا رأيت شخصاً تسلب روحه، فمن واجبك أن تتوجه لمساعدته، إنه واجب ديني، وإذا لم تؤديه تكون قد أذنبت، وهكذا الأمر بالنسبة للحرية، عليك أن تتوجه للدفاع عنها لأنه واجبك...

في العدد القادم: هل الحرية مطلقة؟ أم محدودة؟ وما هي الحدود التي يمكن أن تفيد الحرية؟


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع