أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أبعاد ومعاني الولاية



الشيخ محمد يزبك


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، هذه نفحات من عبق الولاية من آية الولاية: (إنّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (المائدة /55).

الوجود، حدوثه وبقاؤه، قائم بالولاية إذ لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، وهناك الولاية لله الواحد الأحد الفرد الصمد التي هي ذلك الفيض المظهر إذ لا ظهور إلاّ به وهو الدال على ذاته بذاته، فالفيض نوره الذي تجلّت به الأشياء والولاية بهذا المعنى هي الولاية التكوينية. قال تعالى: (أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموت وهو على كلّ شيء قدير) (الشورى/9).

وقال تعالى معبراً عن هذه الولاية والعلاقة ما بينه سبحانه وتعالى وبين مخلوقاته: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (ق/16). وقال تعالى لافتاً أكثر إلى عمق الولاية والصلة مع مخلوقه: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه وأنّه إليه تحشرون) (الأنفال/24).

ما أروعه من تعبير عن هذه العلاقة: (إنّ الله يحول بين المرء وقلبه). وفي آية أخرى: (أقرب إليه من حبل الوريد)، والولاية بهذا المعنى ليست هي محل البحث، وأيضاً ما يتفرّع عنها بالنسبة إلى الخالق سبحانه وتعالى من الولاية بمعنى النصرة، حيث يقول تعالى: (ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) (الروم /47)، ويقول تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) (التحريم /4). ومن الولاية بمعنى التشريع والهداية والتوفيق، حيث قال تعالى: (والله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) (البقرة/257). يخرجهم بسبب إرشاده وتشريعه لهم ما يكون مؤدياً إلى ذلك الخروج من الظلمات إلى النور، من الجهل إلى العلم، من الباطل إلى الحق. وهذا لم يكن إلجاءً وجبراً وإنّما دعاهم لما يحييهم فاستجاب البعض فاستفادوا واهتدوا بذلك النور، بينما البعض الآخر لم يسمعوا بل استهزأوا واعترفوا بقولهم: (إنّما نحن مستهزؤون) (البقرة/14). ولم يعلموا أنّ الله عالم بحالهم وما هم عليه: (والله يستهزئ بهم ويمدّهم في طغيانهم يعمهون) (البقرة/15). يتركون ويوكلون إلى أنفسهم بعدما اختاروا الابتعاد عن هذا النور الإلهي: (مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلمّا أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمي فهم لا يرجعون) (البقرة /17-18).

نعم هذا واقع الذين لا يهتدون، الذين أولياؤهم الطاغوت المرشدون لهم إلى صراط الجحيم، قال تعالى: (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (البقرة/257).

ويردّ الله على الذين اختلفوا في انتساب النبي إبراهيم عليه السلام بشرعه ودينه، فقال اليهود كان يهودياً على شرعنا، وقال النصارى كان نصرانياً على شرعنا، وقال المشركون كان على ما نحن عليه، فقال تعالى: (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين * إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) (آل عمران/67-68).

ويحدثنا القرآن الكريم أنّ أولئك الذين أعرضوا عن شرع الله ولم يهتدوا بهداه وأطاعوا ساداتهم وكبراءهم في التشريع والتقنين بقوله تعالى: (يوم تقلّب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول * وقالوا ربنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل) (الأحزاب/66-67).
اعترفوا وتمنوا لو أنّهم أطاعوا الله والرسول ولكن بعدما فاتتهم الفرص. وقال تعالى: (ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنّهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإنّ الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين) (الجاثية / 18-19).

ويبين الله تعالى في كتابه المجيد أنّه صاحب الولاية والاختيار فإذا اختار وبين وأوضح، ما كان لهم أن يختاروا، حيث قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً) (الأحزاب / 36).

الولاية كلها لله تعالى يمنحها من يشاء من خلقه وعباده بمقتضى حكمته وفيضه فهي منه مستمدّة وإليه تعود، ولكن الذين يشرفهم بالولاية هم أولئك الذين يملكون الاستعداد الكامل لتلقّي هذا الفيض: و(الله أعلم حيث يجعل رسالته) (الأنعام/124). وهذا لم يرجع لاختيار الإنسان كشخص أو الأمة كجهة، بل هو اختياره، من هنا فالولاية هي ولايته وليس ولاية الأمة على نفسها ليكون لها الاختيار. وما قد يقال إنّ الأمة قبل وعيها ورشدها بحاجة إلى تعيين، إذ ليس بمقدورها الاختيار، ولكن بعد بلوغها ورشدها تترك وشأنها في الاختيار بنفسها لأنّه أصحّ لها أن تختار من توليه زمام أمرها ليكون ولياً وحاكماً، وأنّ الأمّة تبلغ الرشد بعد بعث الأنبياء والرسل وبيان طرق الهداية؛ فهذه دعوى، والأدلّة على خلافها، ولسنا بصدد ذلك، وإنّما نعود إلى العبق الذي انطلقنا منه نلتمس أبعاد قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (النساء/59).

من هم أولو الأمر؛ هذا هو سر ذلك "العبق الولائي" الذي به تحيا الأمة وتهتدي السبيل. والقرآن يوضح بعضه بعضاً، وما خفي عليكم أمره فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو المرجع والمفسّر والموضح، وما من سبيل آخر إلاّ إلى الضلال والابتعاد والخروج إلى ولية غير الله تعالى كما استوحينا. ومما تقدّم ذكره في عرضنا لآيات الولاية واعتراف من اعترف بعد انكشاف الحق، نأتي القرآن للبحث فيه عن أولي الأمر فلنقرأ قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء).

من التأمّل المجرد يتبين أن الولاية التي هي امتداد لولاية الله تعالى، كانت للرسول الذي يختاره الله تعالى والذي اجتمعت فيه خصال الاختيار، وهذه الولاية بمعنى الحاكمية و"الأولى بالنفس" لها امتداد إلى الذين آمنوا المعبّر عنهم في سورة النساء: (أولي الأمر)، مع اختلاف حيثية النبوة والوحي وتلقي الأحكام. وحيثية أولي الأمر إنها امتداد للرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام في ردّه على عبد الرحمن بن عوف قائلا: (بل على كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي).

وأولو الأمر هم الذين استفسر عنهم إبراهيم عليه السلام بعدما بُشّر بالإمامة، قال تعالى: (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إنّي جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) (البقرة/124)، ولي الأمر لا يكون ظالماً ولا للحظة، كان المشتق حقيقة في خصوص المتلبس أو أعم، لأنّ الولاية هي عهد الله لا ينالها إلاّ أوليائه الذين عصموا عن كلّ زلل وخطأ فضلاً عن ارتكاب ظلم.
وأولو الأمر تفصح عنهم آية المباهلة حيث يقول تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (آل عمران/61).

وآية التطهير أشد تأكيداً: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (الأحزاب/33). ناهيك عن آيات التبليغ وإكمال الدين وإتمام النعمة، حيث قال تعالى: (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين) (المائدة/67)، وقال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) (المائدة/3).
والرسول صلى الله عليه وآله وسلم بيّن بأحاديث جمّة أنّ أولي الأمر هم الأئمة الهداة عليهم السلام، وقد ذكر في بعضها علياً عليه السلام وفي بعضها الآخر الأئمة الإثني عشر، ننقل بعضاً منها:
قال شيخ الصوفية الإمام المحدث إبراهيم بن محمد حمولة الجويني الشافعي نقلاً عن ابن عباس رضوان الله عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (أنا سيد النبيين وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين. وإنّ أوصيائي من بعدي اثنا عشر أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم المهدي).
وروى النقدوزي الحنفي بسنده عن جابر بن زيد الجعفي، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (يا جابر إنّ أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ثمّ الحسن ثم الحسين ثمّ علي بن الحسين ثمّ محمد بن علي المعروف بالباقر، ستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام، ثمّ جعفر بن محمد ثمّ موسى بن جعفر ثمّ علي بن موسى ثمّ محمّد بن علي ثمّ علي بن محمد ثمّ الحسن بن علي ثم القائم اسمه إسمي وكنيته كنيتي ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن أوليائي غيبته، لا يثبت على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان). قال جابر: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهل للناس الانتفاع به في غيبته، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (إي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن سترها السحاب، هذا من مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه إلاّ عن أهله).

وحديث الثقلين مما استفيض به واشتهر بل بلغ حدّ التواتر المعنوي، ورد في مستدرك الصحيحين: (كأنّي قد دعيت فأجبت، إنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض).
وورد في كتب التفاسير أنّ آية الولاية: (إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)، نزلت في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بقصّة مذكورة في كتبهم.. والغدير في علي عليه السلام، وقد تواتر حديث. فضلاً عمّا ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في خطابه لعلي عليه السلام: (أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي).
هذا الذي نستوحيه ولا نشكّ ولا نرتاب في الولاية ونهجها فإنّها الحياة والسبيل والمسلك إلى رضوان الله تعالى كما جاء في دعاء الندبة: (وجعلت أجر محمد صلواتك عليه وآله مودّتهم في كتابك، فقلت: (قل ما أسألكم عليه من أجر إلاّ من شاء أن يتخذ إلى ربّه سبيلاً) وكانوا هم السبيل إليك والمسلك إلى رضونك).

في عبق الولاية نحيا ونستمر، وبالولاية نخرق حجب النور لنصل إلى معدن العظمة فتتعلّق أرواحنا بعزّ قدسه، وعلى عتبة ذكرى ولادة صاحب الولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام نتوجّه إلى الله تعالى بالدعاء للإمام المهدي عجّل الله فرجه وظهور الأمر، مباركين لوليّ أمر المسلمين قائد مسيرة المستضعفين الإمام الخامنئي دام ظلّه، داعين له بطول العمر والمزيد من العزّة والنصر للأمة الإسلامية والمستضعفين في العالم، على أمل أن تعمّ بركات الولاية وتشرق الأرض بنورها وتستقرّ بدفئها إنّه السميع المجيب والحمد لله ربّ العالمين.

 

أبو تراب:
أول من كني بأبي تراب علي بن أبي طالب كنّاه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين وجده راقداً على التراب فقال له ملاطفاً قم يا أبا تراب فكان أحب ألقابه إليه لأنّه كان يعتبره كرامة له ببركة النفس المحمدي.
وقد سئل عبد الله بن عباس كنى رسول الله علياً أبا تراب فقال: قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا كان يوم القيامة رأى الكافر ما أعدّ الله تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة "يقول يا ليتني كنت تراباً".
ويقول العلامة المجلسي: يمكن أن يكون الآية (40 في سورة النبأ) لبيان وجه آخر لتسميته بأبي تراب لأنّ شيعته لكثرة تذلّلهم له وانقيادهم لأوامره سُمّوا تراباً كما في الآية الكريمة ولكونه عليه السلام صاحبهم وقائدهم ومالك أمورهم سمي أبا تراب.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع